[البقرة: 102] إلخ لأن النبذ عند مجيء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصور منهم.
وقال السدى: لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة. فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة لموافقة القرآن لها، وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن، فهذا قوله تعالى: ولما جاءهم رسول. إلخ { ورآء ظهورهم } لم يعتنوا به، إذ لم يعملوا بما فيه من الفرائض والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينتهوا عما نهوا فيه، كالشىء الحقير الملقى وراء الظهر، بجامع عدم المبالاة فلم ينفعهم، أن أدرجوه فى الحرير، وحلوه بالفضة والذهب الإبريز، وقد سماه الله كتاب الله تعظيما له، وتهويلا لما اجترأوا عليه من نبذه وراء الظهر { كأنهم لا يعلمون } أن التوراة كتاب الله، وأن فيها نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم خمس فرق، فرقة آمنوا بها وقاموا بحقها، وعملوا بما لم ينسخه الإنجيل منها، كعبدالله بن سلام، وهم الأقلون المفهمون مفهوم مخالفة من قوله أكثرهم، كأنه صرح بهم، إذ فهموا بالقيد، وفرقة نبذوها جهرا، وهم المذكورون بقوله نبذه فريق وهم عالمون بأنها حق، وفرقة نبذوها فى خفاء جهلا بأنها حق، وهم الأكثرون فى قوله تعالى:
بل أكثرهم لا يؤمنون
[البقرة: 100] وفرقة علموا أنها حق وتمسكوا بها ظاهرا ونبذوها خفية، عنادا أو تجاهلا، وهم فى قوله، كأنهم لا يعلمون، وفرقة علموا أنها حق ولا يتمسكون بها ظاهرا، وهذه قسمة متعينة، صحت بالعناية المقصودة فى التقسيم، فلا يضرنا جواز دخول الخامسة فيما قبلها، والعدد من حكم المجموع المتوزع فى الآيات مع أن الضمائر فيها لليهود مطلقا.
[2.102]
{ واتبعوا } معطوف على قوله ولما جاهم... إلخ، عطف قصة على أخرى [ما] أى السحر، ما تأخذ الكهنة من الشياطين، وما تضم إليه من الأكاذيب { تتلوا الشيطين } تتبع، أو تقرأ على الناس، أى، ما تلت، ولكن نزل الحال الماضية منزلة الحاضرة، كأنهم تشاهد، فليس مما يترتب على نبذ الذى هو جواب لما إلا على ما مر من أن القرآن وافق التوراة فنبذوها، وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن، فهذا قوله تعالى
ولما جاءهم رسول من عند الله...
[البقرة: 101] الآية { على ملك سليمن } فى عهد ملكه، أى زمانه، أو على بظاهرها، فيضمن معنى تتلو معنى تتقول، أى تكذب، قالت اليهود، انظروا إلى محمد، يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان فى الأنبياء، إنما كان ساحرا، يركب الريح، وكانوا لا يسألونه عن شىء إلا أنزل عليه، فقالوا، محمد أعلم بما أنزل إلينا منا، فسألوه عن السحر فنزل، واتبعوا ما تتلوا الآية، محمد أعلم بما أنزل إلينا منا، فسألوه عن السحر فنزل، واتبعوا ما تتلو الآية، وقيل ملك سليمان كرسية { وما كفر } أشرك { سليمن } فإن السحر الذى تتلوه الشياطين تضمن إشراكا، كدعوى، أن الساحر خلق كذا، أو حول الشيخ شابا، أو الإنسان حمارا أو الطبيعة علة تغنى عن الله، وكدعوى أن السحر حلال وما لم يكن فيه شرك ففسق، فلا ما نع من أن الكفر شامل لذلك كله، وهذا كما عنده هذه الأمة، ويحتمل أنه عند من قبلنا شرك مطلقا، وما فعل سليمان ذلك وما علمه { ولكن الشيطين كفروا } إذ فعلوه وعلموه الناس، كما فسر الكفر بقوله { يعلمون الناس السحر } والمراد بالشياطين فى الموضعين متمردو الجن، والمعنى الموجود فى الحقيقة، وهى هنا متمردو الجن، وفى المجاز وهو هنا متمرد الإنس، وذلك المعنى هو مطلق التمرد، وذلك عموم معنى الجميع بين الحقيقة والمجاز، وهو الصحيح، وقيل: شياطين الإنس، وتعلم السحر للعمل به أو لتعليمه، أو الرئاء به حرام، وللحذر منه، أو لتعليمه من لا يعصى به فمباح، أو لغيره فمكروه أو مباح أو حرام، أقوال.
وعن أحمد، أن السحر شكر ولو لم يعتقد حله، ولا تضمن خصلة شرك، دفن سليمان عليه السلام كتب السحر، وما يلقيه مسترقو السمع من الملائكة إلى الكهنة من صدق وكذب فى صندوق تحت كرسيه، وقد شاع فى الناس أن الشياطين تعلم الغيب، وقال: من قال ذلك قتلته، ولما مات قال شيطان فى صورة إنسان لنفر من بنى إسرائيل: احفروا تحت الكرسى تستخرجوا منه لا يفنى، وأراهم المكان، فقالوا: دن، فقال: من هنا، وإن لم تجدوا فاقتلونى، وكان لا يدنو منه شيطان إلا احترق، فأخرجوها، وقال لهم، إن سليمان ضبط الثقلين والطير بها، وفشا فى الناس أنه ساحر، ورفضوا كتب الله إلا العلماء والصالحين، فعلموا أن ذلك ليس من علمه، بل نبى يعمل بتأييد الله، وما زال قول السوء عليه حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه براءته من السحر، وقيل: دفنها صخر تحت الكرسى حين قبض الخاتم من زوجه الأمينة، وكان يضعه عندها بجنابته أو حاجة الإنسان، وقال: أعطنى الخاتم، فأعطته، ظنته سليما، فلبسه، وقعد على الكرسى، وأذعن له الخلق، وجاء سليمان يطلب منها، فقالت: ما أنت هو، قد أخذ سليمان وطر بعد أربعين يوما، وألقاه فى البحر على طريقه، فبلعته سمكة فوقعت فى يد سليما، فأخذه منها، ولما مات ستخرجوها من تحت الكرسى على ما مر، ولا مانع من ذلك.
وأما ما يقال إنه كان صخر يدخل على زوج سليمان فيطؤها فمنكر لا يصح، لأن أزواج الأنبياء محفوظة من ذلك، ولو كن مشركات، وأمر الجن فأحضروه فحبسه فى صخرة، فسد عليه بالرصاص والحديد فى قعر البحر { ومآ أنزل } عطف على ما تتلوا أو على السحر، كأنه قيل، ويعلمونهم ما أنزل { على الملكين } من ملائكة الله، أو رجلين كالملكين فى الصلاح، والإنزال على ظاهره، أو بمعنى الإلهام، وما أنزل عليهما نوع من السحر قوى، بل نوع غير السحر. كما يدل له العطف، وعلى أنه من السحر فالعطف لتنزيله بالقوة منزلة تغاير الذات { ببابل } فى بابل، بلد فى سواد الكوفة، وعن ابن مسعود، هو أرض الكوفة، قيل من نصيبين إلى رأس العين، سميت لتبلبل ألسنة الناس عند وقوع صرح نمروذا، ولأن الله حشر الناس بالريح لهذه الأرض، فلم يدر أحد ما يقول الآخرة، ثم فرقتهم الريح فى البلاد، كل بلغته، فالبلبلة تفرقهم عن بابل، أو تغاير الألسنة فيها، والتغاير تفرق، ونزل نوح بلدة بثمانين إنسانا، سميت بهم فأصبحوا يوما وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، وقيل سميت بهذه الثمانين لغة { هروت ومروت } لفظان عجميان، وقيل عربيان من الهربت والمرت بمعنى الكسر، ويرى منع الصرف، وسامها غرا وغرايا، فلما أذنبا سميا باسم الكسر، أباح الله لهما ملكين، أو بشرين تعليم السرح ابتلاء من الله عز وجل للناس، هل يتعلمونه، وهل يعلمون به، كما أن الله خلق المعصية، ونهى عنها، وخلق المحرمات كالخنزير، ونهى عن تناولها، وكما ابتلى قوم طالوت بالشرب من النهر، أو ليتميز السحر من المعجزة، إذ كثر فى ذلك الزمان مع ادعاء النبوة به.
अज्ञात पृष्ठ