[3.10-11]
{ إن الذين كفروا } كوفد نجران ويهود قريظة والنضير ومشركي العرب وغيرهم { لن تغنى } لن تدفع { عنهم أموالهم } وقد أعدوها لدفع النوائب وجر المصالح { ولآ أولادهم } وهم يتفاخرون بها، ويتناحرون في الأمور المهمة، وقدم الأموال لأنها أول ما يفزع إليه عند الخطوب، ويقوت بها الأولاد { من الله } من عذاب الله { شيئا } مفعول تغنى بمعنى تدفع، وإن قلنا تغنى بمعنى تنفع فشيئا بمعنى نقما مفعول مطلق، أو المعنى، لم تكن بدلا من طاعة الله ورحمته، كقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا ينفع ذا الجد منك الجد "
، أى لم تغنهم عن الطاعة والرحمة، بل يتحسرون باشتغالهم عن الطاعة والرحمة بها، وهذا مما يتصدى لنفيه، فنفى بالآية، ومن بدليه، كأنه قيل، بدل عذاب الله، أو تبعيضية، أى بعض عذاب الله عز وجل كما رأيت { وألئك هم وقود النار } في الآخرة، كالحطب الذى توقد به النار في الدنيا، والحصر حقيقى إن أريد عموم الكفرة، وادعائى إن أريد وفد نجران أو مشركو العرب أو قريظة والنضير، أو الفرق الأربع لكن قوله:
{ كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم } يقتضى عموم كفرة هذه الأمة، فالقصر ادعائى، أو قصر إضافى، باعتبار قول اليهود، نكون فيها ثم يخلفنا المرمنون فيها، فقال الله جل وعلا، أنتم وقودها دون المؤمنين، والمعنى دأب هؤلاء الكفرة، أى عادتهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم في التكذيب، والهاء لآل فرعون، وذلك خبر لمحذوف كما رأيت، أو لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا كعادة آل فرعون ومن قبلهم في أن لن تغنى عنهم أموالهم، ولا أولادهم، أو أولئك وقود النار كعادة آل فرعون ومن قبلهم في أنهم وقودها، والعادة ولو نسبت إليهم لكن الله خلقها لهم حتى كأنهم اعتادوها في الوقود وعدم الإغناء، وأما في التكذيب فظاهر، والدأب بمعنى الشأن، وأصله إتعاب النفس في العمل، وقيل، الهاء للذين كفروا، والمراد بالذين معاصروه صلى الله عليه وسلم، أو الذين مبتدأ، أى أن الذين كفروا قبلهم، وعليه فخبره قوله: { كذبوا بئاياتنا } أي النازلة في الكتب والمعجزات والأيات العقلية وعلى غيره تكون الجملة تفسيرا لدأبهم مستأنفه أو حالا { فأخذهم الله بذنوبهم } وهى التكذيب، وما يترتب عليه من الصغائر والكبائر، أو ذنوبهم ما سوى التعذيب، فالتكذيب من باب أولى، وصحت سبية الفاء مع هذا الوجه لأن ذنوبهم ناشئة من التكذيب { والله شديد العقاب } فأخذ الله إياهم شديد، فاحذروا يا كفرة الأمة.
[3.12]
{ قل للذين كفروا } من أهل مكة وأشياعهم { ستغلبون } يوم بدر { وتحشرون إلى جهنم } يوم القيامة من الموقف أو من موتكم إلى جهنم، لأن القبر أول أمور الآخرة، وأرواحهم تعذب بالنار، أو فيها من حين ماتوا، أو تجمعون في جهنم على أن إلى بمعنى فى، وهنا تم القول، أو مع قوله { وبئس المهاد } جهنم أعدوها لأنفسهم، كما يعد الفراش، أو بئس المهاد ما قدموه من العمل الموجب لها، والآية قبل بدر، وقيل الذين كفروا لليهود والآية بعد بدر لما رجع من بدر جمع اليهود فى سوق بنى قينقاع، فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش من القتل، وأمرهم بالإسلام وأبوا، وقالوا، لا يغرنك أن قتلت نفرا من قريش أغمارا، لا يعرفون القتال، لئن قاتلتنا لتعلمن أنما نحن الناس، وقد قتل من بنى قريظة فى يوم واحد ستمائة، جمعهم فى سوق بنى قينقاع، وأمر السياف بضر أعناقهم ورماهم بحفيرة ودفنهم، وضرب الجزية على أهل خيبر بعد فتحهما، وعلى غيرهم، والأسر كان لبعض قريظة وأهل خيبر، وأجلى بنى النضير، والأول أولى، لأن الغالب في القرآن ذكر النصارى واليهود بأهل الكتاب لا بالكفار، وروى ضعيفا، أنه لما كان يوم بدر اهتم اليهود بالإسلام، وقالوا، إنه الذى بشر به موسى، فقال بعضهم: لا تعجلوا حتى يكون قتال آخر، ولما كان أحد شكوا ونقضوا عهدا كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم، فانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة، فكانت الأحزاب.
[3.13]
{ قد كان لكم } أيها الكفار مطلقا، أو يهود المدينة القائلون، لا يغرنك أن قتلت نفرا...الخ، وذلك مستأنف، أو من القول المذكور في الآية، أو يا أيها المؤمنون، فيكون مستأنفا لكن لم يتقدم ذكرهم { ءاية } عبرة أو دلالة على صدق ما قلت لكم، ستغلبون، أفلا تعتبرون فتؤمنوا، وثباتا للمؤمنين على الإيمان وزيادة، لأن ذلك معجرة { فى فئتين التقتما } يوم بدر للقتال { فئة } مؤمنة { تقاتل فى سبيل الله } لم يقل فئة مؤمنه كما قال وأخرى كافرة رمزا لهم بما يليق بالمقام، ولأن إخلاص القتال في الله ما هو إلا نتيجة الإيمان، وهم النبى وأصحابه، سبعة وسبعون من المهاجرين، رأيتهم مع على، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، رأيتهم مع سعد بن عبادة، استشهد من المهاجرين ستة، ومن الأنصار ثمانية، ومعهم فرس للمقداد بن عمر، وفرس لمرثد بن أبى مرثد، وسبعون بعيرا يتعاقبون عليها وسبعة أذرع، وثمانية أسيف، وبسطت ذلك في هميان الزاد، وأشد البسط في شرحى على نونية المديح، وسميت الجماعة فئة لأنه يفاء إليها عند الشدة، أى يرجع { وأخرى كافرة } بالله، تقاتل في سبيل الشيطان، رئيسهم عتبة بن ربيعة، وفيهم أبو جهل، ولم يذكرهم بالقتال لضعف قتالهم، للذل، وأنه كلا قتال في عدم النفع { يرونهم } الخطاب للمسلمين الذين لم يحضروا بدرا والهاء للمشركين الحاضرين { مثليهم } الهاء للمسلمين الحاضرين بدرا، والرؤية علمية، شبهت برؤية البصر، كما قال { رأي العين } أو الهاء، أن للمسلمين الحاضرين على طريق الالتفات إلى الغيبة، والأصل مثلكم، وهو جائز ولو في جلمة واحدة، أو ترونكم أيها المشركون، أى ترون أنفسكم، فاغتاب فى موضع الخطاب، أى مثلى المسلمين، والرؤية فى الوجهين بصرية؛ والخطاب للمشركين الحاضرين ولم يقتلوا، أو اليهود، أو لهم ولسائر المشركين الذين لم يحضروا فالرؤية علمية، وقد قيل: حضر اليهود ولم يقاتلوا فالرؤية بصرية، وقد مر أن المسلمين ثلاثمائة وثلاث عشر، فالمشركون ستمائة وستة وعشرون، وعن الفراء مثليهم معهم، فهم ثلاثمائة وثلاث عشر ثلاث مرات، ومع رؤية المسلمين أنفسهم أو المشركين واليهود، أن المسلمين نصف المشركين، كان المسلمون غالبين، فاعتبروا أيها اليهود والمشركون وآمنوا ويأيها المؤمنون وازدادوا إيمانا، وشهد أن المشركين نحو ألف، فنقول ازداد المشركون بعد الرؤية، أو أراهم الله إياهم فى عدد أكثر مما هم عليه، وأقل مما المشركون عليه في نفس الأمر، أو أراد بالمثلين مطلق الكثرة، وقد قلل الله الكفار فى أعين المسلمين كأنهم مائة أو سبعون مع أنهم ألف أو أكثر، أو تسعمائة وخمسون، معهم مائة فارس وسبعمائة بعير وسلاح ودروع لا تحصى، لئلا يجبنوا، وعن سعيد بن أوس، أنه أسر المشركون مسلما، فسألوه، كم أنتم؟ فقال: ثلاثمائة، وبضعة عشر قالوا: ما نراكم إلا تضعفون علينا، وأرادوا ألفا وتسعمائة، وهو المراد من مثليهم، كذا قيل، وعن ابن مسعود، رأيناهم يضعغون علينا، ثم رأيناهم ما زادوا علينا رجلا واحدا، ثم قلت لرجل إلى جنبى، تراهم سبعين، قال، مائة، وقلنا لأسير، كم أنتم؟ قال، ألف، وقلل عز وجل المسلمين في أعين الكفار، ليقوموا ويلتحم القتال، ولما التحم أراهم أن المشركين مثلاهم، وزادهم الله قوة، فقاوموهم، وهم كالثلث من المشركين، وقد كلفوا أن يقاوم مسلم عشرة رجال من الكفار، ثم خفف إلى واحد لاثنين، ووعدهم، أن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين { والله يؤيد } يقوى { بنصره من يشآء } نصره، كما أيد أهل بدر وغلبوا أضعافهم، وبنصر من يشاء ولو بدون أسباب عادية { إن فى ذلك } أى فيما ذكر من رؤية القليل كثيرا، وغلبة قليل السلاح وضعيفه لكثيره وقويه، المعلومة من قوله، { يؤيد بنصره من يشاء } ، ورأى العين مفعول مطلق، والرؤية الأولى بصرية أيضا فمثلى حال، أو علمية فرأى العين مفعول مطلق تشبيهى، أى كرأى العين، ومثلى مفعول ثان { لعبرة } عظة، من العبور، وهو النفوذ من جانب لأخر، إذ ينتقل عن الجهل إلى العلم بالعظة، تعبيرا بالمحسوس عن المعقول { لأولى الأبصار } القوات القلبية الموصلة إلى اتباع الحق الشبيهة بأبصار الوجوه الموصلة إلى المصالح أفلا تعتبرون فتؤمنوا، أو بأبصار الوجه، أى لعبرة لمن شاهدهم.
[3.14]
अज्ञात पृष्ठ