[2.208]
{ يآيها الذين ءامنوا ادخلوا } كلكم لا بعضكم { فى السلم } فى الانقياد { كآفة } أى كلكم، وأصله اسم فاعل من كفه، فغلبت عليه الاسمية، وتاؤه للنقل من الوصفية إلى الاسمية، أو للتأنيث، أو للمبالغة، أقوال، وهو حال من واو ادخلوا، إشارة إلى الكف عن التفرق أو الحذف بمعنى كله، لا تتركوا بعضه كعدم تعظيم السبت وعدم تحريم لحم الإبل وشحمها ولبنها وصلاة الليل بالتوراة نفلا كما يفعله بعض من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، إذ طلب أن يقوم الليل بالتوراة، ولا تتركوا الإيمان ببعض كتب الله وأنبيائه ولا تتركوا شيئا من الدين. وآمنوا بقلوبكم لا بألسنتكم فقط، كما فعل، المنافقون ودخلوا فى لفظ الذين آمنوا لظاهر حالهم، وقيل الخطاب للمنافقين لأنه يقال فيهم إنهم آمنوا، وقيل لكفار أهل الكتاب إذ زعموا أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل على أن السلم جميع الشرائع، وقيل للمؤمنين الخلص { ولا تتبعوا خطوات الشيطن } أثر خطواته، أى أثر أقدامه، والمراد أنواع تزيينه بالتفرق، بعض لا يسلم وبعض يسلم، والشيطان لا يريد إيمان هذا البعض، وبالإيمان بالبعض دون البعض وبالبقاء على بعض أمر الجاهلية، أو بعض الكتب السابقة مما لا يجوز البقاء عليه، كتحريم لبن البعير ولحمه وتعظيم السبت، والصلاة بغير القرآن { إنه لكم عدو مبين } ظاهر العداوة أو مظهرها لكم، لكن اغتررتم بما ناسب هواكم وجعلتموه حليفا لكم.
[2.209]
{ فإن زللتم } ملتم عن دخولكم كلكم، أو فى أمر الإسلام كله { من بعد ما جآءتكم البينت } الحجج الظاهرة فى أن الدين هو الحق، انتقم الله منكم ودل على هذا الجواب بقوله { فاعلموا أن الله عزيز } لا تفوتونه { حكيم } ومن الحكمة ألا يهل العاصى عن الجزاء بما يستحقه لا زائد ولا ناقص.
[2.210]
{ هل ينظرون } ينتظر من لم يدخل فى السلم { إلا أن يأتيهم الله } أى أمره أو بأسه كقوله، أو يأتى أمر ربك، فجاءهم بأسنا أو يأتيهم الله ببأسه أى يحضر بأسه { فى ظلل من الغمام } والواحد ظلة، ومن شأن الغمام أن يكون ماء، فإذا جاء فيه العذاب كان أشد عليهم، إذ جاءهم الشر من حيث يظنون الخير، ولا سيما غمام مظلم موهم لقوة مائه أو أبيض، مظنة الرحمة { والملئكة } لجريان العذاب على أيديهم، أخر ذلكم تتميما للإيهام، أو تفسيرا لإتيان الله بأن الآتى بالعذاب ملائكته { وقضى الأمر } ببقائهم على ترك الدخول فى السلم، ويقضى الأمر إلا أنه متحقق الوقوع لو كان موعودا به، حى كأنه واقع، فأخبر به على صيغة الماضى فهو داخل فى حيز الانتظار، من قوله هل ينظرون، أو المراد أن الله قد فرغ من أمرهم وقضاه، أى حكم كان فهو غير داخل فى حيزه { وإلى الله ترجع الأمور } فيجازى على الأعمال فى الآخرة وهى بعض الأمور.
[2.211]
{ سل } يا محمد، أو من يصلح للسؤال، سؤال توبيخ وتقرير وتقريع، وتحقيق التقريع إنما هو على إنكار الحق المتقرر وإفحام لا استفهام حقيقى، لأنه عالم بالآيات التى أنزلت علهيم كلها { بنى إسراءيل كم } قيل لا يجوز أن تكون للتكثير لتقدم السؤال، قلت، لا بأس بأنها للتكثير مع السؤال لأن السؤال غير حقيقى بل تقرير وتقريع، وهى مفعول به أو مقدم لآتى بعده، إلا على معنى ناولناهم فيكون مفعولا ثانيا { ءاتينهم من ءاية بينة } معجزرة ظاهرة فى صدق أنبيائهم، على أيدى أنبيائهم، كفلق البحر والعصا، فمنهم من لم يؤمن، ومنهم من آمن، ولم يستقم، أو آيات التوراة والإنجيل وغيرهما ولم يعلموا بها، دالات على الأحكام الشرعية وعلى رسالتك وحقيقة دين الإسلام، وذلك كله نعمة، بدلوها بالإنكار وعدم العمل بمقتضاها، ومن للبيان متعلق بمحذوف، حال من كم، أو زائدة فى التمييز، ولو لم يتقدم نفى إلا على تقريعهم بأنهم كأنه لم تأتهم آية، ويضعف جعل كم مفعولا لا مطلقا، أى كم إيتاء آتيناهم، فتكون من للابتداء أو للتبعية على أن آية بمعنى آيات { ومن يبدل نعمة الله } آيات التلاوة والمعجزات بالإنكار أو المحو أو التأويل { من بعد ما جاءته } كفرا كقوله تعالى، ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا، لا بعد مجرد الوصف فقط، بل بعد حضورها عنده وفهمه إياه، إذ لا يصدق أنها نعمة إن لم تفهم، وربما يوجد التبديل من غير خبرة بالمبدل أو عن جهل به فيتوهم عذر فاعله، سمى الله دينه نعمة، وهو أفضل من نعم الصحة والمال والجاه { فإن الله شديد العقاب } جواب الشرط أى شديد العقاب له، فإن لم تقدر له كان تعليلا للجواب، أى عاقبه الله عقابا شديدا، لأن الله شديد العقاب جزاء وفاقا إذ بدل أشد النعم، وكان سببا لزيادة كفره، وهو الاعتداء المعبر عنه بالآيات المعبر عنها بالنعمة وهن سبب الهدى وملزومه.
[2.212]
{ زين } أى زين الله، لأنه الموجد للزينة وخالقها وخالق تأثير وسوسة الشيطان، إذ لا مؤثر سوى الله، أو زين الشيطان أى عالج حصول الزينة وخالفها الله بالخذلان { للذين كفروا الحيوة الدنيا } بالزخرفة فأحبوها { ويسخرون } يهزأون { من الذين ءامنوا } لقلة حرمة الدنيا عندهم وقلة مالها عندهم، كبلال وعمار، وصهيب، والذين للحقيقة أو للاستغراق، لأن من المسلمين ذوى جاه وأموال، والمراد يسخرون بالذين آمنوا أو لما جعلوا محلا للسخرية، ومبديا لها كانت مبدأة منهم { والذين اتقوا } ما حرم من شرك ومعاص، وهم الذين آمنوا المذكورون، ذكرهم باسم التقوى أيضا أو المراد المذكورون وغيرهم عموما لهم بالأولى، والمراد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ومنها ترك المعاصى بدليل قوله { فوقهم يوم القيمة } فى جنات عاليات، وكرامة ومكانة، وهؤلاء فى النار سافلين، ودخل فى الكرامة وعلو الشأن كون مساكنهم فى لاجنات، فالفرقية حسية وعقلية، ومن ذلك أن يسخر بهم بالمؤمنون { والله يرزق من يشآء } رزق الدنيا والآخرة، فيملك الذين آمنوا أموال المشركين ومنازلهم وأزواجهم فى الجنة وفى الدنيا، ويرزق الكفار فى الدنيا استدراجا { بغير حساب } أى كثير لا يطيق الخلق حسابه، وأما الله فكل شىء عنده بحساب.
अज्ञात पृष्ठ