قَالَ: فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ اسْتِهَانَتَهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ فَعَلَ النَّاسُ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَنْ كَانَ يَتَّقِي الْعَدُوَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ كَانَ يَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ؟ قَالَ: وَذَكَرَ الصَّلاةَ.
قَالَ لَهُ: الْعَابِدُ صَدَقْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا أُحَرِّمُهُ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً وَأَنَا فَقِيرٌ فَأُعْضِلُهَا وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا وَأَمَّا الأَغْنِيَاءُ فَلا يُزَوِّجُونَنِي.
فَقَالَ لَهُ: النَّبِيُّ مَا بِكَ إِلا هَذَا؟ قَالَ: فَمَا بِي إِلا هَذَا قَالَ: أَنَا أُزَوِّجُكَ ابْنَتِي قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ قَالَ: فَزَوَّجَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا وُلِدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَوْلُودٌ ذَكَرٌ قَطُّ كَانُوا أَشَدَّ فَرَحًا بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْغُلامِ.
قَالَ: قَالُوا: ابْنُ نَبِيِّنَا وَابْنُ عَابِدِنَا! إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَبْلُغَ بِنَا مَا بَلَغَ رَجُلٌ.
قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلامُ انْقَطَعَ إِلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَانْقَطَعُوا إِلَيْهِ وَكَثُرُوا عِنْدَهُ قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ عِنْدَهُ يَوْمًا إِذْ قَالَ: إِنِّي أَرَاكُمْ كَثِيرًا فَمَا بال الْقَوْمِ قَاهِرِينَ لَكُمْ.
فَقَالُوا: إِنَّ لَهُمْ رَأْسًا يَجْمَعُهُمْ وَلَيْسَ لَنَا رَأْسٌ قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ إِلا هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَأَنَا رَأْسُكُمْ قَالُوا: وَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَخَرَجَ وَخَرَجُوا مَعَهُ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ وَبَلَغَ أَبَاهُ فَاجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى النَّبِيِّ وَأَبُوهُ مَعَهُمْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يُذَكِّرُهُ بِاللَّهِ وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ فَأَبَى.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ وَخَرَجَ أَبُوهُ مَعَهُ فَالْتَقَى الْقَوْمُ وَاقْتَتَلُوا حَتَّى كَثُرَتِ الدِّمَاءُ فِيهِمْ وَقُتِلَ النَّبِيُّ وَقُتِلَ أَبُوهُ مَعَ النَّبِيِّ وَانْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَاتَّبَعَهُمْ يُفْنِيهِمْ وَيَبْعَثُ فِي آثَارِهِمْ يَقْتُلُهُمْ.
قَالَ: فَلَحِقَ أَحْبَارُهُمْ بِالْجِبَالِ وَاسْتَقَامَ لَهُ النَّاسُ قَالَ: فَجَعَلَتْ نَفْسُهُ لا تَدَعُهُ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمُلْكَ لا يَسْتَقِيمُ لَهُ حَتَّى يُفْنِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: فَجَعَلَ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهِمْ فِي الْجِبَالِ يَقْتُلُهُمْ فَاسْتَقَامَ لَهُ النَّاسُ وَاشْتَدَّ مُلْكُهُ.
فَلَمَّا رَأَى أَحْبَارُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا يَفْعَلُ بِهِمْ قَالُوا: خلينا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ وَعَنْ مُلْكِهِ وَلَيْسَ يَدَعُنَا! لَقَدْ بُؤْنَا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ فَرَرْنَا عَنْ نَبِيِّنَا وَعَابِدِنَا حَتَّى قُتِلا وَلَيْسَ يَدَعُنَا فَتَعَالَوْا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ ﷿ وَنَلْقَى هَذَا الرَّجُلَ فَنُقَاتِلُ وَنَحْنُ تَائِبُونَ.
1 / 38