سمع صوتا عاليا ثم تسور عليه رجلان حتى اقتحما عليه فلما رآهما فزع منها قالا: ﴿لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ - يعني اعتدي بعضنا على بعض فظلمه ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ﴾ - يعني لا تجر ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢]- يعني إلى قصد السبيل.
فقال داود: قصا علي قصتكما قال: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقال أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ - يعني قهرني وظلمني - وأخذ نعجتي فضمها إلى نعاجه ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٢] يعني إذا تكلم كان أبلغ في المخاطبة مني وإذا دعا كان أسرع إجابة مني وإذا خرج كان - يعني - أكثر تبعا مني -.
فقال داود: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤]
قال: فضحك المدعى عليه فقال داود: تظلم وتضحك؟ ما أحوجك إلى قدوم يرض منك هذه وهذه - يعني جبهته وفاه.
قال الملك: بل أنت أحوج إلى ذلك منه وارتفعا.
وفي رواية قال: فتحولا في صورتهما وعرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه.
وعلم داود أنه إنما عني به هو فخر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بد منها ثم يعود فيسجد لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو ينادي ربه ﷿ ويسأله التوبة.
وكان يقول في سجوده: سبحان خالق النور الحائل بين القلوب! سبحان خالق النور! إلهي خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي سبحان خالق النور! إلهي لم أفارق الزبور ولم أتعظ بما وعظت به غيري إلهي! أمرتني أن أكون لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج الرحيم فنسيت عهدك! سبحان خالق النور! إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما الظالمون من طرف خفي سبحان خالق النور! إلهي! الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب! سبحان خالق النور! إلهي! الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال: هذا داود الخاطىء! سبحان خالق النور! إلهي! أنت المغيث وأنا المستغيث فمن يدعو المستغيث إلا المغيث؟ سبحان خالق النور إلهي إليك
1 / 18