تأمل الصواب والحكمة فيما ذرأ (1) الباري جل قدسه وبرأ (2) من صنوف خلقه في البر والبحر والسهل والوعر فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود وبضعف بصائرهم إلى التكذيب والعنود حتى انكروا خلق الاشياء وادعوا تكونها بالإهمال لا صنعه فيها ولا تقدير ولا حكمة من مدبر ولا صانع تعالى الله عما يصفون وقاتلهم انى يؤفكون (3) فهم في ضلالهم وغيهم وتجبرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء وأحسنه وفرشت بأحسن الفرش وافخره وأعد فيها ضروب الأطعمة والأشربة والملابس والمآرب التي يحتاج إليها ولا يستغني عنها ووضع كل شئ من ذلك موضعه على صواب من التقدير وحكمة من التدبير فجعلوا يترددون فيها يمينا وشمالا ويطوفون بيوتها ادبارا واقبالا محجوبة أبصارهم عنها لا يبصرون بنية الدار وما أعد فيها وربما عثر بعضهم بالشئ الذي وضع موضعه وأعد للحاجة إليه وهو جاهل للمعنى ولما اعد ولماذا جعل كذلك ؟ فتذمر وتسخط وذم الدار وبانيها فهذه حال هذا الصنف في انكارهم ما انكروا من أمر الخلقة وثبات الصنعة فإنهم لما غربت (4) اذهانهم عن معرفة الأسباب والعلل في الأشياء صاروا يجولون في هذا العالم حيارى فلا يفهمون ما هو عليه من اتقان خلقته وحسن صنعته وصواب هيئته. وربما وقف بعضهم على الشئ يجهل سببه والأرب (5) فيسرع إلى ذمه ووصفه بالاحالة والخطأ كالذي أقدمت عليه المنانية (6) الكفرة وجاهرت به
---
(1) ذرأ الله الخلق: خلقهم. (2) برأه: خلقه من العدم. (3) أي ينصرفون عن الحق. (4) أي غابت. (5) الأرب: بالفتح - المهارة أو الحاجة. (6) أو المانوية: هم أصحاب الحكيم الفارسي ماني بن فاتك الذي ظهر في أيام سابور =
--- [ 11 ]
पृष्ठ 10