(قوى النفس وموقعها من الانسان) تأمل يا مفضل هذه القوى في النفس وموقعها من الانسان أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك، أفرأيت لو نقص الانسان من هذه الخلال (1) الحفظ وحده كيف كانت تكون حاله وكم من خلل كان يدخل عليه في اموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ما له وما عليه وما اخذه وما اعطى وما رأى وما سمع وما قال وما قيل له ولم يذكر من احسن إليه ممن أساء وما نفعه مما ضره ثم كان لا يهتدى لطريق لو سلكه ما لا يحصى ولا يحفظ علما ولو درسه عمره ولا يعتقد دينا ولا ينتفع بتجربة ولا يستطيع ان يعتبر شيئا على ما مضى بل كان حقيقا ان ينسلخ من الانسانية. (النعمة على الانسان في الحفظ والنسيان) فانظر الى النعمة على الانسان في هذه الخلال وكيف موقع الواحدة منها دون الجميع واعظم من النعمة على الانسان في الحفظ النعمة في النسيان فإنه لولا النسيان لما سلا (2) أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ولا مات له حقد ولا استمتع بشئ من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ولا رجاء غفلة من سلطان ولا فترة من حاسد، أفلا ترى كيف جعل في الانسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان وجعل له في كل منهما ضربا من المصلحة وما عسى ان يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضاده المتباينة وقد تراها تجتمع
---
(1) الخلال: جمع خلة بالفتح - وهي الخصلة والصفة. (2) سلا الشئ وسلا عنه: نسيه وهجره وطابت نفسه عنه وذهل عن ذكره.
--- [ 39 ]
पृष्ठ 38