كان يلبث الطعام في الجوف تهضمه المعدة ؟ ولولا الهاضمة كيف كان ينطبخ (1) حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسد خلله (2) ولولا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا فأولا ؟ أفلا ترى كيف وكل الله سبحانه بلطف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه وسأمثل لك في ذلك مثالا ان البدن بمنزلة دار الملك له فيها حشم (3) وصبية وقوام (4) موكلون بالدار فواحد لقضاء حوائج الحشم وايرادها (5) عليهم وآخر لقبض ما يرد وخزنه الى أن يعالج ويهيأ وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار واخراجه منها فالملك في هذا هو الخلاق الحكيم ملك العالمين والدار هي البدن والحشم هم (6) الاعضاء والقوام هم (7) هذه القوى الأربع ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وافعالها - بعد الذي وصفت فضلا وتزدادا (8) وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الاطباء ولا قولنا فيه كقولهم لأنهم ذكروها على ما يحتاج في صناعة الطب وتصحيح الابدان وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغي (9) كالذي أوضحته بالوصف الشافي والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها.
---
(1) انطبخ مطاوع طبخ تقول طبخ اللحم أي انضجه. (2) الخلل جمع خلة - بالفتح - وهي القبة. (3) الحشم: الخدم والعيال أو من يغضبون له أو يغضب لهم من أهل وعبيد وجيرة. (4) لعل القوام جمع قيم إذ القيم على الأمر هو المتولي عليه. (5) أورده ايرادا أي احضره المورد ثم استعمل المطلق الأحضار. (6) (7) في بعض النسخ هي. (8) لعل الأصل في الكلمة مزيدا من الزيادة أو تزيدا من قولك تزيد الرجل في حديثه أي زخرفة وزاد فيه على الحقيقة، وتزيد في الشئ أي تكلف الزيادة فيه. (9) الغي: الضلال والهلاك والخيبة.
--- [ 38 ]
पृष्ठ 37