(حال المولود لو ولد فهما عاقلا وتعليل ذلك) ولو كان المولود يولد فهما (1) عاقلا لأنكر العالم عند ولادته ولبقى حيرانا تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير الى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم واعتبر ذلك بأن من سبى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع إلى تعلم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي سبى صغيرا غير عاقل ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة (2) إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجى (3) في المهد لأنه لا يستغنى عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين يولد ثم كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج الى الدنيا غبيا (4) غافلا عما فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة ثم لا يزال يتزايد في المعرفة قليلا قليلا وشيئا بعد شئ وحالا بعد حال حتى يألف الأشياء ويتمرن ويستمر عليها فيخرج من حد التأمل لها والحيرة فيها إلى التصرف والاضطرار إلى المعاش بعقله وحيلته والى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية وفي هذا أيضا وجوه اخر فإنه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الاولاد وما قدر ان يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة وما يوجب التربية للآباء على الابناء من المكافأة بالبر والعطف عليهم عند
---
(1) الفهم - بفتح فكسر - السريع الفهم. (2) الغضاضة: هي الذلة والمنقصة - جمعها غضائض. (3) التسجية: هي التغطية بثوب يمد على الجسم. (4) على وزن فعيل - وهو القليل الفطنة.
--- [ 16 ]
पृष्ठ 15