الكلام لله تعالى خلافا للجهمية أيضا.
قوله: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي من الأرواح التي استخرجها من صلب آدم ﵇، وأخذ عليها العهد على أنه تعالى ربهم وإلههم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ ١ الآيات. وروح عيسى من تلك الأرواح التي خلقها الله تعالى.
وذكر ابن جرير عن وهب بن منبه قال: نفخ جبريل في جيب درع مريم حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت. وعن السدي أن النفخة دخلت في صدرها فحملت. وقال ابن جريح: يقولون إنما نفخ في جيب درعها وكمها. انتهى مختصرا. فجبريل نفخ والله خلق يقول كن فكان كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ ٢، فسبحان من لا يخلق غيره ولا يعبد سواه، وقد أورد بعض النصارى على بعض علماء المسلمين قول الله تعالى: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾، فقال في الجواب: هذا ليس خاصا بعيسى ﵇ بل المخلوقات كذلك كلها كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ ٣ أي خلقا وإيجادا، وعيسى كذلك خلقه وأوجده كسائر مخلوقاته، وفي هذا الحديث الرد على اليهود أعداء الله وأعداء أنبيائه ورسله فإنهم كانوا هم والنصارى في طرفي نقيض، فنسبوه إلى أنه ولد بغي قاتلهم الله فأكذبهم الله تعالى في كتابه وأبطل قولهم كما أبطل قول الغلاة من النصارى فيما تقدم من الآيات ونحوها.
فالنصارى غلوا في عيسى ابن مريم ﵇ أعظم الغلو والكفر والضلال، واليهود جفوا في حقه غاية الجفاء، وكلاهما قد ضل ضلالا بعيدا، نبه الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، وبين تعالى الحق والصدق ورفع قدر المسيح ﵇، وجعله من أولي العزم الخمسة المذكورين في سورة الأحزاب والشورى، وأمر نبيه صلي الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا فقال: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ ٤ فهم أفضل الرسل على التحقيق، والنبي صلي الله عليه وسلم أفضلهم صلوات الله وسلامه عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قوله: "وأن الجنة حق" أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، وما فيها من القصور والثمار والفواكه والنعيم المقيم والنظر إلى وجه الله الكريم، كما قال تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ ٥، وقال: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٦.
"والنار حق" أعدها الله تعالى لمن كفر به وأشرك في إلهيته وربوبيته، وألحد في أسمائه وصفاته. ومن لم يؤمن بالجنة والنار فقد كفر بالقرآن والرسل، فإن الله تعالى بين
_________
١ سورة الأعراف آية: ١٧٢ - ١٧٤.
٢ سورة الحجر آية: ٢٩.
٣ سورة الجاثية آية: ١٣.
٤ سورة الأحقاف آية: ٣٥.
٥ سورة هود آية: ١٠٨.
٦ سورة السجدة آية: ١٧.
1 / 17