مجرد التلاوة باللسان، وأما فهم معانيه وتدبره والعمل بما فيه فلا وصول لأحد إليه، وكذلك الأحاديث. فالقرآن مصرح بنقيض قولهم ورد حججهم قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} وقد قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} وقال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وقال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} فهذا كله مشعر بأن القرآن محفوظ ومصون عن التبديل والتغيير والنسخ جملة وعدم فهم معانيه وتدبره فإنه للذين آمنوا نور وهدى، ولم ينزله الله إلا للعمل به، وذلك متوقف على معرفة معانيه. وكذلك الأحاديث فإنها تفسر لقرآن، كما أن بعضه يفسر بعضا. وقد فسره الصحابة رضي الله عنهم وتفقهوا في الدين منه. كما تفقهوا من السنة. وكذلك كتب الأئمة الأعلام الذين يؤخذ بأقوالهم من أهل الملة الغراء والمحجة البيضاء المفسرين له والمؤولين لمعانيه، والجامعين للأحاديث النبوية، المفارقين كل فرقة غوية، ليس في أيديهم منها إلا مجرد تلاوتها من غير تذكر لها ولما فيها ولا عمل بمعانيها، بل استغنوا عن ذلك كله بزخرفات المبطلين وإتباع حجج المعطلين، وإتباع الهوى وذلك كله من عموم البلوى حتى كتب الفقه التي في أيديهم، ويزعمون العمل بها وبما فيها إنما يأخذون منها ومن معاني ما تضمنته ما كان موافقا لتحذيق الكلام والتشدق به من تعلم الدعاوي والخصومات وتعليمها، وأما العبادات والحدود فإنما تتلى باللسان تلاوة وقل ما توجد عند فقيه مستجمع لها، بل إن وجدت فهي عند الخواص من ذوي الثروة يساطرها مخزونة عنده من غير انتفاخ بها ولا عمل بمعانيها، بل تفاخرا وتكبرا وحب رياسة، وهو ربما لا يعلم اسمها ولا اسم مؤلفها، وينضاف إلى ذلك عداوة الحق ودحضه، وإيثار الباطل وحبه، اجتلاب لقلوب العوام، وجمع الحطام، ففي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان قوم يجتلبون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل أبي تغترون وعلي تجترئون فبي حلفت لأبعثن
पृष्ठ 11