112

وليكن هجيراه =لا حول ولا قوة إلا بالله+ فإنها بها تحمل الأثقال، وتكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال+(308).

وقال×: =فأما إذا ابتلي بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقوى الله.

وقد روي في الحديث أن =من عشق فعف، وكتم، وصبر، ثم مات كان شهيدا+(309).

وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا، وفيه نظر، ولا يحتج بهذا.

لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا، وقولا، وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم: إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق.

وصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم(310) المصيبة_فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر+(311).

وقال×في موضع آخر: =فإن الله أمر بالتقوى والصبر؛ فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرم الله، من نظر بعين، ومن لفظ بلسان، ومن حركة برجل.

والصبر أن يصبر عن شكوى ما به إلى غير الله؛ فإن هذا هو الصبر الجميل.

وأما الكتمان فيراد به شيئان:

أحدهما: أن يكتم بثه وألمه، ولا يشكو إلى غير الله؛ فمتى شكى إلى غير الله نقص صبره.

وهذا أعلى الكتمانين، ولكن هذا لا يصبر عليه كل أحد، بل كثير من الناس يشكو ما به، وهذا على وجهين: فإن شكى إلى طبيب يعرف طب النفوس؛ ليعالج نفسه بعلاج الإيمان؛ فهو بمنزلة المستفتي، وهذا حسن.

وإن شكى إلى من يعينه على المحرم فهذا حرام، وإن شكى إلى غيره؛ لما في الشكوى من الراحة_كما أن المصاب يشكو مصيبته إلى الناس من غير أن يقصد تعلم ما ينفعه، ولا الاستعانة على معصيته_فهذا ينقص صبره، لكن لا يأثم مطلقا إلا إذا اقترن به ما يحرم، كالمصاب الذي يتسخط.

والثاني: أن يكتم ذلك فلا يتحدث به مع الناس؛ لما في ذلك من إظهار السوء والفحشاء؛ فإن النفوس إذا سمعت مثل هذا تحركت، وتشهت، وتمنت، وتتيمت.

पृष्ठ 112