سجن النفس وضيقها، وضرب النفس وقيدها (١).
أما الجوع (٢) فإنه يُنقص دم القلب فَيَبْيَضُّ؛ وفي بياضه نوره، ويُذيب شحمَ الفؤاد وفي ذوبه رقته، ورقته مفتاح كل خير؛ لأن في القسوة مفتاح كل شر، فإذا نقص دم القلب ضاق مسلك العدو منه؛ لأن دم القلب مكانه.
فإذا رقَّ القلب ضعف سلطان العدو منه؛ لأن في غِلَظِ القلب سلطانه. والفلاسفة يقولون: النفس هي كلية الدم؛ لأن الانسان إذا مات لم يفقد من جسمه إلا دمه مع روحه. والعلماء منهم قالوا: الدم هو مكان النفس. وفي الحديث المروي: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش" (٣).
وعن عيسى ﵊ أنه قال: "يا معشر الحواريين
_________
(١) هذا من شطحات المتصوفة؛ لا يوافق المؤلف على إقراره لها، فلا يجوز سجن النفس، أو ضرب الجسد، أو تقييده، بقصد ترويضه أو عقابه، فليس في الإسلام دليل من الكتاب والسنة على هذا، ولما رأى النبي ﷺ حبلًا ممدودًا فسأل عنه، قالوا: لزينب، تصلي فإذا كسلت تمسكت به. قال: "حلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل فليقعد". متفق عليه، ونهى عن قال ما فيه تقصُّد لإتعاب النفس والتضييق عليها، كنهيه عن الوصال في الصوم، وإنكاره على من صام في السفر حتى أجهده ذلك ... وكان إذا خُير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ... وسنته مليئة بتعليم الناس التوازن والإعتدال في العبادات، والجمع بين التمتع بالمباحات في الدنيا، والعمل للآخرة. وحينئذٍ فضرب النفس أو حبسها وقيدها من البدع التي ورِثها بعضُ الصوفية من الديانات البائدة.
(٢) تجويع النفس بقصد حرمانها وتعذيبها ليس من هدي الإسلام، وقد صح أن النبي ﷺ استعاذ من الجوع، لكن الإسلام نهى عن الأشر والبطر والشبع حتى التخم.
(٣) متفق عليه من حديث صفية بنت حيي، أخرجه البخاري (رقم ٢٠٣٥) ومسلم (رقم ٢١٧٥) دون قوله: "فضيقوا ... ". إلخ، وقال العجلوني في كشف الخفا (٥٢٥): هذا مدرج من بعض الصوفية.
1 / 59