130

كنا في حمام الشمس بملابس النهر، الريح هادئة ودافئة، يتموج النهر في دلال وهو يستقبل قبلات الريح، قلت له - وقد تذكرت لحظات عصبية عشناها ذات مرة: أتذكر يوم أن غطست بالماء وكدت أن أغرق. قال مبتسما وهو يستعدل جلسته على الرمال: يوم كنت أعلمك العوم، هذا يوم لن أنساه أبدا.

ثم أخذ في تفكير عميق كان يستدعي تلك الحادثة من أزقة الذاكرة الضيقة المظلمة المشحونة بالأشجار والعفاريت، كأنه يسحبها سحبا، ثم أخذ يحكي لي كيف تعلم العوم، في نفس هذا النهر وحده قبل أعوام كثيرة مضت بواسطة أنبوب ضخم ... حكى لي ذلك للمرة العاشرة أو أكثر: أربط نفسي جيدا في الأنبوب، ثم أربط الأنبوب في شجرة العرديب تلك قرب الوابور الشفاط، ثم أتوكل على الله والحبل، والأنبوب ألقي به في الماء وأضرب الماء بكفي وقدمي ورأسي. إنها طريقة عقيمة ولكنها طريقة السلامة القريبة.

غسل رجليه للمرة الثالثة، قام، تمشى بين شجيرات المحريب والسنسة، ثم جلس على صخرة وطلب مني أن أساعده على غسل ظهره حينما خطرت على بالي فكرة أن أداعبه قليلا، قلت: أصبحت أخاف، أخاف منك بعد أن حكيت لي قصة شهواتك ورغائبك.

فانفجر بالضحك، ثم غرق في نوبة سعال حتى دمعت عيناه وبدأ يظهر عليه الإعياء.

المختار رجل يحب الضحك، وإذا ضحك كان يشرق وجهه بالنور، يضحك بعمق وانفعال حقيقيين ومتعة، كان ضحكه فعلا ورؤية، ما كان يرهقه الضحك، ويعجبني فيه ضحكه. قلت مشفقة عليه: هل أتعبتك؟ قال وبعينيه دموع: لا، لا، إنها موجة من السعال، فما عدت كما الأمس، فالمرض اختبار الله للإنسان، وأيضا اختبار الإنسان للرب. قلت في تعجب: كيف ذلك؟! قال: للرب طريق إذا أمنتها كأنك أمنت العاصفة، وإذا لم تأمنها كأنك كفرت بها، كأنك كفرت بإيمان الرب. فالطريق هي هذا الجسد، هذا الفخ العظيم.

دلكت ظهره بنبات المحريب العطري، وأنا أغني أنشودة المطر.

كان يحدثني بصوت واه ضعيف عن أنه طوال عمره المديد هذا لم يقرب الخمر، ولا حتى السجائر والتمباك أو المخدرات، ولم يناوم امرأة أبدا، ولا يعرف مقدار لذة الجنس إلا من خلال الروايات والقصص والاحتلام ، ولكنه أضاف في حزن قائلا: ولكن السيد المسيح يقول: «من تشهى امرأة فقد زنا بها.» وأنا تشهيتك من قبل أحيانا كثيرة، وتشهيت نوار سعد كما قلت لك، وأيضا كنت ذات مرة أذهب للمدينة مشيا على قدمي حينما وجدت في عمق الغابة صبية حسناء أثارت في غريزتين متناقضتين في آن واحد: غريزة الأبوة، وغريزة الجنس.

عدنا إلى المحراب، وكان الوقت عصرا والجو المطري المنعش يسري في مسامنا فيوقظ عظامنا المعتصمة باللحم، ينبهنا للفرحة، والخضرة والعرديب.

ابتسامة

ارتدى المختار ...

अज्ञात पृष्ठ