فتوهم جوابك باليقين أو بالتحيُّر أو بالتلديد (١) والشك، وتوهم إقبالهما عليك إن ثبتك الله ﷿ بالسرور وضربهما بأرجلهما جوانب قبرك بانفراج القبر عن النار بضعفك. ثم توهم النار وهي تتأجج (٢) بحريقها، وإقبالها عليك بالقول، وأنت تنظر إلى ما صرف الله عنك فيزداد لذلك قلبك سرورًا وفرحًا، وتوقن بسلامتك من النار بضعفك.
ثم توهم ضربهما بأرجلهما جوانب قبرك (٣)، وانفراجه عن الجنة بزينتها ونعيمها وقولهما لك: يا عبد الله، انظر إلى ما أعدَّ الله لك، فهذا منزلك وهذا مصيرك (٤) .
فتوهم سرور قلبك وفرحك بما عاينت من نعيم الجنان وبهجة ملكها، وعلمك أنك صائر إلى ما عاينت من نعيمها وحسن بهجتها.
وإن تكن الأخرى فتوهم خلاف ذلك كله من الانتهار لك، ومن معاينتك الجنة وقولهما لك (٥): انظر إلى ما حرمك الله ﷿، ومعاينتك النار وقولهما لك: انظر إلى ما أعدَّ الله لك، فهذا منزلك ومصيرك (٦) .
فأعظم بهذا خطرًا، وأعظم به عليك في الدنيا غمًّا وحزنًا، حتى تعلم أي الحالتين في القبر حالك، ثم الفناء والبلاء بعد ذلك، حتى تنقطع الأوصال، فتفنى عظامك، ويبلى (٧) بدنك، ولا يبلى الحزن أو الفرح من
_________
(١) قال في النهاية: التَّلدّد التلفُّت يمينًا وشمالًا تحيُّرًا مأخوذ من لَديدَي العنق وهما صفحتاه.
(٢) أَجَّتِ النار تَئِجُّ وتَؤُجُّ أَجِيجًا إِذا سمعتَ صوت لهبها، فالأَجِيجُ صوت النار. اللسان بتصرف.
(٣) قال (أ): كذا في الهامش، وفي الأصل: القبر.
(٤) أخرج مسلم (٤/٢٢٠٠) ح٢٨٧٠ من حديث أنس قال: قال نبي الله ﷺ: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال: " يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. قال فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة ". قال نبي الله ﷺ فيراهما جميعًا ".
قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعًا ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون.
والحديث أخرجه البخاري ح ١٣٣٨، ١٣٧٤، وأبو داود ح٤٧٥١، والنسائي في المجتبى (٤/٩٧)، وفي الكبرى (١/٦٥٩) ح٢١٧٨، وأحمد (٣/١٢٦، ٢٣٣)، وابن حبان (٧/٣٩٠) ح٣١٢٠، والبيهقي (٤/٨٠) ح٧٠٠٩، وعبد بن حميد ص٣٥٦ ح١١٨٠.
(٥) أثبته (أ) من الهامش.
(٦) أخرج ابن ماجة (٢/١٤٢٦) ح٤٢٦٨ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شبابة عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: " إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله ﷺ جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله. فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.
ويجلس الرجل السوء في قبره فزعًا مشعوفًا فيقال له: فيم كنت. فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولًا فقلته. فيفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا فيقال له: هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى.
إسناده صحيح فرجاله كلهم ثقات رجال الكتب الستة، غير أبي بكر فلم يرو عنه الترمذي، وهو من شيوخ البخاري ومسلم. وغير أن شبابة وهو ابن سوار قد نعته ابن حجر في التقريب بقوله: ثقة حافظ كان رمي بالإرجاء. وقال ابن معين: ثقة. وفي موضع آخر قال: صدوق. وقد تركه للإرجاء أحمد، وقال أبو حاتم: «لا يحتج به» . وقد تكلموا في بعض أحاديث له عن شعبة فقال ابن المديني: كان شيخًا صدوقًا إلا أنه كان يقول بالإرجاء، ولا ينكر لرجل سمع من رجل ألفًا أو ألفين أن يجيء بحديث غريب.
هذا وقد تابعه يزيد بن هارون عند أحمد (٦/١٣٩) .
فقد أخرجه أحمد (٦/١٣٩) فقال: ثنا يزيد بن هارون قال أنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة قالت: جاءت يهودية فاستطعمت على بابي فقالت: أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر. قالت: فلم أزل أحبسها حتى جاء رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله ما تقول هذه اليهودية؟ قال: وما تقول؟ قلت: تقول: أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر. قالت عائشة: فقام رسول الله ﷺ فرفع يديه مدًا يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، ثم قال: " أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر أمته وسأحذركموه تحذيرًا لم يحذره نبي أمته، إنه أعور والله ﷿ ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن، فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح اجلس في قبر غير فزع ولا مشعوف ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: في الإسلام. فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله ﷺ جاءنا بالبينات من عند الله ﷿ فصدقناه. فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله ﷿. ثم يفرج له فرجة إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك منها. ويقال: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.
وإذا كان الرجل السوء اجلس في قبره فزعًا مشعوفًا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولًا فقلت كما قالوا. فتفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله ﷿ عنك ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا ويقال له: هذا مقعدك منها كنت على الشك وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله. ثم يعذب.
قال محمد بن عمرو: فحدثني سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: " إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، واخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح له فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري. ويقال بروح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله ﷿.
فإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي منه ذميمة وأبشري بحميم وغساق ﴿وآخر من شكله أزواج﴾ . فما يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أرجعي ذميمة، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء. فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح فيقال له ويرد مثل ما في حديث عائشة سواء.
وإسناد كلا الحديثين صحيح؛ فرجالهما كلهم ثقات رجال الكتب الستة.
ولفظ: مشعوف من الشَّعَف وهو هنا بمعنى شدَّة الفَزَع حتى يذهَب بالقلب.
(٧) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في الأصل عنده [ويبلا] .
1 / 8