أسماء الممثلين
1 - في القصر
2 - في دار حكومة سلانيك
3 - في القصر
أسماء الممثلين
1 - في القصر
2 - في دار حكومة سلانيك
3 - في القصر
توادوسيوس قيصر
توادوسيوس قيصر
مأساة تاريخية تمثيلية ذات ثلاثة فصول
تأليف
مارون عبود
أسماء الممثلين
توادوسيوس:
قيصر.
وزير أول.
وزير ثان.
المستشار.
الحاجب.
إمبروسيوس:
أسقف ميلان.
حاكم سلانيك.
كاتب سره.
قائد.
مكدونيس:
ناسك مشهور.
حبيسان.
ضابط.
غراسيان:
الوالد.
ولداه.
جندي ورجل.
الفصل الأول
في القصر
المشهد الأول
توادوسيوس
1
وحده
ملكت الرقاب وسدت البشر
وذكري بين الأنام اشتهر
وفوق السماك
2
علت همتي
وخيمت فوق النجوم الزهر
إذا سل في الغرب سيفي الصقيل
يروع في الشرق صلد الحجر
وفوق الدنى خفقت رايتي
ترفرف بين السهى والقمر
ودين ابن مريم عززته
بملكي حتى ازدهى وانتشر
ومن عبد الجهل من أمتي
نهضت إلى زجره فازدجر
فهدمت هيكل أوثانهم
وحطمت أصنامها والصور
هياكل سربيس
3
مع كاتب
هدمت فلم يبق منها أثر
وهيكل مرناس
4
قوضته
بغزة والدين فيها ازدهر
وفي الشام للرب قد حولت
هياكل شتى، وفيها استقر
5
وفي بعلبك لقد صيرت
يدي هيكل الشمس لابن البشر
6
وقد هدمت هيكل المشترى
7
بعيد عناء وعقبى ضجر
ودست المصاعب فاستسلمت
ولم أخش خصما بيوم الحذر
فدرعي الصليب إذا أقبلت
جموع العداة وفيه الظفر
أنال به كل ما أرتجي
وأبلغ بالله أقصى الوطر
فيا نفس سيري ولا تجزعي
على طرق الدين حتى المقر
نعم، سيظل هكذا توادوسيوس إلى الأبد متمسكا بعرى الدين المسيحي، رافعا أعلام العدل، برا برعيته، شفوقا على شعبه، وبهذا يأمر ديننا الرعاة، فالراعي الغيور من يبذل نفسه عن خرافه، ويقابل ذئاب الفساد بعصا من حديد.
المشهد الثاني
الملك - الوزراء - المستشار (الوزراء يدخلون، ويحيون بإحناء الرءوس.)
توا :
لقد استبطأت قدومكم أيها الوزراء، مع إني في انتظاركم.
وزير1 :
إن أشغال المملكة يا سيدي الملك، قضت علينا بالتأخر هنيهة عن الاجتماع بجلالتك.
توا :
يسرني أن أراكم معشر الوزراء، منكبين على العمل، مهتمين بشئون الرعية؛ فالعمال الصادقون ركن المملكة، ومصدر الخير، فكم من ملك دهوره
8
في دركات الهوان تهاون عماله ، فالدول بعمالها، والأمم برجالها.
وزير2 :
إذا كان الرأس حكيما استخدم الأعضاء في الأعمال النافعة للأمة والوطن، ولما كنت ذلك الرأس فما نحن إلا متممو مشيئتك.
توا :
مهلا أيها الوزير! إن بين الملك وشعبه حاجزين حصينين، هما التاج والعرش؛ فالعرش يطلب أساسا من الحكمة والعمل، والتاج يطلب رأسا رصينا ليستقر عليه ولا يسقط؛ فلهذا نرى الملوك عاجزين عن دخول الأكواخ، ومخالطة الفقراء ليعلموا ما ينزل بهم من المظالم، وما وقف بينهم وبين حقوقهم من الحواجز، فأستحلفكم بالله العلي العظيم ألا تبهر أنوار عظمة الوزارة أبصاركم، فلا تكترثون للبؤساء، وتأنفون من مقابلة ذوي الأطمار الرثة، ولا تهشون إلا لذي الثياب المزركشة، فاعلموا وتحققوا أنه قد يوجد تحت تلك الأطمار البالية نفوس أبية، وبين طيات تلك الحلل الحريرية نفوس نهمة لا تشبع، ومطامع جهنمية تلتهم اليابس، والأخضر.
المستشار :
مولاي! لقد وقفنا نفوسنا على خدمة الرعية بإيصال ظلاماتها إليك، وعلى خدمتك بكل ما يدور على الألسن من الثناء على أعمالك المنطبقة على روح الشريعة والدين.
توا :
لا يكفيني ذلك.
الجميع :
مر تطع.
توا :
أسألكم، بل آمركم باسم السلطة - ولا سلطة إلا من الله - أن تتنكروا من حين إلى آخر وتجالسوا الشعب في المنتديات، وتسترسلوا في الحديث عن الملك، فلعل بين أبناء رعيتنا من ظلمناه عن غير قصد فننصفه، ولا تكونوا مدلسين لملككم؛ فإنه يسألكم الصدق، ألا إن آفة الملك المدلسون.
رجل (من الخارج) :
أين الملك؟
وزير1 :
ليس بين رعيتك إلا ألسنة ناطقة بحمدك، وأفواه تذيع آثار مجدك في الشرق والغرب.
رجل (من الخارج) :
أريد الملك.
توا :
من هذا الصائح؟
المشهد الثالث
المذكورون - الحاجب (الحاجب يدخل.)
توا :
قل، ما وراءك؟
الحاجب :
رجل يا مولاي يطلب الدخول عليك، فأبيت ذلك عليه، فملأ الرواق صياحا.
توا :
ولماذا لم تستأذن له؟
الحاجب :
لأنك في اجتماع مع الوزراء.
توا :
إن اجتماعي بوزرائي لا يمنعني من مقابلة مظلوم من أبناء رعيتي، فما نحن إلا خدم الرعية، عد وقل له يدخل.
وزير2 :
يا له درسا مفيدا للملوك الذين يترفعون عن مقابلة شعبهم!
توا :
هذا أصغر واجب أيها الوزير، يجب أن نحمل الشعب على حبنا لا على الخوف منا، فالسلطة القائمة على أساس الرهبة يجرفها تيار الظلم، أما محبة الشعب للملك فموطدة عرشه حيا، ومستمطرة غيوث الرحمة عليه ميتا، ومن «أخذ بالسيف، فبالسيف يؤخذ.»
9
المشهد الرابع
المذكورون - رجل
رجل (يدخل، ويركع ساجدا) :
سيدي الملك!
توا :
انهض أيها الرجل انهض؛ إن السجود لله وحده. (الرجل ينهض.)
توا :
قل ما حاجتك؟
الرجل :
مولاي! طلب مني أحد الأغنياء قطعة أرض لي مجاورة لملكه، فأبيت إعطاءه إياها، فأخذها عنوة.
توا :
ألم ترفع دعواك إلى المحكمة لتنصفك من خصمك.
الرجل :
غني هو، وأنا فقير، رفعت شكواي، فكان الحق في جانبه، ادعى أنه اشتراها مني، ودفع لي ثمنها.
توا :
أجاء بالبينة؟
الرجل :
بينته الدينار، وثيابه المزركشة، فلو كنت على غير ما تراني لكان الحق بجانبي، فارحمني أيها الملك، ارحمني، وأشفق على صبيتي، فمن تلك البقعة نعيش، ونحصل على ضروريات الحياة.
توا :
لا تتوسل، ولا تتذلل، فصاحب الحق سلطان.
الرجل :
أبقاك الله يا سيدي.
توا :
رافق أيها المستشار هذا الرجل إلى المحكمة، وخاطب القاضي بلسان داود الملك قائلا له: اعدلوا يا قضاة الأرض، ومن لم يعدل فليعتزل، فعار على توادوسيوس أن يكون الضعفاء في عهده فرائس الأقوياء، والفقراء مأكلا للأغنياء.
المستشار :
فليكن ما أمرت.
توا :
بل فليكن العدل، فما نحن إلا له منفذون.
وزير1 :
ما أعظم هذا الملك!
وزير2 :
بل ما أعدله!
الحاجب :
مولاي! على الباب رسول يحمل إليك كتابا.
توا :
هاته منه، وما ترى ولدت لنا الليالي من العجائب في مملكتنا المتراخية الأطراف، الفسيحة الأرجاء. (الحاجب يدخل ويناول الملك الرسالة.)
توا (يفضها ويدفعها إلى الوزير الأول) :
اقرأها على مسامعنا.
وزير1 (يقرأ) :
لأعتاب مولاي صاحب الجلالة توادوسيوس قيصر ملك الشرق والغرب
اسأل الله تأييد سرير ملككم، وأنحني أمام أعتاب سدتكم بالإجلال، وبعد: كان البارحة موعد سباق العجلات، فأتى إلي جماعة من الأهالي يطلبون الإفراج عن دانتوس السائق الشهير المسجون في القلعة، فأبيت ذلك، فتألبوا أمام دار الحكومة، وتجمهروا من كل صوب، فقتلوا ثلاثة من مأموري الحكومة ، ورجموا القلعة بالحجارة، فأصابني منها الحظ الأوفر، ولم يكفهم كل ذلك بل كسروا تمثالك، وحطموا أبواب السجن، وأخرجوا السائق، مندفعين كالسيل الجارف، حتى عجزت الجنود عن ردهم، ولما كنت عاجزا عن التنكيل بهم رفعت عريضتي هذه لأعتاب مولاي القيصر الأكبر.
حاكم سلانيك والنتيان
توا :
قد ضاق صدري والحسام ينادي
قد حان يوم الفتك بالأوغاد
يا أهل سالونيك لم أعهد بكم
هذي الجسارة فهي شر عناد
أعلي قمتم ثائرين وإنني
ملك الورى والدهر من أجنادي!
فلأضرمن اليوم نار جهنم
بين الضلوع تشب والأكباد
من ذا يعاندني بتنكيلي بهم
والأرض أرضي والبلاد بلادي!
يا أيها الوزراء!
الوزراء :
مرنا.
توا : ... ... ... جندوا
جيشا يدك رواسي الأطواد
فدمار سالونيك
10
أمسى مطلبي
كي ترتوي بدمائها أحقادي
وزير1 :
أنت ابن من حكموا البلاد ببطشهم
وورثته عن أبسل الأجداد
ولعرشك العالي انحنت سمر القنا
11
يا سيد الدنيا وخير عماد
نحن الألى نذروا الجسوم ضحية
لك والنفوس لما أمرت صوادي
12
وزير2 :
جحد الأنام مليكهم
يا ويلهم يوم الردى
فلسوف يمحى ذكرهم
متبددا مثل الصدى
إن اللئيم إذا رأى
عفو الكريم تمردا
مولاي صوتك إن علا
فالمشرفي له صدى
وزير1 :
غرهم حلم مليك عادل
ونسوا ما قال من قبل المثل: «جانب السلطان واحذر بطشه
لا تعاند من إذا قال فعل»
توا :
هذه إرادتي أيها الوزير (يريه الأمر الذي كتبه)
فاخرج بها إلى وزير الحربية، وقل له يزحف إلى تلك المدينة المتمردة بجيش كالبحر الزاخر، فيقوض أركانها، ويقتل سكانها، فقد أبت نفسي الحلم، وكرهت العفو الذي جر الثورة والعصيان. (وزير1 يخرج.)
توا :
إن هذا التاج الذي يفتن بريق دراريه أبصار البشر، لهو أثقل من الجبال على رءوس الملوك، والجلوس على هذا العرش المصفح بالذهب لأمر من الرقاد على فراش من قتاد،
13
إذا التجأنا إلى الحلم لا نكبح جماح جهلة الشعب، وإذا أعملنا السيف في الرقاب سلقتنا الناس بألسنة حداد، فما أصعب سياسة الرعية! (يقف)
أنا ذاهب لأستريح قليلا، فإذا جد أمر هام، فلا تتأخر عن قرع بابي (يخرج) .
المشهد الخامس
الوزير2 - المستشار (المستشار يدخل.)
وزير2 :
أعلمت بما جرى؟
المستشار :
عرفت كل شيء، فكن رجلا، فالفرصة سانحة.
وزير2 :
ما أسرع غضب هذا الملك، وأقربه للرضا!
المستشار :
ما همنا، فليكن ما يريد.
وزير2 :
إن غضبه اليوم لنار آكلة، وضربة قاضية على أعدائنا في سلانيك، فلنغتنم هذه الفرصة، فهي أحبولة نصطاد بها من عجزنا عن التنكيل بهم منذ زمان.
مستشار :
ومن تعني؟
وزير2 :
عنيت غراسيان، وعصابته الجهنمية التي لم تنفك عن تسويد صحيفتنا عند الملك ليفصلنا عن هذه المناصب السامية، ويجعلهم في مناصبنا آمرين ناهين.
المستشار :
يا له رأيا سديدا! فما علينا إلا أن نجتمع بالوزير، ونبدي له هذا الرأي، ولا إخاله إلا موافقا عليه، فسر بنا إليه.
وزير2 :
هيا بنا إليه (ينهضان ويخطوان قليلا) .
المشهد السادس
المذكوران - والوزير الأول (وزير1 يدخل.)
وزير2 :
لقد كنا ذاهبين إليك.
وزير1 :
أين الملك؟
المستشار :
وماذا تريد منه؟
وزير1 :
لأخبره أن الجنود على أهبة الزحف، وقد أقبل القائد ليتزود التعليمات الخصوصية.
مستشار :
أهو صديق مخلص لك؟
وزير1 :
ولماذا؟
وزير2 :
لنزوده تعليمات خصوصية يخدم بها أصحابه قبل الملك.
وزير1 :
وما تلك التعليمات؟
وزير2 :
أن ينكل بخصمنا غراسيان، ويورده حتفه، ولا يشفق على أحد من أسرته، حتى على ولديه الصغيرين.
وزير1 :
يا للقساوة!
المستشار :
تدارك الفخ قبل الوقوع فيه، فغراسيان يسحقنا في الساعة التي ينوي علينا بها.
وزير2 :
انظر فهذه تقاريره، يلصق بها التهمات بنا، ويسمينا أعداء الوطن، والملك، ألم تسمع حديث الملك لنا قبل وصول خبر الثورة؟!
وزير1 :
صدقتما، ومن الحزم أن نصنع كما قلتما.
وزير2 :
عد إليه، وزوده هذه التعليمات وكفى. (وزير1 يخرج.)
وزير2 :
أفلحنا وسيكلل عملنا بالنجاح إن شاء الله.
المشهد السابع
المذكوران - إمبروسيوس (إمبرو يدخل، ويحيي بغير كلام.)
الاثنان (بكل احترام) :
سلاما أيها السيد الجليل إمبروسيوس.
إمبرو :
فلتبارككما السماء، أين الملك؟
المستشار :
في غرفته.
إمبرو :
قل له غير مأمور إن إمبروسيوس يريد مقابلتك. (المستشار يخرج.)
وزير2 :
تفضل اجلس يا أبت ريثما يأتي الملك.
إمبرو :
لقد أبت نفسي الجلوس، وكرهت الراحة، فأية راحة لي، والشعب مهدد بالخطر، والرعية تساق إلى الموت سوق النعاج إلى المجزر.
وزير2 :
لقد احتدم الملك غيظا، واضطرمت نار الغضب في فؤاده لما اتصلت به فعلة السالونيكيين الشنعاء، فقد رجموا دار الحكومة بالحجارة، وقتلوا الموظفين، وحطموا تمثاله.
إمبرو :
أتجهل أيها الوزير أن الذين اقترفوا تلك الفظائع ما هم ملائكة؟ إن هم إلا بشر مثلنا، انقادوا بأزمة الهوس والجنون ممن تسلطت عليهم عوامل الجهل.
وزير2 :
فيجب أن تسكن الرهبة حركاتهم ليقفوا عند حد.
إمبرو :
ليس الذنب ذنب الملك وحده في تلك المجزرة، فأنتم تدانون أيضا في اليوم الأخير، أنتم يا من تدعمون مناصبكم المتداعية بجماجم البشر، وجثث الناس، فالويل لكم يا من تستحمون بدماء إخوانكم.
المشهد الثامن
المذكورون - الملك
مستشار :
هو ذا الملك مقبل.
إمبرو :
وا حر شوقي إلى لقياه العاجلة! (توا يدخل.)
إمبرو :
سلاما يا جلالة الملك.
توا (يجلس على عرشه) :
وأذكى التحيات يا أبت، تفضل اجلس. (إمبرو لا يجيب، وهو مطرق الرأس.)
توا :
ما لك لا تجيب! طلبت مقابلتي فما حاجتك؟
إمبرو :
لا إخالك تجهلها يا جلالة الملك.
توا :
أهي العفو عن سالونيك؟ لا، يا أبت، إن هذا ضرب من المحال؛ قد عفوت عن أنطاكية
14
بالأمس، فجنيت من ثمر العفو عوسج العصيان، وقتاد الثورة، أفي عاصمتي يثور شعبي علي، ولا يحسبون لسلطتي حسابا! فوالله لأنكلن بهم أشد تنكيل ليكونوا عبرة لسواهم، عززت مدينتهم، وروجت تجارتهم، ونشرت العلوم بينهم، ولم استطع عملا مفيدا إلا فعلته لهم، لكنهم كفروا بي، وغمطوا
15
نعمي، فقتلوا ممثلي، ولم يكفهم حتى حطموا تمثالي، وها أنا أعاقبهم على تمردهم وعصيانهم، فلا تلتمس لهم عفوا أيها السيد الجليل.
إمبرو :
مولاي! لا أجهل انعطافك إلى السالونيكيين، ومدينتهم المحبوبة، وما يزيدني حزنا أن يكونوا أساءوا إلى من أحسن إليهم، فاضرب، اقتل، احرق، افعل ما شئت بهم، فذاك أقل عقاب يستحقونه، فالإثم الذي اقترفوه أفظع من الموت، وأمر من الحياة، ولو دمر البرابرة بلدهم لكان المصاب أخف من إسخاطهم لجلالتك؛ لأن جودك يجدد وطنهم، ويرد عليهم ما خسروه، أما الآن، وقد أسخطوا أحلم مولى، وأحن أب، فأي ملجأ بقى لهم؟! إن خجلهم عظيم، حتى إنهم لا يجسرون أن ينظروا إلى نور الشمس. قد حطم بعض الجهلة تمثالك، فيسير لنا أن نقيم لك تماثيل أثمن منه في قلوب رعاياك، وقلب كل من عاش من البشر على وجه البسيطة، فكل من عرف حلمك أعجب بك وأحبك.
رشق بعضهم تمثال قسطنطين
16
بالحجارة، فأغراه البعض للانتقام منهم، قائلين له: لقد شجوا رأسك، فوضع يده على رأسه وقال متبسما: لا تخافوا، فلا خدش في رأسي، فنسي الناس انتصارات هذا الملك، وما برحت هذه الكلمة تدور على أفواه البشر يتناقلها الأحفاد عن الآباء والأجداد.
ما لي أذكرك بمثل الآخرين! فأنت قلت في أمرك الذي عفوت به في عيد الفصح عن المجرمين، إنك تتمنى لو كان لك سلطان على إقامة الموتى، فتبعثهم، ألا يسهل عليك صنع هذه الآية! فما سالونيك إلا مدفن، وما أهلها إلا جثث فيها، فقد ماتوا قبل أن ينزل بهم العقاب الذي استحقوه، فكلمة واحدة من فيك تحييهم.
لا تصغ يا مولاي إلى من يقولون أن الصفح عن هؤلاء يزيد غيرهم جسارة، فإنما هذا يصدق إذا صفحت عن عجز، وها هم أموات لجزعهم، ويتوقعون الموت في كل ساعة، ولو قطعت رءوسهم لكان عذابهم أخف، ولا أزيدك علما أن بعضهم افترستهم الضواري وهم تائهون في الغابات والمغاور، وهم رجال وأحداث ونساء شريفات مخدرات، وقد بدأ عمالك يذيقونهم العذاب.
إن تنكيل الملوك بعبيدهم المجرمين لسهل، ولكن صفح الملوك عن الإهانات، وهم قادرون على العقاب، فمن أندر الفضائل، فدونك الآن فرصة تستطيع أن تبدي بها مثالا يقتدى به الدهور والأجيال، وكم يكون لك من الفخار إذا قيل إن مدينة كبرى أسخطت ملكها فارتاع سكانها، ولم يجسر ولاتها ولا قضاتها ولا شعبها أن يفوهوا ببنت شفة، إلا شيخا موسوما بكهنوت الله، امتثل أمام الملك، واستعطف حنانه ورأفته، فكفاه للعفو عن أهلها انتصابه أمامه، وإلقاؤه على مسمعه خطبة بسيطة، فلم يوفدني قومي إليك إلا ليقينهم أنك تجل كهنة الله وإن كانوا حقيرين مثلي، على أنني ما أتيتك من قبل الشعب وحده، بل من قبل رب الملائكة، وسلطان السلاطين لأقول لضميرك النقي: إذا تركت للناس زلاتهم ترك لك أبوك السماوي زلاتك ، فإذا كان لك زلة ترغب في أن تكفر عنها، فكلمة واحدة من فيك كافية لمحوها من أسفار الله.
غيري من الوفود يأتيك بذهب، وفضة، وتقدمات، أما أنا فلا أقدم لك إلا صليب المسيح وسنته المقدسة، محرضا إياك أن تقتدي به، فلا تخيب أملي، ولا تجعلني أخلف وعدي لشعبك، فإن عفوت عن المدينة عدت إلى أهلها شاكرا حاملا إليهم أمر العفو مطريا إحسانك، وإلا فلا أرين أرضها ما حييت، وأتبرأ منها إلى الأبد.
توا (يتأثر ويذرف الدموع) :
أي عجب في أن نغفر للناس، ونحن بشر مثلهم! فالمسيح صار عبدا لأجلنا، ونحن إليه آثمون، وصلبه من غمرهم بإحسانه، وهو يصلي لأبيه من أجلهم. (إلى إمبروسيوس)
عد يا أبي مسرعا إلى شعبك، وأمن المدينة، فقد عفوت عنها.
اكتب أمر العفو حالا.
وزير2 (على حدة) :
سيقطعون رأسه في الثورة الثانية إن شاء الله.
إمبرو :
كذا فلتكن الملوك، فبلسان الإنسانية جمعاء أشكر لك حلمك، ومسيحيتك الصادقين، وأدعو لجلالتك بالنصر إلى الأبد. (المستشار يدفع أمر العفو إلى الملك.)
توا :
هذا هو أمر العفو، فاحمله إلى شعبك أيها الراعي الصالح، فليس أحق منك ببشارة العفو والسلام.
إمبرو :
أسأل رب الأرباب، وملك الملوك أن يباركك من سماه، ويجعل رايتك متوجة بإكليل الظفر ما حييت، (يهم بالخروج) . (توا ينهض عن عرشه متأهبا للذهاب.) (يرخى الستار.)
الفصل الثاني
في دار حكومة سلانيك
المشهد الأول
الحاكم - كاتب سره
كاتب سره :
وما تلد الأيام بعد هذا الأمر الذي تقطر سطوره دماء.
الحاكم :
لا شيء، فالملك نمر شرس، لا يخشى ليث الثورة إذا زأر، لقد أمر بتمزيق الثائرين، ودك أسوار المدينة، وإشعالها كالهشيم.
كاتب :
إنها لقساوة تذيب القلوب، وتستبكي أعين التاريخ على شهداء أبرياء من هذه الثورة برءاة الذئب من دم ابن يعقوب،
1
أتهدم الهياكل البشرية أخذا بثأر تمثال من نحاس؟! إنه لبغي تتبرأ منه الإنسانية.
الحاكم :
لقد كان السلام مخيما فوق الرعايا عندما كان السن بالسن، والعين بالعين، ولم تتفجر براكين الفوضى قبل شريعة الرحمة، ففي التأديب حياة لأولى الألباب، والقتل أنفى للقتل .
كاتب :
إن عفو الملوك أعظم عندي من انتقامهم، ولو كنت ملكا لما هدرت نقطة دم بشري، فخير لي أن يقال ذهب شهيد جهل شعبه من قولهم كان ذئبا ضاريا فتك بنعاج هو راعيها.
الشعب (من الخارج) :
ارحمونا، ارحمونا، (صراخ وعويل) .
الحاكم :
ستبتدي المجزرة، وينفذون أمر الملك بأولئك الطغاة.
ويح الألى خرجوا على سلطانهم
عفوا فنكل فيهم تنكيلا
هم يطلبون العفو بعد جرائم
ولكم أباحوا في البلاد قتيلا
الشعب :
العفو! العفو!
الحاكم :
لا عفو عنكم يا ذئاب فشركم
ترك البلاد خرائبا وطلولا
المشهد الثاني
المذكوران - القائد
القائد :
أف من هذه المهمة التي أثقلت عاتقي، الصراخ من كل جانب ولم أكد أظهر ما بين الشعب حتى تصاعد العويل، كلهم يطلبون العفو والرحمة.
الشعب :
عفوا! رحمة!
القائد :
إنهم لا يزالون يصرخون، ألم تسمعا؟
الحاكم :
كلا، لا أسمع، إن أذني صماء وقلبي مصفح بحديد القسوة، وهكذا يجب أن يكون الحكام ليطحنوا برحى التأديب رءوس الأشرار، ويريحوا الإنسانية من مآثمهم.
كاتب (على حدة) :
ويح القساة!
القائد :
فلأطحنن كبيرهم وصغيرهم
ولأحصدن رءوسهم بحسامي
هجموا على قصر المليك وما دروا
إني أدافع عنه كالضرغام
2
كم غمرة فيها المنية شمرت
عن ساقها والنقع
3
فيها دام
صافحت فيها خد كل مهند
والموت لاح على الشفار أمامي
أفيرتجون اليوم مني رحمة
والصخر قلبي لم يلن لكلام
الحاكم :
حييت من بطل يفوق شجاعة
أبطال رومة آية الإقدام
فمليكنا أمسى عليك معولا
فاقطع رءوس عداه بالصمصام
4
واهجم على تلك الجموع ولا تخف
ودع الدما هدرا كبحر طام
سر للطغاة معجلا نفذ بهم
أمر المليك العدل بالإعدام
الشعب :
ارحمونا يا آباءنا، ارحمونا، (ضجيج وصراخ) .
كاتب :
ما هذا الضجيج؟ من القادم؟
القائد :
إن كان رب العرش لست أطيعه
الحاكم :
سر لا تخف يا واحد الأيام
المشهد الثالث
المذكورون - الحبساء
حبيس1 :
مهلا أيا رب المهند إننا
جئنا نريد الرفق بالإنسان
حبيس2 :
فالثائرون هم هم إخواننا
حبيس3 :
ومسيحنا يقضي بكل حنان
لا تسخطوه فإنه لا يرتضي
القائد (يقاطعه) :
سأنفذن الأمر دون توان
حبيس1 :
رفقا، فهذا لا يكون، وإخوتي
القائد :
إن شئتم، أو لم تشوا سيان
حبيس2 :
إننا ندافع عن الشعب حتى الموت.
حبيس3 :
ولن تخرج إلى ساحة الإعدام إلا على جسومنا. (القائد يحاول الخروج، فيقفون في طريقه.)
المشهد الرابع
المذكورون - مكدونيس
مكدو (يدخل) :
قف أيها القائد، وخل عنك الغضب. (الحبساء يخضعون له.)
مكدو :
باسم المسيح، أقول لك: قف.
القائد :
من هو هذا الشيخ الخرف؟ (يحاول دفعه.)
الحاكم :
هذا مكدونيس، ناسك الشرق العظيم.
القائد :
عفوا يا أبت، واعذرني إذا أصررت على تنفيذ أمر مولاي.
مكدو :
قل أيها القائد للعاهل أنت لست ملكا فقط، بل أنت إنسان أيضا، وتملك على من يساوونك طبعا، والطبع البشري خلق على صورة الله ومثاله، فلا تقتل صورة الله، فمن أتلف المصنوع أسخط الصانع، أنتم ساخطون لإهانة وقعت على تمثال من نحاس، أوليس التمثال الحي المتنفس العاقل أعظم من تمثال نحاس! إنه ليسهل أن نقدم لجلالة الملك مكان التمثال عشرين تمثالا، إنما إذا أعدم واحدا، فيستحيل عليه أن يحيي شعرة واحدة من رأسه.
القائد :
لقد خرق كلامك صميم قلبي، ويا ليتني كنت ملكا لأعمل بما تقول، فأنت تنطق بلسان الله يا رجل الله.
مكدو :
لا تكن آلة أيها البطل تهدم كل ما حولت إليه، فأنت ذو عقل وإدراك، فأمهل قليلا، فلعل الملك يفيق من غفلته، ويعفو عن هذا الشعب، ولا يؤخذ البريء بجريرة المجرم.
المشهد الخامس
المذكورون - ضابط (ضابط يدخل محييا ويسلم أمر الملك للحاكم.) (الحاكم يفضه، ويقرؤه، ويدفعه للقائد.)
القائد (يقرأه ثم يقول لمكدونيس)
5 :
أبشر يا محترم، فهذا أمر جلالة الملك، وقد عفا عن الشعب.
مكدو (والحبساء) :
فليعش الملك، (ثلاث مرات) .
القائد :
فلنخرج نبلغ الشعب هذه البشرى، (يخرجون) .
المشهد السادس
الحاكم وحده
قبحك الله يا توادوسيوس، يا أبا براقش،
6
أفي كل دقيقة لون! لعن الله الساعة التي جاء بها هذا الشيخ الخرف.
الشعب (من الخارج) :
فليعش الملك، فليحي القائد.
الحاكم :
لقد ظفرتم أيها الأنذال، فافعلوا ما تشاءون.
الشعب :
فليحي إمبروسيوس، وليعش مكدونيس.
القاضي :
آه من هذا الملك! وألف آه من مكدونيس، وإمبروسيوس
7
وإثناثيوس،
8
وباخوميوس،
9
وجميع الحبساء، والرهبان والأساقفة ! وكل ذي ثوب أسود. (نشيد من الخارج):
اليوم قد زال العنا
والشعب قد نال المنى
يا قوم سروا وافرحوا
ولى العنا وافى الهنا •••
حيوا المليك الأعدلا
من عفوه عم الملا
فادعوا إلى رب العلا
يا ربنا احفظ ملكنا
الحاكم :
ليتها صلاة الأموات والاحتفال بدفنكم أيها الأشقياء، وأراني الله أيديكم مخضبة بدم توادوسيوس الأحمق ليذوق طعم عاقبة العفو، فهو كالغرب يبجلونه، ويملقونه، فينتفض كالديك الحبشي، لا بد أن أرى هذا الديك يشوى على النار، نار الثورة والعصيان.
المشهد السابع
القائد - الحاكم
القائد (يدخل) :
لقد أرسلنا نقول لجلالة الملك إن الشعب يريد أن يراه ليشكر له حلمه وعفوه، (يجلس)
ما بالك يا سعادة الحاكم؟
الحاكم :
إذا كنت لم أزل حيا فبعد إجراءاتكم الدالة على ضعفكم سيثورون، ويقتلونني، ولكنني فتى لم يحبل بمثله في الدهر، إذا كشرت الأيام عن أنيابها أقابلها بسواعد من حديد تحطمها تحطيما.
فأمطري نقمة جبال سلانيك
وسحي آبار رومة تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا
وإذا مت لست أحرم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي
نفس حر يرى المذلة قهرا
القائد :
إن العفو عن الضعفاء بعدما يعرفون أنهم أصبحوا في أشداق الردى لهو أشد تأديبا لهم من التنكيل بهم.
الحاكم :
لا أيها القائد الباسل، فأنا بانتظار الملك، حتى إذا جاء أبديت له رأيي بوجوب العقاب، فإن فعل وطد عرشه، وإلا فإنني أطرح حبل ناقة الوظائف على غاربها، وأعيش ناعم البال.
القائد :
لا تكن حقودا، واصفح عن الجاهل، فالصفح خير تأديب.
الحاكم :
لا تعظني، كأنك تعلمت من مكدونيس، وإمبروسيوس، أنا واثق من نوال أمنيتي من الملك، والانتقام من أعدائي، فإذا طلبت ذلك من الملك، فلا تعارضني، ودعني وإياه في عراك الجدال تر الغلبة لمن تكون.
القائد :
إذا رأيت الملك أذعن لك أخذت بناصرك، وإلا فالصمت أولى.
الحاكم :
لا أطلب منك غير هذا.
القائد :
هو لك.
المشهد الثامن
المذكوران - المستشار
المستشار (يدخل) :
هو ذا جلالة الملك مقبل.
القائد :
كن في جانب الحاكم، وأيد رأيه. (المستشار يظهر الحيرة.)
القائد :
ستسمع.
المشهد التاسع
المذكورون - الملك - والوزيران - والحجاب
الجميع (ينهضون) :
السلام على جلالة الملك.
توا (إلى القائد) :
أنجزت مهمتك؟
القائد :
إن حلمك مولاي قد أراح السيوف في الأغماد، وعفوك حقن دماء العباد.
الحاكم :
نعم، لقد حقن دماء الأنام، ولكنه سيهدر دماء الحكام.
توا :
وكيف ذلك؟
الحاكم :
إذا كانوا لم يقتلوا ممثليك هذه المرة عن بكرة أبيهم، ففي الكرة الثانية لا يحجمون، إن هذا الحلم مولاي سيهدم أركان السلطة، والانقياد إلى رؤساء الدين يجر إلى الهاوية، ويقوض أركان العروش، فإذا حسن لديك، فأعتقني من أسر الوظيفة وأنا لك من الشاكرين، أنا لا آمن على نفسي بين شعب كالذئب الضاري.
توا :
نحن قادمون لاقتبال شكر شعب أحييناه من الموت.
الحاكم :
وأنا إذا مت فمن يحييني؟ أعتقني يا مولاي، أعتقني!
توا :
لم أر مثل هذا العناد.
الحاكم :
ولم أر مثل هذا الضعف الملقب بالحلم.
توا :
ما رأيكم أيها الوزراء؟
وزير1 :
إن كلامك لا يخلو من الصواب.
الحاكم :
لم أعد أدري يا مولاي! أأنا عبد إمبروسيوس، أم حاكم سلانيك باسم الإمبراطور توادوسيوس؟ فما زال الأسقف يدير دفة سياسة الإمبراطورية، فأنا لا أقبل وظائفها، إن إمبروسيوس هو الإمبراطور لا جلالتك.
وزير2 :
نعم مولاي؛ إن ضرب الشعب تأديبا له لأس سلطتنا، وإلا انقلب علينا، وأذاقنا علقم العصيان.
الجميع :
العقاب!
توا :
لقد أصبتم، فلنهدمن سلانيك، ونتركها عبرة في عين التاريخ إلى الأبد.
فهل أعفو وبعض العفو عجز
وإن يك جاء في شرعي وديني
وإني قد عفوت الأمس عنهم
فزادوا بلة في شر طين
لقد طمعوا فقم يا عدل واضرب
رقاب أسافل قد أسخطوني «وإني لو تخالفني شمالي
بأمر ما وصلت به يميني»
10
لقد أذقتهم شهد حلمي فسكروا وبطروا، فمن الرأي أن نعاقبهم، علهم يرتدعون، سر أيها القائد، ونكل بأهالي سلانيك ، أما أنا فذاهب إلى ظاهر المدينة لكيلا أرى أحدا، وأقبل رجاء أحد. اتبعوني أيها الوزراء.
تنبيه: يخرج الملك، ووزيراه، وحجابه من جهة، والقائد يدعو جنوده، فيمرون بخطى عسكرية في المسرح، ولما ينتهون يخرج وراءهم مجردا سيفه، ويبقى الحاكم وحده.
المشهد العاشر
الحاكم وحده
قد نلت ما حنت له أحشائي
ولسوف أسكر من دما أعدائي
ولأطحنن جسومهم طحن الرحى
ولأمطرن صواعق البلواء
ولأتركن اليوم ناعقة على
أطلالهم في الليلة الظلماء
فأنا الذي تخشى الأبالس سطوتي
والأرض ترهب صولتي ودهائي
ودرايتي تدع الملوك مهابة
تنقاد خاضعة إلى آرائي
غمز الزعانف
11
لي قناة ما التوت
إلا وشجت هامة الأعداء
وتحرشوا بالنار يا ويلا لهم
من جمرة تشوي فؤاد الماء (من الخارج صراخ وعويل.)
نوحوا فنوحكم ألذ لدي من
نغم الطيور بروضة غناء
ذوقوا ثمار تمرد وقباحة
يا أقبح الأندال والجهلاء
أثعالب البيداء أين تحيل
فقتم به أثعالب البيداء (من الخارج صراخ، وصليل سيوف.)
هذا عقاب الخائنين أميرهم
فابكوا على أيامنا البيضاء
وتعلموا أن تخضعوا أبدا إلى
حكامكم يا معشر الجهلاء
لقد بلغت نهاية الأرب، وسترهبني الأرض بعد الآن، ويخشاني الدهر، وترتعد الشعوب من سطوتي، فهكذا يجب أن يكون الحاكم لتلين له ملامس السلطة، والسيادة. (من الخارج شهيق، ونحيب.)
ما هذا؟ أسمع أنينا، وعويلا! (يتنصت) أسمع وقع أقدام! هذا هو القائد، من معه؟
المشهد الحادي عشر
القائد - غراسيان - ولداه
القائد :
جزت الصفوف وفرقت الألوف وأر
غمت الأنوف وجيش الموت يصطدم
وعدت والنصر يزهيني برونقه
تبكي الخوارج من فعلي، فأبتسم
يرون نصري بعين نارها حزن
ومهجة نالها من حزنها ألم
لقد تركت جنودي يجهزون على ال
باقين منهم وكل الدور تنهدم
وقد أتيت بهذا مع بنيه لكي
ترى به رأيك الأعلى أيا علم
الحاكم :
شكرا لبأسك يا ليث الحروب فقل
ما شئت فخرا ففيك الفخر ملتئم
فأنت من تشهد الهيجا لسطوته
والسيف والرمح والبيداء والعلم
ولكن يا أخا الروم، كيف أبقيت هذا الوغد حيا مع أنه نافخ نار الثورة في البلاد؟ فلا تقر عيني ما لم أر دمه الفاسد يجري على الثرى.
غراسيان :
أشكرك ...
القائد :
صه يا رجل! فلي كلام مع سعادة الحاكم ... مولاي أردنا الفتك بهذا الرجل، فبكى إلينا، وتوسل، وانحنى على أرجلنا يغسلها بدموعه، فرق قلبنا له، وأشفقنا على ولديه.
الحاكم :
لا شفقة ولا رحمة أيها القائد؛ فهذا عدونا الألد، إن شاء العفو عنه، فلا بأس، أما الصفح عن ولديه فمحال.
غراسيان :
اقضوا علي وارحموا ولديا
فالموت أشهى يا كرام إليا
ولدي في شرخ الصبا فترأفوا
بي وارحموا يا سادتي ابنيا
فإذا تفيد حياة شيخ مرة
هيا اقتلوني واتركوا ولديا
ولدان قد شجيا لأني والد
لهما فيا رب اشفقن عليا
ولد1 :
مهلا أبي وامسح دموعك إننا
نحيا بقربك وامنا تأتينا
والدهر بسام لنا عن ثغره
والرب خير معونة يولينا
الحاكم :
هيهات إني حاكم لا أنثني
وأرى بقتلهما نوال مرامي
لا تطمعا بلذيذ عيش فالهنا
ولى وعمركما مضى بسلام
يا أيها المغوار هيا خذهما
واترك أبا لهما على الآلام.
القائد :
أنا فاعل ما شئت ...
غراسيان : ... ... مهلا إنني
أفديهما بدمي من الإعدام
يا أيها المولى اشفقن ولا تكن
صلب الفؤاد علي كالصمصام
الحاكم :
لا أغفرن ولست أرحم خائنا
للعرش والملك العظيم السامي
الوالد :
أنا خائن، فاضرب بسيفك هامتي (يقدم رأسه) .
الولدان :
أبي لا تموت ...
غراسيان :
بلى، فذاك مرامي.
قل يا أيها الحاكم كلمة، وأرحني من هذا العذاب، فإذا كنت لا تنثني عن قتل ولدي فاقتلني قبلهما؛ لكيلا أرى ملكين بريئين يقتلان أمام عيني، أنت والد مثلي أيها الحاكم، أفلا تشعر مثلي بمحبة الأبناء؟!
ولد 2 :
أبي ما بالك باكيا؟!
الحاكم :
بلى أيها الرجل؛ ولذلك أترك لك ولدا منهما، فاختر لنا من نقتله.
غراسيان :
ويلاه من هذا القضا ويلاه
ويلاه من ذا الحكم ما أقساه
من ذا الذي أختاره لي منهما؟
من ذا الذي أرضى يذوق رداه؟
رباه من هذي القساوة نجني
فبكم رجا المظلوم يا رباه
الحاكم :
عجل، واختر واحدا لك منهما
غراسيان :
ويلي أعني اليوم يا الله!
أأسلم هذا، فهو كأخيه ظرفا ولطفا! أأعطيهم ذاك ، فهو كأخيه جمالا وذكاءا! رباه ما هذا الموقف الذي تتفتت به الصخور، وقلوب البشر لا تلين.
الحاكم :
عجل عجل، خذ منهما من تشاء، وأعطنا واحدا نقتله.
غراسيان :
إنك تكلفني المحال أيها الحاكم.
الحاكم (إلى القائد) :
خذوهما إذن إلى القتل. (الجنود يمسكون الولدين.)
الولدان :
الوداع يا أبي، الوداع!
غراسيان :
لا تودعاني؛ فأنا سائر معكما إلى الموت، والله على الظالمين. (يرخى الستار.)
الفصل الثالث
في القصر
المشهد الأول
توادوسيوس - الوزيران - الحجاب
توا (إلى الوزيرين) :
لم ترد إلينا التفاصيل المسهبة عن أعمال القائد، وما جرى له مع الثوار، فماذا تضمر لنا الأيام؟
وزير1 :
لا شيء يا مولاي، فهي أطوع من بنانك.
وزير2 :
كيف لا، وأنت رب البلاد، ومليك العباد!
توا :
دعونا من هذه التمليقات، فهذه صفحة سوداء من تاريخي لا أستطيع محوها مهما فعلت، وسيرددها التاريخ، وتتناقلها الأعصار، ولكن ما كتب قد كتب، وجل من لا يغلط.
وزير1 :
لا تحزن يا مولاي، فحياة رعيتك لا تساوي دقيقة واحدة من الحزن لقلبك الشريف، ولا سيما أنهم هم البادئون بالشر، ولو لم تؤدبهم لكانوا وصلوا إلى ما هو أعظم من هذا، واضطررت إلى أشد من هذا العقاب.
توا :
إنكم تجتهدون في تبرئتي، فأنا عارف أنني ارتكبت إثما عظيما.
المشهد الثاني
المذكورون - القائد
القائد (يدخل) :
عم مساءا مولاي!
توا :
تكلم أيها القائد، وهات ما وراءك من الأخبار.
القائد :
عملا بإرادتك السامية قد نكلنا بأهالي سلانيك، وأذقناهم ثمرة العصيان، فأسكرت سيفي من دمائهم.
توا :
أشكر لك بسالتك، وإن على عمل لا يستحق الشكر، وبعد المذبحة ماذا جرى؟ (الحاجب يخرج.)
القائد :
هدوء يملأ البلاد، وسكون سائد على المدينة، فكأنها مدينة الأموات. (توا يتنهد.)
الحاجب (يدخل قائلا) :
هذا كتاب يا مولاي دفعه إلي رسول يقول إنه قادم من عند الأسقف إمبروسيوس.
توا (يفض الكتاب، ثم يلتفت إلى الوزراء قائلا) :
أسألكم الخلوة أيها الوزراء. (الجميع يخرجون بعد التحية.) (توا يلتفت بالحاجب، فيخرج.)
المشهد الثالث
توادوسيوس وحده
توا :
هذا كتاب من الأسقف إمبروسيوس، فلنقرأه:
أيها الإمبراطور!
إن ضميري يبكتني متذكرا قول النبي داود: إذا لم ينصح الكاهن الأثيم، فيموت بإثمه ويأثم الكاهن لتقاعده عن النصح، فلا أنكر أيها الملك ما لك من الغيرة على الإيمان، وما بقلبك من خوف الله، على أنك ذو طبع متحفز للغضب، إذا حلمك أحد عدت إلى الحلم سريعا، فأسأل الله ألا يكون لك من يهيجك، إذا لم يكن من يحملك على الحلم.
إنك لم تر بأم العين فظائع مقتلة سلانيك، فكم من شيخ أثقلت ظهره السنون، قطعوه شطرين بسيوفهم، ولم يحترموا شعره الأبيض، وشيخوخته التي احترمها الموت، فلم يدن منها! وكم من خدر دخلوه، فاستباحوا به الأعراض، وهتكوا حرمة الشرف! وكم من أم قتلوها، ولم يبقوا على رضيعها! وكم من شاب أذاقوه الردى، ولم يأسفوا على شباب علقت عليه آمال الوطن! وقد ساءني بل أحزنني جدا مقتل الولدين، وأبيهما، فقد استنجد الوالد بالأرض والسماء، ووعد الظالمين القساة، بل البرابرة، بكل ما يملكه ليصفحوا عن ولديه، فلم يسمع له دعاء؛ بل قتلوا ولديه، وألحقوه بهما ...
لقد أبكاني، وأبكى الأساقفة جميعا هذا الحزن، ولا ريب أنه بلغ مسامع الرب؛ ولهذا تراني أوبخك، وأؤنبك على جرمك الفظيع؛ لأن اشتراكي معك لا يبرئك من الإثم، بل يثقلني بخطيئتك، ولا يبقى لك ناضح لتتوب إلى الله، ليتوب الله عليك.
أنت إنسان عرضت لك تجربة، فانتصر عليها، فالإثم لا يمحى إلا بالدموع، والرب لا يغفر إلا لمن تاب، ولا يستطيع ملك أو رئيس ملائكة أن يغفر الخطايا إلا بالتوبة، فأشير عليك، وأتضرع إليك أن تتوب، فلا أجسر أن أقدم الذبيحة إذا رغبت في أن تشهدها، فإن ذلك محظور على من أراق دم بريء واحد، فما ترى فيمن أراق دماء أبرياء كثيرين، فأنا أحبك، وأجلك، وأصلي من أجلك، فإن وثقت من ذلك، فارعو بالتوبة إلى الله، وإن لم تثق بصدق كلامي، فاعذرني إذا فضلت الله عليك.
إمبروسيوس
أسقف ميلان (يطوي الكتاب، ويضعه في جيبه، ثم يفكر قليلا، وينهض قائلا):
ويلي! أرى وجه البسيطة أظلما
والأرض غاضبة علي مع السما
أطلقت للنفس العنان وليتني
لم أترك الأهواء تفعل مثلما ...
يا خجلتي وصحائفي قد سودت
بجرائم منها الوجود تألما!
يا خجلتي في موقف الديان إذ
تبدو سلانيك كبحر من دما!
وأرى الشيوخ على الثرى صرعى وقد
ذرفت عليها الأرض دمعا عندما
وأرى نساء في الخدور تجندلت
ظلما، فويلي من عذاب جهنما
وأرى أطيفالا بهم قد أعملوا
الرمح المثقف والحسام اللهذما
1
تبا لتاوادوسيوس ... راعيا
جعل الرعية للأسنة مطعما
يا ليتني في القبر ميتا مدرجا
فجرائمي قد أغضبت رب السما
إني إليك أبا البرية تائب
عما فعلت فجد بعفوك وانعما
إن كنت ذا الذنب العظيم فتوبتي
ستكون يا رب البرية أعظما
أنا نادم أنا نادم أنا نادم
ولتوبتي طوفان دمعي قد طما
آه! ما أفظع ذنبا اقترفته، فقد ارتاعت له البشرية وأنت الإنسانية من جور هذا الحكم، وضميري يبكتني على فظائعي. (تظهر له أشباح.)
ماذا أرى؟ خناجر حمراء! سيوفا ملطخة بالدم! رجالا صرعى! ما هذه الأشباح؟ إنها تحاول الانتقام مني، إليك عني أيتها الخيالات! ابعدي ابعدي، إنك ترهبيني، رباه كيف الخلاص (تختفي الأشباح) .
وا خجلتي منك يا إمبروسيوس! لقد نهيتني عن هذا الإثم الفظيع، فانتهيت، ولكن ذوي المآرب جعلوا لي العدول عن الفتك بالشعب عجزا وجبنا ففعلت، رباه عفوك!
المشهد الرابع
توادوسيوس - الحاجب
الحاجب :
مولاي! إن إمبروسيوس قد قدم، وسألني أن أستأذن له بالدخول عليك، فماذا تأمر؟
توا (يفتكر هنيهة) :
عد أيها الحاجب إليه، وقل له إن مولاي راقد في غرفته، ثم ادعه إلى هذه القاعة، ومتى استقر به المقام ادع الوزراء لمقابلته، وأفهمهم أن يتلطفوا معه في الحديث، وإذا سألك بعدئذ أن تدعوني، فلا تتأخر.
الحاجب :
سمعا وطاعة (يخرج) .
توا :
يا للفظاعة! كيف لا أخجل من مقابلتك يا إمبروسيوس، لقد نهيتني عن أفظع الآثام فما انتهيت، رباه! ماذا أصنع لأكفر عن آثامي؟ (يقرع جرسا فيدخل جندي.)
المشهد الخامس
توادوسيوس - جندي
توا :
انتظر في هذا المكان قدوم السيد إمبروسيوس، ومتى دخل تخل له عن هذا المقام إذا لم تكن له حاجة بك.
جندي :
أمرك مولاي. (توا يخرج .)
جندي :
ما هذه الكآبة المستولية على جلالته؟ لقد كنت أظن أننا جماعة المأمورين وحدنا عرضة للهموم، أما الآن فقد ظهر لي أن الجميع لدى الهموم سواء، وربما كانت الهموم على قدر الهمم، فأنا الجندي الصغير لا يهمني إلا إملاء جوفي، وتنفيذ أوامر ضباطي فقط: تعال تعال، رح رح، فما أسهل هذه الحياة! فلو أعطوني هذا العرش مع الهموم والشقاء لرفضته بلا أسف، لنجرب الجلوس عليه (يجلس على الرفاص، ثم ينهض كالمرتعد)
إن مقعدي الخشبي لأنعم منه وألين، والجلوس عليه أشهى وألذ، مجانين هم الملوك؛ يحملون أحمالا ثقيلة، أما أنا فلا يهمني شيء في العالم، فمن المأمورية إلى الغناء والترنيم، أسمع وقع أقدام! من هذا؟ شيخ جليل! أهذا إمبروسيوس؟!
المشهد السادس
الجندي - إمبروسيوس (إمبرو يدخل.)
جندي :
صباح الخير يا سيدنا، تفضل اجلس، هل لك بي حاجة؟ مر، فأنا أطوع لك من بنانك.
إمبرو :
أشكرك يا ابني، ولا حاجة لي بك.
جندي :
إذن اسمح لي بالخروج.
إمبرو :
رافقك الله.
المشهد السابع
إمبروسيوس وحده
أبكي ولكن هل يفيد بكائي
من بعد ذا التنكيل من أبنائي؟!
ذهبوا جميعهم ضحية ساسة
قد نفذوا في الخير شر قضاء
يا ليت في عيني بحر مدامع
لأنوح في الأنوار والظلماء
أبكي على شعب يساق لذبحه
سوق النعاج فيا لطول رثائي!
ألأجل تمثال تباد رعية
وتشب فيها نار كل بلاء؟
رباه ما هذي القساوة لم يرد
هذا عن الأجداد والآباء
رؤساء هذا الشعب شركم طما
يا ويلكم من سيد الرؤساء
أسخطتموه بظلمكم وصنيعكم
وهو الرءوف البر بالأبناء
رباه عفوا وامنحن ندامة
من أخطئوا وأقبل حميم نداني
نعم، أسألك يا الله أن تضرم في قلب الإمبراطور نار التوبة، وتمطر عليه سحائب النعمة، فيمحو بدموعه أوزاره وآثامه، لقد قتل بأوامره الأبرياء، فيا دمهم الطاهر! أسأل الله الصفح عن سافكك، فإذا تمرغ الملوك في حمأة الآثام، والمظالم، فيا ويل شعبهم، ما أمر عذابه!
المشهد الثامن
إمبروسيوس - الحاجب - الوزيران
الحاجب :
سيدي، إن الوزراء قد أقبلوا!
إمبرو :
آه من الوزراء، فهم هم قد أهرقوا الدماء.
الوزيران (يدخلان) :
السلام عليك أيها السيد الجليل.
إمبرو :
وعليكم السلام يا ولاة الأمور.
وزير1 :
يسرنا أن نرى سيادتك من حين إلى آخر؛ لنستقي من مناهل إرشادك، وينابيع حكمتك.
إمبرو :
وما تنفع مياه الإرشاد؟ فأرض القلوب من فولاذ.
وزير2 :
وما تعني سيدي؟
إمبرو :
أعني أن كلامي ذهب أدراج الرياح ، ولم تؤثر بكم عظاتي، فأنا أرثي لكم، وأشفق على إمبراطور عظيم هو بين أيديكم كريشة في مهب الريح، أما وعدني بالعفو عن الشعب! أما أمر بحقن الدماء، وسلمني إرادته السنية! ولكنكم عدتم، فحولتم أفكاره عن مجاريها.
وزير1 :
لا يا سيدي، فنحن براء من هذا، ولكن حاكم المدينة اغتاظ مما جرى، وقدم استعفاءه مع الهيئة الحاكمة كلها، فاضطر الملك إلى مجاراته، وأصدر أمرا ثانيا، وهكذا كان.
إمبرو :
آه من تلك الأوامر الجائرة! وويل للقساة الظالمين يوم الدين.
المشهد التاسع
المذكورون - المستشار
المستشار (يدخل) :
سيدي إمبروسيوس، إن جلالة الإمبراطور أوفدني إليك؛ لأخبرك بقدومه لمقابلتك، وقد تلقى رسالتك، فأثرت به أيما تأثير.
إمبرو :
وأنا لهذه الغاية أتيت، جئت لأرى جلالته، وأخاطبه كما خاطب الأنبياء قبلي الملوك قبله.
المشهد العاشر
المذكورون - توادوسيوس (توا يدخل.)
الوزيران :
حياك الله يا جلالة الإمبراطور.
توا :
لقد أتيتك أيها السيد الجليل خاضعا تائبا إلى الله، وإليك، وألتمس منك الغفران، والسماح لي بحضور الذبيحة المقدسة.
إمبرو :
إنني بالجرأة المسيحية التي تدرع بها الرسل قبلي أرد طلبك، وأرفض قبولك بين المؤمنين الأبرار، فإن آثامك هائلة، وجرائمك فظيعة، أيها الإمبراطور، فقد سفكت دماء إخوانك بلا عدل، ولا شفقة، فخضبت وجه الأرض بدمائهم انتقاما لحاكم ظالم بربري.
توا :
لئن أخطأت إلى الله، فكم من ملوك أخطئوا قبلي! ولهذا أتجاسر، وأقول لك إنني أريد أن أكون غدا بين المؤمنين، وأقترب من مائدة الخلاص.
إمبرو :
كيف ترفع إلى الله يدين ما زالتا تقطران دما أراقته جورا؟ بل كيف تقبل على هاتين اليدين جسد الرب المقدس، وتتناول دمه الكريم؟ أنت يا من بسورة غضبك سفكت دماء الأبرياء، فاعتزل من هنا، ولا تزد إثما على إثمك الفظيع، اخرج ، ولا تخالط البشر، فأنت محروم من شركة المؤمنين، فلا تخالطهم لئلا تلصق بهم عار جرائمك. (توا يخرج كئيبا، ويتبعه المستشار والحاجب.)
وزير2 :
ما أقوى سلطة الدين!
وزير2 :
فلها تخضع الملوك (يخرجان) .
المشهد الحادي عشر
إمبروسيوس وحده
أأخاف صولة الملوك، وأنا ممثل رب الأرباب! ألم يقل رسول الأمم: وبخ، وأنب، ولا يهننك أحد ؟! بلى؛ هكذا يجب أن أصنع، وإن عاد إلي ثانية بحلته الملوكية وتاجه الذهبي فلأطردنه، ولن أعفو عنه حتى تبدو توبته لكل ناظر.
المشهد الثاني عشر
إمبروسيوس - مكدونيس
مكدو (يدخل) :
السلام عليك أيها السيد الجليل. (يركع، ويقبل يده) .
إمبرو :
فليباركك الله أيها الناسك المحترم.
مكدو :
لقد عرفت بقدومك السعيد إلى هذا المقام، فأتيت ملتمسا أن أكون خادمك في الذبيحة التي تقدمها في الغد في مطلع الصوم المبارك، فهل تسمح لي؟
إمبرو :
وهل يسوغ لنا أن نحرمك عملا تقويا أيها الورع! فبكل شكر أقتبلك، ولا حرمت الكنيسة من خدمة صادقين. (نشيد من الخارج):
يا نفس توبي وارجعي
بتحسر وتوجع •••
لا تبتغي الآثاما
وتجنبي الظلاما
فإلام أنت إلاما
في غمرة لم تقشع •••
سعدا لمن قد تابا
وإلى المهيمن آبا
سيرى المسيء عقابا
يوم الحساب المزمع •••
أنا تائب أنا نادم
بمساءتي أنا عالم
رباه أنت الراحم
فانظر ورق لأدمعي
مكدو :
لقد أثرت بي هذه التسابيح.
إمبرو :
أظن هذا جوق الملك يرنم نشيد التوبة.
المشهد الثالث عشر
المذكوران - الملك - وحاشيته
توا (يدخل ومعه حاشيته، وهو لابس المسح
2
ثم يقول لإمبروسيوس) :
لقد أتيتك أيها الراعي الصالح لابسا المسح خالعا الحلل الملوكية، طارحا التاج عن رأسي، وقلبي منسحق نادم، فحلني من آثامي، ولا تحرمني من ثمار موسم الصوم المبارك.
إمبرو :
إن التوبة باللسان أيها الإمبراطور لا تقبل عند الله، فإن لم تمارس العقوبة الكنسية المفروضة على الخطأة لا أجرؤ على قبولك في هيكل الله.
توا :
إن نفسي حزينة حتى الموت، وقد سحقت الندامة قلبي أيها الراعي الصالح، فلا ترذلني، لا تعاملني بحسب آثامي، فلهذا أنا جاث أمام الله وأمامك، هاتفا بلسان النبي داود: «قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في أحشائي.»
3
فحلني يا سيدي من وثاقي، ولا توصد في وجهي بابا مفتوحا لكل تائب.
إمبرو :
أية توبة صنعت بعد إثمك الفظيع؟ وبأي رداء عالجت جراح نفسك الثخينة؟
توا :
أعلمني بما يقتضي، فأصنعه، فقد أثقلت آثامي عاتقي، وكرهت ثوب المعاصي القذر الذي ألبستنيه جرائمي.
إمبرو :
علمت أن سرعة احتدامك حملتك على هذه المعصية الكبرى، فعليك أن تروض ميلك إلى الغضب، وأن تعدني الآن أمام الله، والناسك بأنك لا تنفذ الأحكام بالقتل وضبط الأملاك إلا بعد شهر من صدورها.
توا (إلى المستشار) :
أعطني قلما وورقة.
إمبرو :
انهض واكتب.
توا :
بل أريد أن أكتبها جاثيا؛ كفارة عن آثامي.
المستشار :
تفضل سيدي.
توا (إلى إمبروسيوس.) : (إلى إمبروسيوس.)
هاك ما أمرت سيدي.
إمبرو :
انهض أيها الإمبراطور.
توا :
قد لصقت نفسي بالتراب، فأحيني يا رب حسب كلمتك.
إمبرو :
سر بنا إلى منبر التوبة، ويغفر لك الله آثامك، فقد علمت بتوبتك الأجيال الآتية، وربك تواب رحيم. (توا ينهض.)
لقد ثبت عن إثمي ونفسي حزينة
فيا ربي اقبلها، ويا رسله اشهدوا
ولي بالنبي داود خير تشبه
فللرب طول الدهر نفسي تسجد (يرخى الستار.)
अज्ञात पृष्ठ