ततिम्मत बयान फि तारिख अफगान
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
शैलियों
ثم إن أشرف أخذ يستقبح أعمال محمود التي صدرت منه في آخر عمره، ويبث التشنيع عليها في الملأ العام، ولتطييب نفوس الأهالي، واستمالة قلوبهم، أخذ تاج الملك ووضعه على رجل شاه سلطان حسين وألح عليه في لبسه، فلم يرض الشاه بذلك، ورفع التاج بيده، ووضعه على رأس أشرف وقال: «إني اخترت العزلة على العزة.» وزوجه ببنته الثانية، ثم أراد أشرف أن يخدع شاه طهماسب فكاتبه يدعوه للملاقاة مبينا له «أنه قد وقع الهرج في بلاد إيران، وتطاولت إليها يد الأعداء والأجنبيين فلنجتمع لنصلح ذات بيننا ونتعاضد على دفع العدو من البلاد.» وإذ علم بذلك بعض الأمراء الإيرانيين الذين كانوا في خدمة أشرف كتبوا إلى طهماسب محذرين إياه من الاجتماع والاعتماد على قول أشرف، ولما استشعر أشرف بهذا أمر بقتل بقية الأمراء الإيرانيين الذين تخلصوا من سيف مير محمود متعللا بأنهم يراسلون عدوه، وقبل موت مير محمود بقليل كان سلطان العثمانيين قد عقد معاهدة مع إمبراطور روسيا «بطرس الأكبر» على تقسيم الممالك الإيرانية التي لم تدخل في حوزة الأفغانيين، وطرد الأفغانيين من البلاد التي حازوها، وتسليمها ليد طهماسب إن وافق على هذه المعاهدة، ولما أخذ أشرف بزمام السلطنة أرسل سفيرا إلى قسطنطينية فتفاوض مع علمائها في هذا الشأن وقال: «لا يليق بالسلطان أن يعاهد ملكا نصرانيا على اقتلاع ملك مسلم سني.»
فوافقه العلماء على ذلك إلا أن الوزراء حاجوا العلماء وحجوهم حيث قالوا: «إن السلطان العثماني هو أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، وظل الله في الأرضين، ومن لم يكن له مطيعا لأمره، ولم يخطب باسمه، ولم يعط الخراج، فهو عدو للدين، والجهاد فيه أفضل من الجهاد في النصارى.» فسكت العلماء لهذا البرهان الناشئ عن هوى الأنفس، ورجع السفير خائبا، وصدر الأمر لأحمد باشا الذي كان متسلطا على «مراغة» و«قزوين» بسوق العساكر إلى أصفهان، ولما سمع أشرف بذلك أمر بحرق القرى، وجمع عساكره واستقبل العساكر العثمانية فتلاقى أولا مع ألفين من مقدمة جيوشهم على بعد خمسة عشر فرسخا من أصفهان، فقتلهم عن آخرهم، فوقع الرعب في قلوب الأتراك لهذا الخبر، وأمر أحمد باشا بتوقيف العسكر وحفر الخنادق حولهم، أما أشرف فقد بعث بأناس سرا ليسعوا في قلوب الأكراد على ولائه وليذيعوا في المعسكر العثماني أن هذه الحرب مضادة للدين الحنيفي، وبعث بآخرين من العلماء جهرا إلى أحمد باشا ليستميلوا فؤاده إلى السلم ويبينوا له أن الصلح خير، فلم يسمع مقالتهم، بل أمر بسوق العساكر، وكانت ستين ألفا يصحبها سبعون مدفعا، ولم يكن مع أشرف سوى عشرين ألفا يصحبها أربعون «زنبوركا»، فلما تلاقى العسكران انهزم العثمانيون شر هزيمة بعد أن قتل منهم عشرة آلاف، وتركوا جميع أسلابهم وأدواتهم، وفر أحمد باشا إلى «كرمان شاهان»، وخوفا من أن يتعقبه أشرف لم يقم فيه، بل ذهب إلى بغداد، فاتخذ أشرف من ذلك فرصة لاستمالة أفئدة العثمانيين، فكتب إلى أحمد باشا: «إنني لا أحب التصرف في أموال المسلمين فأرسل أمينا من طرفك يستلم جميع ما تركتم سوى الآلات الحربية.» وأطلق أسراء العثمانيين فأوجب ذلك اشتهاره عند العثمانيين بحسن السيرة، فالتزموا أن يصالحوه على أن يعترفوا له بكونه شاه إيران، وأن يعترف هو من سلطان قلبه بكون السلطان العثماني هو ظل الله في الأرضين.
وإثر ذلك وقعت عدة مشكلات، أحدها كون أخي
8
محمود نزع إلى الاستقلال في قندهار فتسبب عنه الشقاق في طائفة الغلجائي، وانقطاع المدد عن الشاه أشرف، وثانيها كون الملك محمود السجستاني سمى نفسه شاها، وتغلب على غالب ممالك خراسان، وثالثها كون نادر المعروف بالشجاعة والعزم والشهامة قد انضم إلى الشاه طهماسب وصار أميرا على عساكره في مدينة «أسترآباد»، وفي خلال هذه المشكلات سار شاه أشرف لفتح مدينة «يزد» فوفق لفتحها، وأرسل سفيرا بعد ذلك إلى الدولة العثمانية فقابله رجالها بكل تبجيل وتعظيم، فعد ذلك شاه أشرف فاتحة الإقبال، ولكن لم يطل زمن سروره، حتى بلغه أن نادرا جيش جيشا من طرف طهماسب لاستخلاص مشهد وهرات من أيدي الأفغانيين العبدالية، فكان من الأمر أن تم له ذلك، استخلصهما واستفحل أمره في تلك البلاد، فاضطرب لذلك شاه أشرف، وأخذ يحشد العساكر، فجمع ثلاثين ألفا، وسار بهم إلى بلاد خراسان، وتلاقى مع عساكر نادر بقرب دامغان، فهاجمها مرات متعددة، إلا أن عساكره لم تقدر على مقاومة عساكر نادر فانهزم ورجع إلى أصفهان، وأمر بجمع الأفغانيين، وعسكر في شمال المدينة بقرب «مودجه خوار» وحفر خنادق وأقام استحكامات، فتوجه إليه نادر وكان في كل نقطة من سيره يزيد عساكره من الإيرانيين إلى أن وصل إلى معسكر أشرف فوجده في غاية المناعة، ومع ذلك أمر بالهجوم عليه وأظهر الأفغانيون غاية الجلادة والثبات، ولكن لما كانت عساكر العدو أكثر عددا، وأوفر عددا، ظفرت بهم، وقتل من أبطال الأفغان أربعة آلاف، وتقهقروا إلى أصفهان، وعلموا علم اليقين أن لا مقام بها فباتوا ليلتهم يتأهبون للرحيل، وقبل طلوع الشمس خرجوا من المدينة سالكين طريق شيران، ويقال: إن أشرف قبل خروجه من المدينة أرسل شاه سلطان حسين السيئ البخت إلى وادي العدم، وبعد أشهر ساق نادر الجيش بأمر طهماسب إلى شيراز، تلاقى هناك مع الأفغانيين المنكسري الخاطر، المجتمعين حول إصطخر، وبعد محاربة هينة تفرقوا وتقهقر أشرف إلى مدينة شيراز، ولما علم أن لا خلاص له خرج مع مائتي خيال قاصدا مدينة قندهار، وتفرقت جموع الأفغانيين مع أمرائهم وكان عددهم يبلغ عشرين ألفا، وفي مسيرهم إلى بلادهم كانوا يكابدون المشاق من قلة الزاد ومعارضة الإيرانيين وسائر القبائل لهم بالقتل والنهب، حتى تلف غالبهم، ولم ينج إلى بلادهم إلا القليل.
وأما شاه أشرف فكان يقاتل مع القبائل إلى أن وصل إلى بلوجستان، فقابله أهلها بالقتل والسلب حتى لم يبق معه إلا شخصان، ثم تلاقى معه ابن عبد الله خان بلوج، وعرفه، فقلته وبعث برأسه مع قطعة من الماس كانت معه إلى شاه طهماسب، وكان ذلك في سنة 1142، وكان أشرف طيب السريرة، حسن السيرة، واسع الأخلاق، حميد الأوصاف عند الأفغانيين، وكان الإيرانيون أيضا يفضلونه على محمود، وقد طالت سلطنة الأفغانيين في إيران سبع سنين، وقتل فيها من الإيرانيين بمحارباتهم مليونان من النفوس، وبعدما نال نادر السلطنة الإيرانية، ونزعها من أيدي الصوفية، جهز ثمانين ألفا لفتح قندهار، ولما وصل إليها وجدها منيعة، لوقوعها إذ ذاك في إبط جبل يقال له «كوه قيطول» وكان محيطا بها على هيئة نصف دائرة، وكان في الجهة التي لم يحطها الجبل أبراج منيعة، فارتأى نادر أن يبني مدينة بجانبها ليتمكن من الحصار، وبعد أن حاصرها سنة كاملة ولم يفز بالافتتاح؛ لوفور الذخيرة عند الأفغانيين، أخذ سبيل المهاجمة، واستولى على بعض الأبراج، بعد كرات عديدة، ووضع عليها الأهوان
9
والمدافع، وسلطها على المدينة فتماطرت الكلل عليها، فلم يجد أهل المدينة سبيلا للسلامة سوى التسليم، ففتحوا الأبواب، ودخلت عساكر نادر في المدينة، ولم يحدث من دخولهم أدنى ضرر بالأهالي؛ لأن نادرا كان قد أعلن العفو عن الأفغانيين، تقريرا لما التزمه عند نيل السلطنة من دفع الرفض، وتقرير الترضي عن الصحابة، فإنه عندما طلب منه الإيرانيون أن يكون هو السلطان والشاه أبى ذلك، وقال: «لا أقبل السلطنة حتى ترفضوا الرفض وتتراضوا عن الصحابة.» فأظهروا له الرضا وواثقوه على ذلك فقبل تاج الملك، ثم كاتب الدولة العثمانية «بأن الإيرانيين قد عدلوا عن سب الصحابة واطمأنوا للترضي عنهم، ولكن المذهب الجعفري من المذاهب المعتبرة عند أهل السنة فنؤمل أن تأذن الدولة بإقامة إمام للجعفريين في مكة المكرمة كما لسائر المذهب» فامتنع شيخ الإسلام عن ذلك، وأغرى الدولة بعدم القبول.
وقد بقي الأفغانيون تحت سلطة الإيرانيين من زمن موت شاه أشرف إلى موت نادر شاه. ولما مات نادر شاه في سنة 1161 قام أحمد خان العبدالي السدوزاي الذي كان في معسكر نادر شاه مع جموع من الأفغانيين والأزبك، وهاجم الإيرانيين ونازلهم منازلة عنيفة ثم انعطف بغاية السرعة إلى قندهار واستولى عليها ووضع يده على الأموال الخراجية التي كانت تحمل من كابل وبلاد السند إلى نادر شاه عند مرورها بقندهار، وبذلك قوي اقتداره فادعى الاستقلال، ولقب نفسه شاه أفغان، وسمى القبيلة العبدالية «دراني». ثم وجه عساكره إلى هرات ومشهد وسجستان، وغيرها من بلاد خراسان، وافتتح الجميع، وكان في مكنته أن يفتح جميع بلاد إيران في ذلك الوقت، غير أنه رأى اشمئزاز نفوس الأهالي من الأفغانيين لما سبق لهم من الإساءات إليهم، وأن تغيير المذهب الذي حدث فيهم بواسطة نادر شاه لم يكن متمكنا منهم، فعلم أن افتتاح تلك البلاد لا يعود بعظيم فائدة، واشتغل أولا بتدبير داخليته، واكتفى بتخليص أمته وترك بعضا من بلاد خراسان لابن نادر شاه، قياما بواجب حق أبيه عليه وتكفل له بحفظه، ثم لما رسخت قدمه في الملك ودان له جميع الأفغانيين ساق عساكره ست مرات إلى الأقطار الهندية، ونال الظفر في كل مرة خصوصا في الواقعة التي وقعت بصحراء پني پتان «بالباء الفارسية فيهما» الواقعة بقرب مدينة دهلي، وكانت تلك الواقعة مع المراتيين من عبدة الأوثان الذين أعجزوا أعاظم السلاطين التيمورية في الهند؛ إذ كانوا يرومون نزع السلطة من أيدي المسلمين، وعساكرهم في تلك الواقعة كانت ثمانين ألفا وعساكر أحمد شاه كانت ستين ألفا نصفها من الأفغان، ولم يكن اعتماد أحمد شاه إلا عليهم، فهزم بهم عساكر المراتيين شر هزيمة، ونكل بهم تنكيلا، حتى صارت هذه الواقعة سدا لسبيل فتوحاتهم، وانتشر له بهذه الواقعة أحسن ذكر بالبلاد الهندية، وكان ذلك مؤيدا له في فتوحاته الهندية فافتتح بلادا كثيرة كبنجاب وكشمير وسند وما يتاخمها من البلدان، ثم فتح بلوجستان ومكران وبلخ وغيرها، وخضع له بعد ذلك سائر الأمراء الكبراء الذين كانوا على مقربة من بلاده، وصار بتدبيره وحكمته متسلطا على مملكة عظيمة، وكان رجال مملكته من الغنى والثروة بمكان، إلا أن مالية الحكومة كانت فقيرة، فإن خراج أقطار كابل وقندهار قد وهبه لأمراء القبائل الأفغانية، ولم يكن يطلب منهم على ذلك عوضا سوى الطاعة والانتظام في سلك العسكرية.
وكان هذا السلطان العظيم الشأن من قبيلة «السدوزاي» على ما تقدم، وهي القبيلة التي كان الأفغانيون يجلونها، وينظرون إليها بعين الاعتقاد، وكان مع ذلك شجاعا ذا عزم وحزم، وتدبير محكم، وسداد رأي، وعلم وحكمة، وسعة أخلاق، وطيب نفس، وعدل وإنصاف، ورحمة بالضعفاء، وعناية بشأن الرعية وإصلاحها؛ ومن أجل ذلك تمكنت محبته من قلوب رعاياه عموما مع اختلاف في الأجناس والمشارب، ومن قلوب الأفغانيين خصوصا، حتى إنهم كانوا يعتقدونه من المقربين إلى الله، ويعدونه أبا لعموم الأفغانيين، ومن ثم لقبوه ببابا وهو إلى الآن يعرف عندهم بهذا اللقب، إذ يدعونه أحمد شاه بابا. استقر عرش ملكه وسلطنته على دعائم الثبات والتمكن، ولكن لما كانت العلة الحقيقية لثبات الملك والسلطنة هي حكمته وتدبيره، ولم يكن في عقبه من يكون على مثل حاله وقعت المملكة بعد موته في ارتباك واضطراب، وكانت وفاته سنة 1185 وقيل: سنة 1187 بعدما قضى من العمر خمسين سنة.
अज्ञात पृष्ठ