تثقيف اللسان وتلقيح الجنان
للإمام الفقيه أبي حفص عمر بن خلف
ابن مكي الصقلي النحوي اللغوي
المتوفى سنة ٥٠١ هـ
قدم له وقابل مخطوطاته وضبطه
مصطفى عبد القادر عطا
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1 / 1
الطبعة الأولى
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
قال الشيخ الجليل الفاضل أبو حفص عمر بن مكي الصقلي النحوي:
الحمد لله الذي فضلنا باللسان العربي، والنبي الأمي، الذي آتاه جوامع الكلم، وفضله على جميع الأمم، وجعل معجزته قائمة، وآيته دائمة، بعد أن بعثه عند تناهي الفصاحة، وتكامل البلاغة ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ بالسيف القاهر، والحجة البالغة ﷺ.
فلما تمت الحجة، ووضحت المحجة، هجم الفساد على اللسان، وخالطت الإساءة الإحسان، ودُخِلت لغة العرب، فلم تزل كل يوم تنهدم أركانها، وتموت فرساها، حتى استبيح حريمها، وهجن صميمها، وعفت آثارها، وطفئت أنوارها، وصار كثير من الناس يخطئون وهم يحسبون أنهم مصيبون، وكثير من العامة يصيبون وهم لا يشعرون، فربما سخر المخطئ من المصيب، وعنده أنه قد ظفر بأوفر نصيب، وتساوى الناس في الخطإ واللحن إلا قليلًا.
وإنما يتميز أولئك القليل -على مابهم من تقصير- عند المباحثة والمكاتبة وقراءة الكتب ومواضع التحقيق. فأما عند المخاطبة والمحاورة فلا يستطيعون مخالفة [ما تداوله] الجمهور واستعمله الجم الغفير.
1 / 15
ثم لم يزل الغلط ينتشر في الناس ويستطير، حتى وقع بهم في تصحيف المشهور من حديث النبي ﷺ، واللحن في الواضح المتداول منه، وتعمد الوقف في مواضع لا يجوز الوقوف عليها، من كتاب الله ﷿، وتغيير أشعار العرب وتصحيفها، وتصنيف كتب الفقه وغيرها ملحونة، تقرأ كذلك فلا يؤبه إلى لحنها، ولا يفطن إلى غلطها، بل إذا سمعوا الصواب أنكروه ونافروه، لطول ما ألفوا فقده، وركبوا ضده.
ولقد وقفت على كتاب بخط رجل من خاصة الناس وأفاضلهم فيه: أحب أن تشتهد لي في كذا وكذا بالشين يريد تجتهد. ورأيت بخط آخر أكبر منه وأعلى منزلة، بيت شعر على ظهر كتاب، وهو قول الشاعر:
(زوامل للأسفار لاعلم عندهم ... يجيدها إلا كعلم الأباعر)
كتبه للأصفار بالصاد، وأكثر الرواية فيه للأشعار وبعده:
(لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأحماله، أوراح، مافي الغرائر)
وكتب إليّ آخر من أهل العلم رقعة فيها: وقد عزمت على الإيتيان إليك بزيادة ياء. وشهدت يومًا رجلًا قِبَلَهُ تخصصٌ وفِقْه وحفظ للأخبار والأشعار، وقد سمع كلامًا فيه ذكر الشدق، فلما يسمعه بالدال -غير معجمة- أنكره، وتعجب من أن يجوز ذلك، وليس يجوز سواه، ثم سألني، ورغب إليّ أن
1 / 16
أجمع له مما يصحف الناس في ألفاظهم، وما يغلط فيه أهل الفقه، وما قدرت على جمعه.
فأجبته إلى ما سأل، عالمًا يأتي [؟ بأني] من العجز في الغاية، ومن التخلف والتقصير في النهاية ولو قَبِل التاليف في مثل هذا الزمان الفاسد، لا يسلم من حاسد ينعى عليه، أو جاهلٍ يتطاول بالزراية إليه.
لكني تحملت المضرة، وتسربلت هذه المعرة، كراهية معتبة هذا الصديق -أيده الله تعالى- واستبقاء مودته. فلما أتيت على مراده، وأردت الوقوف على نفاده، قلت كما قال الأول:
أنا الغريق فما خوفي من البلل
فأضفت إلى ذلك غيره من الأغاليط التي سمعتها من الناس، على اختلاف طبقاتهم، مما لا يوجد في كتب المتقدمين التنبيه على أكثره، لأن كل من ألف كتابًا في هذا المعنى، فإنما نبه على غلط أهل عصره وبلده، وأهل البلدان مختلفون في أغاليطهم، فربما يصيب هؤلاء فيما يغلط هؤلاء، وربما اتفقوا في الغلط. ألا ترى أن أهل المشرق يقولون: النَّسَيان، وآمِّين-عند الدعاء- بالتشديد، وأخذت للأمر أهْبَتَهُ، وليس في بلدنا أحد يقول إلا النِّسيان، وآمِين، بالتخفيف، وأخذت للأمر أُهْبَتَهُ.
1 / 17
ومثل ذلك كثير، مما ذكره علماؤهم، وأخذوه عليهم، وقد يغلطون فيما لا يلفظ به أهل بلدنا، ولا سمعوا به قط، مثل قولهم: قاقزَّة في القاقوزة، وعنب مُلّاحِيّ، وهو مخفف اللام، وقارورة في القارية، وتُوثر وتُحمد، في تُوفر وتُحمد وفي أشباه لذلك كثيرة، مما ملأوا به كتبهم، فإذا قرأه من لا يعرفه ولا يستعمله، لم ينتفع به كبير منفعة، وكان معرفة ما يستعمله ويغلط فيه أولى به، وأعود بالفائدة عليه. وكذلك غَلَطُ أهلِ الأندلس، ربما [؟ وافق] غَلَط أهل بلدنا، وربما خالفه، حكى الزبيدي: أَنهم يقولون في التِبْن: تَبْن، وفي النَوْتِي: نَوتى، وفي القُبَّيط: قُبَّيد، ومثل ذلك كثير، مما لا غلط عندنا فيه، ولا حاجة بنا إلى التنبه عليه. فجمعت من غلط أهل بلدنا ما سمعته من أفواههم، مما لا يجوز في لسان العرب، أو مما غيره أفصح منه وهم لا يعرفون سواه، ونبهت على جواز ما أنكر قوم جوازه، وإن كان غيره أفصح منه، لأن إنكار الجائز غلط.
وعلقت بذلك ما تعلق به الأوزان، والأبنية، والتصريف، والاشتقاق، وشواهد الشعر، والأمثال، والأخبار.
ثم أضفت إليه أبوابًا مُستطرفة، ونتفًا مستملحة، وأصولًا يُقاس عليها. ليكون الكتاب تثقيفًا للسان، وتلقيحًا للجَنان، ولينشط إلى قراءته العالم والجاهل، ويشترك في مطالعته الحالي والعاطل.
وجعلته خمسين بابًا، هذا ثَبَتُها:
١ - باب التصحيف.
٢ - باب التبديل.
٣ - باب ما غَيروه من الأسماء بالزيادة.
1 / 18
٤ - باب ما غيروه من الأسماء بالنقص.
٥ - باب ما جاء ساكنًا فحركوه.
٦ - باب ما جاء متحركًا فأسكنوه.
٧ - باب ما غيروا حركاته من الأسماء.
٨ - باب ما غيروا حركاته من الأفعال.
٩ - باب ما غيروه من الأفعال بالزيادة.
١٠ - باب ما غيروه من الأفعال بالنقص.
١١ - باب ما غيروه بالهمز أو تركه.
١٢ - باب ما غيروه بالتشديد.
١٣ - باب ما غيروه بالتخفيف.
١٤ - باب ما غيروه من أسماء الفاعلين والمفعولين.
١٥ - باب ما غيروا بناءه من أنواع مختلفة.
١٦ - باب ما أَنثوه من المذكر.
١٧ - باب ما ذكّروه من المؤنث.
١٨ - باب ما يجوز تذكيره وتأنيثه وهم لايعرفون فيه غير أحدهما.
١٩ - باب غلطهم في التصغير.
٢٠ - باب غلطهم في النسب.
٢١ - باب غلطهم في الجموع.
٢٢ - باب ما جاءَ جمعًا فتوهموه مفردًا.
٢٣ - باب ما أفردوه مما لايجوز إفراده، وما جمعوه مما لايجوز جمعه.
٢٤ - باب في أنواع شتى.
٢٥ - باب ما وضعوه في غير موضعه.
٢٦ - باب ماجاء لشيئين أو لأشياء فقصروه على واحد.
٢٧ - باب ماجاء لواحد فأدخلوا معه غيره.
1 / 19
٢٨ - باب ما جاء فيه لغتان فتركوهما واستعملوا ثالثة لا تجوز.
٢٩ - باب ماجاء فيه ثلاث لغات فتركوهن واستعملوا ثالثة لا تجوز.
٣٠ - باب ما غلطوا في لفظه ومعناه.
٣١ - باب ما تنكره الخاصة على العامة وليس بمنكر.
٣٢ - باب ما خالفت العامة فيه الخاصة وجميعهم على غلط.
٣٣ - باب ما جاء فيه لغتان استعمل العامة أفصحهما.
٣٤ - باب ما فيه العامة على صواب والخاصة على الخطإ.
٣٥ - باب غلط قُراء القرآن.
٣٦ - باب غلط أهل الحديث.
٣٧ - باب غلط أهل الفقه.
٣٨ - باب غلط أهل الوثائق.
٣٩ - باب غلط أهل الطب.
٤٠ - باب غلط أهل السماع.
٤١ - باب ما يجري من ألفاظ الناس ولا يعرفون تأويله.
٤٢ - باب ما تأولوه على غير تأويله.
٤٣ - باب من الهجاء.
٤٤ - باب حروف تتقارب ألفاظها وتختلف معانيها.
٤٥ - باب حروف تتقارب ألفاظها وتتضاد معانيها.
٤٦ - باب حروف تتفق في المباني وتتقارب في المعاني.
٤٧ - باب علامات ترفع الإشكال من حروف متقاربة الأشكال.
٤٨ - باب في ضد الذي قبله.
٤٩ - باب ما يكون فضيلة لشيء ورذيلة لغيره.
٥٠ - باب ما ظاهر لفظِه مخالف لمعناه.
1 / 20
وإنما ابتدأت بالتصحيف، لأن ذلك كان سَبب تأليف الكتاب، ومفتاح النظر في تصنيفه، ثم أتبعته كلامًا يليق به أو يقاربه.
وعرضت جميع ذلك على الإمام الأوحد، والعلم المفرد، أبي بكر محمد بن علي بن الحسن ابن البر التميمي- أيده الله - فأثبتُّ جميع ما عرفه وارتضاه، ومحوت ما انكره وأباه، لأزول عن مواقف الاستهداف، وأريح نفسي من عهدة التغليط، وأقطع لسان كل حاسد، وأَفُلَّ عَزْبَ [؟ غرب] كل مكابر ومعاند. واستفتحت بحديث النبي ﷺ تيمناَ باسمه، وتبركًا بذكره. واستعنت الله ﷿ على ما حاولته من ذلك، ورغبت إليه في العصمة من التزين والتصنع فيه. فهو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم.
1 / 21
باب التصحيف
التاء والثاء
أخبرني أبو سعيد خلف بن عبد الرحمن بن القابسي، أنا أبو عبد الله محمد بن أبي طالب، أنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي، أنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، أنا أبو الحسن [؟ الحسين] مسلم بن الحجاج الحافظ، أنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، وأحمد بن عبد الله بن الحكم قالا: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة عن عبد ربه بن سعيد، عن أبي سلمة قال: كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول: (الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاث، وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره).
وروي عنه ﷺ: (التفل في المسجد خطيئة، وكفارته أن يواريه).
هذا مما يغلط فيه الناس فيجعلونه بالثاء، ويضمون الفعل المستقبل منه، ويقولون: ثفل يثفُل، إذا بصق.
والصواب: تفل بالتاء ويتفِل في المستقبل بالكسر لا غير.
فأما النفث فبالثاء المثلثة، وهو كالتفل، إلا أن النفث نفخ لا بصاق معه، والتفل لا بد أن يكون معه شيء من الدبق، هذا قول أبي عبيد في حديث النبي ﷺ: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
1 / 22
فأما الثجير، وهو عصارة الشيء، مثل ما يبقى من الزيتون بعد إخراج زيته منه فهو الثُّفْل بالثاء وضمها.
ويقولون: فلان مطلوب بتار، وأخذت بتاري منه، بالتاءِ وترك الهمز.
والصواب: الثأر بالثاء والهمز، والثورة أيضا، والثائر: الطالب بالثأر، قال قيس بن الخَطيم:
طعَنتُ ابنَ عبد القيس طعنة ثائرٍ ... لها نَفَذ لولا الشّعاعُ أضاءَها
ملكتُ بها كفي فأنهرتُ فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
الشعاع: تفرق الدم، وملكت بها كفي، يعني: شددت، ومنه قولهم: إملاك العجين أحد الرّبعين يقال: ملكتُ العجين وأملكته، فأما قولهم طَلّاب "بأوتار" فجمع "وِتر" ومثله "الترة".
وأما "التار" بالتاء غير مهموز: فالأوقات والأحيان، جمع "تارة" كساعة وساعٍ، وحاجة وحاجٍ.
ويقولون: الثيثل.
والصواب: الثيثل بالثاء المثناة في أوله، والثاء المثناة في آخره، وهو الوعل المسن.
ويقولون: الرثيلى.
والصواب: رتيلى بالتاء، تمد وتقتصر.
ويقولون: رجل مرثاث وفي لسانه رثة.
1 / 23
والصواب: أرتّ بالتاء وفي لسانه رُتّة على وزن لُكنة، كما يقال: ألثغ، وبلسانه لثغة، ومنه خباب بن الأرتّ.
ويقولون: الرثم لضرب، من النبت.
والصواب: الرتم بالتاء.
وكان الرجل من العرب إذا أراد سفرا واتهم زوجه، عقد في الرتم عقدة، فإن وجدها -إذا رجع-بحالها، علم أنها لم تخنه، وإن وجدها قد انحلت علم أنها قد خانته. ويسمونها الرّتيمة. قال راجزهم في ذلك:
هل تنفعك اليوم إن همت بهم
كثرةُ ما توصي وتعقادُ الرّتم
فأما الرثم بالثاء، فبياض في جحفلة الفرس العليا.
ويقولون: لث التسويق وغيره، يلثه.
والصواب: لتّ بالتاء.
ويقولون: ثوي المال ومال ثاوٍ.
والصواب: تَوِيَ يتوى توًى فهو توٍ، على وزن: حذر يحذر حذرًا، فهو حذر.
فأما ثوى بالثاء فإن معناه: أقام، وهو على وزن: ضرب يضرب فهو ضارب، قال الله تعالى: ﴿وما كنت ثاويا في أهل مدين﴾ أي مقيما ثَم.
قال الحارث بن حلزة:
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاوٍ يمل منه الثواءُ
إلا أنه ربما وقع في الرثاء: ثوى ومعناه: هلك في ذلك الموضع ولم ينقل منه، ففيه زيادة معنى على ثوي.
ومنه قول ذي الرمة:
1 / 24
رجعتُ إلى عرفانها بعد ثبوة
وما زلت حتى ظنني القوم ثاويا
وإنما جاز في مثل هذه المواضع لذكر الموت وارتفاع الإشكال.
ويقولون للولدين في بطن واحد: أثوام.
والصواب: توأمان، الواحد توأم، وأتأمت المرأة، فهي مُتئم، إذا ولدت توأمين، فإن كان ذلك عادتها فهي متآم.
والصواب: عثنون بالثاء وضم العين.
ويقولون لرأس فخذ الفرس: تفنة.
والصواب: ثفنة بالثاء، على وزن معدة.
ويقولون: تَفَر الدابة.
والصواب: ثفر بالثاء، وسمي ثفرا لمجاورته ثفْر الدابة، بالإسكان، وهو حياؤها. وأصل الثفر للبؤة، ثم استعير للدابة، ومنه استثفار الميت، وهو شد مئزره. والعامة تقول: استغفار بالغين، وذلك خطأ.
ويقولون: يحيى بن أكتم، وأكتم بن صيفي، بالتاء.
والصواب: بالثاء المثلثة. قال ابن دريد: الأكثم: العظيم البطن، وبه سمي الرجل ومما يشاكله من الأسماء: عمرو بن كلثوم التغلبي، من بني تغلب، والشماخ بن ضرار الثعلبي، من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان.
قال: ومما يصحف من هذا الباب من الشعر، قول الأشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب أخاه بيترَب
ينشدونه: بيثرب.
والرواية الصحيحة بالثاء وفتح الراء.
فأما قول امرئ القيس:
1 / 25
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
فلم يرو إلا بالثاء وكسر الراء.
وعرقوب هذا كان رجلا من ساكني يثرب موضع اليمامة. وكان وعد رجلا ثمرة نخلة فجاءه الرجل حين أطلعت، فقال: دعها حتى تصير بلحا، فلما أبلحت قال دعها حتى تصير تمرا، فلما أتمرت عمد إليها من الليل فجذها ولم يعطه شيئا منها، فضرب به المثل في الخلف.
1 / 26
التاء المنقلبة في الوقف هاء والهاء الأصلية
يقولون في جمع "ماء": "ميات".
والصواب: "مياه" و"أمواه" بالهاء، لأن الهمزة من ماء مبدلة من هاء، أصله: موه فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها انقلبت ألفا، ثم أبدلوا من الهاء حرفا جلدا وهو الهمزة، لأن الهاء خفية والألف خفية، والدليل على ذلك قولهم: ماهت الركية، وأمواه ومياه في الجمع.
كذلك يقولون في جمع "عضة": عضات.
والصواب: عضاه بالهاء، ترد المحذوف من عضة، كما تقول في جمع شفة: شفاه بالهاء.
ويقولون: في جمع شاة: شيات.
والصواب: شياه بالهاء.
ويقولون: عبد مناه.
والصواب: عبد مناة بالتاء، وقد غلط قوم أبا تمام في قوله:
إحدى بني بكر بن عبد مناه
بين الكثيب الفرد والأمواه
وقال قوم: إنما نوى الوقف ثم حرك.
ويقولون: فهرسة الكتب، يجعلون التاء فيه للتأنيث، ويقفون عليه بالهاء.
قال الشيخ أبو بكر: الصواب: فهرست بإسكان السين، والتاء فيه أصلية.
1 / 27
قال: ومعنى الفهرست: جملة العدد، لفظة فارسية، واستعمل الناس منه: فهرس الكتب يفهرسها فهرسة، مثل: دحرج يدحرج دحرجة.
فقولهم: الفهرست: اسم جملة المعدود، والفهرسة المصدر.
ومثل الفهرسة: الفذلكة، يقال: فذلكة الحساب، إذا وقفت على جملته، وهو من قول الإنسان إذا كتب حسابه وفرغ منه. فذلك كذا وكذا ومنه قول أبي الطيب المتنبي في ابن العميد:
ولقيت كل الفاضلين كأنما ... جمع الإله نفوسهم والأعصرا
نسقوا لنا نسق الحساب مقدما ... وأتى فذلك، إذ أتيتَ مؤخرا
1 / 28
الحاء والخاء
يقولون لنبت كثير الشوك: خرشف.
والصواب: حرشف بالحاء وفتحها، وفتح الشين.
ويقولون: اختلط الرجل، اشتد غضبه.
والصواب: احتلط بالحاء غير معجمة.
ومما يشكل من الأسماء: قيس بن الخطيم بالخاء معجمة، وكذلك القلاح ابن حزن الشاعر، بالخاء أيضا، وهو على وزن غراب، وكذلك يزيد بن خذاق الشاعر، بالخاء والذال معجمتين، وكذلك بشر ابن أبي خازم.
ومن الشعر قول ابن دريد:
يغشي صلا الموت بخديه إذا ... كان لظى الموت كريه المصطلى
ينشدونه: بحديه، وذلك تصحيف.
وكذلك قول القطامي:
فهن كالخلل الموشي ظاهرها ... أو كالكتاب الذي قد مسه بلل
ينشدونه كالحلل وهو بالحاء، مضمومة، وذلك تصحيف، قال لنا الشيخ أبو بكر -أيده الله-: الرواية فيه: كالخلل بالخاء مكسورة، والخلل: بطائن السيوف، واحدتها خلة.
ومنه قول ذي الرمة:
1 / 29
إلى لوائح من أطلال أحوية ... كأنها خلل موشية قشب
وقول الآخر:
مسيخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
مليخ بالخاء معجمة، وهو الذي لا طعم له. وكذلك المسيخ أيضا.
1 / 30
الدال والذال
يقولون لجانب الفم: شذق.
والصواب: شدق الدال غير معجمة، روي عن النبي ﷺ أنه قال:"إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيقهون المتشدقون"، وقال عنترة:
وخليل غانية تركتُ مجدلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم
ويقولون لعدم المطر وقلة المرعى: جذب.
والصواب: جدب بالدال.
ويقولون: جذعت أنفه،
والصواب: جدعته بالدال غير معجمة، وفي الأثر: جدع الحلال أنف الغيرة، وقال جرير:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وضغا البعيث جدعت أنفل الأخطل
ويقولون: انتدب فلان [إلى] كذا.
والصواب: انتدب بالدال، وهو مطاوع ندبته إلى كذا، أي دعوته. وفي المغازي: ندب الناس إلى الجهاد فانتدب فلان وفلان. وقال الشاعر:
بذي مخارج وضاح إذا ندبوا ... في الناس يوما إلى المخشية انتدبا
ويقولون: شذخت رأس الحية. وهو الشذاخ لضرب من التمر.
والصواب: شدخت. وهو الشداخ بالدال غير معجمة.
ويقولون للقبيح الصورة: ذميم.
والصواب: دميم بالدال غير معجمة. قال أبو الأسود:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
1 / 31
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم
والدميم كذلك القصير أيضا، قال ابن دريد: والدمة: القملة والنملة الصغيرة، وأحسب أن منه اشتقاق الدميم.
فأما الذميم بالذال، فهو المذموم، وفي الحديث: أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، دار سكناها، والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال، فقال ﷺ:"دعوها ذميمة".
ويقولون: رجل معربذ، وفيه عربذة. ورجل ذاعر وفيه ذعارة.
والصواب: بالدال غير معجمة، في الجميع.
ويقولون للدابة إذا اشتهت الفحل: مؤذية.
والصواب: مؤدية بتخفيف الياء ودال غير معجمة، وقد أودت الفحل إذا أطاعته.
ويقولون: لبست بدلة من ثيابي.
والصواب: بذلة بالذال معجمة وكسر الباء.
ويقولون: هوذج.
والصواب: هودج بالدال وفتحها، والجمع هوادج.
ويقولون: تدعدع البناء.
والصواب: تذعذع بالذال معجمة، وأصل التذعذع: التفرق، ومعنى تذعذع البناء: تفرقت أجزاؤه.
وقال الحسن البصري ﵁: لا أعلمن ماضن أحدكم بماله حتى إذا كان عند موته ذعذعى ها هنا وها هنا. وتذعذع مثل تضعضع، فأما الدعدعة بالدال غير معجمة فتحريكك المكيال ليسع ما تجعله فيه. وقال ابن دريد: دعدعت الإناء دعدعة إذا ملأته وأنشد لبيد:
1 / 32