ताथीर लोटस
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
शैलियों
كما أنها لم تغفل أمر الفئران النافقة التي لم يرغب شتورم في سماع كلمة بشأنها، وأخيرا أبلغته باكتشافها الأخير: الانتقال الجيني غير المقصود من مركبة النانو إلى فيروس الفئران. كانت قلقة بشأن ثروة المعهد الحيوانية، ترى هل لاحظ اختلاج صوتها؟ لكنها ذكرت نفسها أن عليها أن تبقى موضوعية، فالذعر يقوض المصداقية، والانفعال يضر العمل. جلس توماس على الكرسي المعيب إلى جوار مكتبها، متأملا الدوارة الخشبية التي تستخدمها كجهاز إنذار. «الأمور تسير بصورة أبسط كثيرا مما تتخيلين.» «عم تتحدث؟» «أقصد المزاوجة بين إنسان آلي وكائن حقيقي، إن كان يحق لنا أن نصف الفيروسات بذلك، فالحدود تكاد تكون مفتوحة في عالم النانو بين التكنولوجيا وعلم الأحياء.» «توماس، الأمر لا علاقة له بالفلسفة، أنا أواجه هنا مشكلة عملية.» «أعرف، أنا فقط أتساءل إن كانت هذه الأجسام الآلية المصنوعة من النانو مثالية حقا، كما أن توالد الفيروسات ليس أيضا بالأمر المثالي، الأحرى أن نقول إن تعبئة جينات الفيروس في كبسولات عملية كبرى؛ ولذلك يظل الجزء الأكبر من الفيريونات خاليا. إن ما يستثير الجهاز المناعي ويمهد الأرض لإخوتها من الطفيليات ليس سوى الكسوات الخارجية، وهي ليست حاملة للعدوى رغم كونها مساعدات هامة.» «لا يوجد رد فعل في صورة التهاب لدى استخدام نانوسنيف، إن كان هذا ما تعني.» «لا، أنا أفكر في أن العلاج اتخذ هذه النهاية المأساوية لأن الفئران كانت مصابة بالفيروس. إن كان هذا التحول من الجين إلى الفيروس قد تم كما تقولين، فلا بد أن تكون فئران زابينة قد أصيبت أيضا.»
انتابت فاندا الشكوك. إلام يرمي تحديدا؟ «توماس لقد قمنا بتخليق جين مرضي، وهو آخذ في الانتشار في حظيرة الحيوانات، ولا أفهم ...» «أريد أن أقول فحسب إنه ليس بالضرورة أن يكون نانوسنيف خطيرا في حد ذاته، الأرجح أنها الظروف المحيطة، فهو لا يستطيع أن يتوالد بنفسه، أم ماذا؟» «لا، ليس على حد علمي، أنا أخمن أن جزيئات النانو يتم تخليقها في المعمل، ربما بمساعدة البكتيريا أو مزارع الخلايا أو ربما أيضا بشكل صناعي محض، ويكون في مقدور القشرة أن تنظم نفسها بنفسها كما الحال في الفيروسات.» «التنظيم الذاتي أمر رائع.» كانت عيناه تلمعان. هل كان يسمعها حقا؟
أتى توماس بحركة تمثيلية وكأنه يطرق مسحوقا ليخرج من أنبوبة صغيرة. «قليل من البروتين نضعه في أنبوب الاختبار. هذه هي المونة.» ثم بسط كفيه وطواهما وكأنه يشكل كرات، «هذه هي القوالب الصغيرة، إنها البروتينات التي تشكل وعاء البناء، ثم يأتي بعد ذلك الجين.» ثم التقط شعيرة من البلوفر الذي يرتديه وتركها تسقط من بين أصابعه المدببة على الأرض. «أبراكادابرا. إن كنت لا تفهمين ذلك، فلا بد أن تفكري في السحر. لكن التنظيم الذاتي خدعة، إنه النتيجة البسيطة لعدد ضخم جدا من حركات المصادفات التي تقوم بها جزيئات متناهية الصغر في تجربة لا تكل ولا تمل. لكن فقط، من أين لها أن تعرف مصيرها؟»
الأمر مثله مثل اللغز المصور، كان أحد المعلمين قد حاول أن يشرح لها الفكرة الرئيسة من قبل. تذكرت فاندا، فالمعلومات الخاصة بالصورة الجاهزة مخبوءة في الجزيئات نفسها. «إنها مصيرها.» جاء ردها متأخرا قليلا . «أعني أن ... النتيجة تكمن في طبيعة الجزيئات المفردة، فالأمر يشبه اللغز المصور، حيث إن كل قطعة لا يناسبها سوى مكان واحد فقط.» «هذا التشبيه مغر، لكن ...» رفع توماس يده محذرا واستأنف: «لكنه قد يقود لسوء الفهم. حين نتحدث عن قطعة لغز فنحن نرى الشكل أكثر، نتوءاته وانحناءاته، أنوفه وأفواهه. وهذا تفكير ميكانيكي محض، لكن هذا لا يلعب دورا في عالم النانو إلا نادرا. هنا تعمل قوى التجاذب والتنافر. تخيلي أن سطح الجزيئات لزج نوعا ما، لو أردت التشبيه فلنقل إنها تتلمس بعضها بأصابع التصق بها عسل نحل، فتعلق بعضها ببعض، ثم تنفلت من بعضها ثانية، وهكذا دواليك، إلى أن يتم إعداد كل شيء حتى يظهر شيء جديد للحظة، ومضة فكرة أو معلومة.» «... للحظة؟» أعادت فاندا الكلام متدبرة «ماذا تعني؟ هل هناك فرصة أن يختفي الجين الغريب من فيروس الفئران ثانية؟» «إنها ظاهرة معروفة، إن الأجسام متناهية الصغر تفقد بسهولة الشذرات الجينية المدسوسة، وأعتقد أن هذا يحمينا كل يوم من أن نواجه كارثة واحدة على الأقل. من ناحية أخرى ...» تردد أن يكمل. «من ناحية أخرى؟» «هناك حركة براون الجزيئية التي تخلط كل شيء وتشوه مناطق الاتصال اللزجة على الجزيئات، ويتوقف نجاحها في ذلك على المادة التي تبقيها متماسكة أهي عسل النحل أم الصمغ؟»
تخيلت فاندا أمام ناظريها حوض سمك مليئا بالفقاعات، به كائنات حية دقيقة تدور بعضها حول بعض بسرعة كبيرة، تلتصق بعضها ببعض فتسقط إلى القاع حيث تغرق في كتلة غروية. «إنها مسألة توازن بين النظام والفوضى.» سمعت صوت توماس الرخيم ثانية يقول: «الأنظمة الفوضوية لا تحمل أي معلومات، هي غبية إن شئت القول، لكنها تغريك بالثرثرة. أما النظام المطلق فهو عبقري وعنيد ولا يفصح عن نفسه، فقط الطريق الأوسط هو الذي يجعل لهما معنى. إن التنظيم الذاتي هو الحالة التي بين النظام والفوضى؛ ولهذا هي صاحبة اليد الطولى.»
تنهدت فاندا قائلة: «كم سيساعدني كثيرا في وحدة الحيوانات لو أن التنظيم الذاتي عني بعدم ترك الأمور تحت سيطرة الفوضى؟» «نعم ، فقد سكب كوب الماء ... هذا هو المبدأ الثاني في الديناميكا الحرارية ...» «أرجو أن تعفيني الآن من نظريات الكوارث الفيزيائية.» قاطعته فاندا بشكل مفاجئ «لن يساعدني على الهدوء الآن أن أتخيل أن فوضى الكون في تزايد مطرد.» هز توماس رأسه رافضا. «هذه تحديدا هي المشكلة، إننا نفهم خطأ جملة حفظ الإنتروبيا (التدهور الحتمي) لأننا لا ننطلق من ملاحظة العمليات إحصائيا. إن الجزيئات التي في كوب الماء من الممكن أن تتخذ عددا رهيبا من الحالات المختلفة، من أجل أن تظهر لأعيننا في صورة المظهر المرتب لوعاء يملؤه الماء مقدم على المكتب.» «ها قد وضعت يدك على الداء.» تحمست فاندا «الخطر يتهددنا خفية في حين نظن نحن أن كل شيء منظم وعلى ما يرام، لأننا نريد أن نرضى بالمظاهر التي نراها.» «لا، هذا أمر فيه كثير من التبسيط. خذي مثلا دولاب ملابسك.» ظل يواصل بلا هوادة. «البلوفرات في الأعلى، القمصان القطنية في الدرج الذي يليها، وفي وقت ما سنصل إلى درج الجوارب.» لاحظت فاندا أنه لم يذكر درج الملابس الداخلية. «وأثناء ترتيبك للدولاب قمت بتصنيف كل شيء حسب لونه، وفي وقت ما بحثت عن بلوفر، ولأنك لم تجديه مباشرة قمت بتقليب أشيائك كلها، فاختفى الترتيب وفقا للون، ثم تقومين بدس الملابس ببساطة ثانية في الدولاب وتغلقين الباب. زادت درجة الفوضى في الدولاب، ورغم ذلك أنت لا ترينها؛ لأن الشكل الخارجي لم يتغير. فقط حينما تدسين المزيد والمزيد من الملابس في الداخل، لا تقفل أبواب الدولاب ...»
قاطعته فاندا: «وماذا لو أن عندي حشرات عث بالدولاب قامت بقرض البلوفر؟» «من ناحية المبدأ، نفس الشيء. أردت بهذا المثل أن أوضح فقط أن الأنظمة تتجه بشكل طبيعي إلى أن تتخذ أعلى شكل من أشكال الفوضى العارمة.» «لكن هذا أيضا ما كنت أعني.» «بالطريقة التي صورت بها الأمر فإن كل شيء سوف يسقط في الفوضى، إن عاجلا أو آجلا، وهذا يسري على الأنظمة المعزولة التي لا وجود لها. أما جملة حفظ التدهور الحتمي، فتعني أكثر من ذلك بكثير ! إنها واحدة من أهم قوانيننا في التعامل. الماء يصير صلبا بتحوله إلى ثلج معطيا الكثير من الدفء للبيئة المحيطة، وبهذا تتحرك جزيئات الهواء، وبهذا ينقص التدهور الحتمي في موضع على حساب الموضع الآخر. أما أنت حين تقومين بتنظيم دولابك، فأنت تستعملين معرفتك بالألوان والأنواع، وهذه المعرفة تقلل الفوضى.» «ولهذا أيضا أريد أن أعرف ما الذي قتل الفئران. أحتاج إلى هذه المعلومة من أجل أن يعود النظام إلى الحظيرة من جديد.» وإلى رأسي أنا، كما جال بخاطرها. «بالتأكيد.» قال بهدوء، «عليك فقط أن تفكري أن لهذا أيضا ثمنه.» نظرت له فاندا وهي لا تفهم ما يعني. «زابينة لم تعمل بنظافة.» قالها وكأنه يقرر حقيقة لا اتهاما. «كانت تجري أبحاثها على حيوانات مصابة بالعدوى. شتورم ما كان ليقبل بذلك، وكذلك أيضا شركة بي آي تي.» «لا نستطيع أن نتهم بينة ب ...» ثم سكتت دون أن تكمل جملتها، واستطردت: «ماذا تقترح؟» «لن نقحم أنفسنا في شيء. سأخبر الرئيس، إذا أردت، بمجرد أن يعود.» «لا أعرف.» لم تقتنع فاندا. «هل تستطيعين أن تحافظي على هدوئك حين ينفجر ساخطا متهما زابينة؟» طقطق الكرسي منذرا حين عاد بظهره للوراء. كان توماس على حق. «لن أستطيع في الغالب، ما يعنيني الآن هو أن يعرف بالأمر.» أومأ توماس موافقا. «لن أستطيع أن أفعل هذا من أجلك إلا إذا وعدتني أن تتركي المسألة تهدأ بعدها. لن تقومي بتحاليل إضافية. سوف أقنع الرئيس أنك اكتشفت الأمر بالصدفة، وسأقول إن الفلوريسنت الأخضر هو ما أهداك تلك الفكرة. لكن أي شيء بعد ذلك عليك أن تدعيه هو يتصرف فيه.»
ازدردت فاندا ريقها، وفكرت في مفاتيح الأرقام في درج مكتبها. هي لم تحك لتوماس عن هيلبيرج. هل يشك في شيء؟ كان يتفرس ملامحها بانتباه.
ثم قال مبتسما: «سأضع شرطا إضافيا.» «عليك أن تعديني بأن تحضري إلى حفل رأس السنة الذي أقيمه.»
شعرت فاندا بالارتياح؛ فلهذا السبب إذن حضر إلي. تحت ظروف أخرى كانت لتظهر فرحتها بهذه الدعوة بصورة أكثر وضوحا. «يسعدني الحضور.» ابتسمت قائلة «لكني فقط ...» «تختلط الأمور علي.» أكمل توماس جملتها. «يؤسفني أني أزعجتك بكل هذه الثرثرة، فلقد أخذتني الحماسة. الموضوع يفتنني ببساطة، حتى لو كانت أمثلة اللغز الورقي ودولاب الملابس غير مناسبة لشرح العمليات إلا بشكل محدود، ونحن في هذا نغفل أن البنى التي تستطيع أن تنظم نفسها بنى رخوة. هذا يعني أنها تدور وتدور، ترتعش، تتأرجح أعلى وأسفل، تظل في حركة مستمرة ولا ترسو في أي مكان. بالأساس هي قوية جدا لأن لديها القدرة على إعادة إنتاج نفسها من جديد.» ثم رسم على وجهه علامات الإحساس بالذنب، وقال: «أترين، يبدو أني لا أستطيع أن أترك الموضوع.» ثم ضحك ضحكة قصيرة ونهض وتأملها بنظرات فيها شغف، تمنت فاندا أن تكون هي السبب فيها، بعدها وضع يده على كتفها مودعا وقال: «أنا متأكد أنه من الممكن تقليل الخسائر.»
अज्ञात पृष्ठ