राष्ट्रों के विकास के मानसिक नियम
السنن النفسية لتطور الأمم
शैलियों
الحضارات
الفصل الأول
عناصر الحضارة مظهر خارجي لروح الأمة
يجب أن يعد مختلف العناصر التي تتألف منها الحضارة، من لغات ونظم وأفكار ومعتقدات وفنون وآداب، مظهرا خارجيا لروح الذين أبدعوها، بيد أن أهمية هذه العناصر تبدو متفاوتة إلى الغاية بتفاوت الأزمان والعروق ما دامت عنوان روح الأمة.
واليوم لا تجد كتابا باحثا في الآثار الفنية من غير أن يبدي هذه الآثار ترجمانا صادقا لأفكار الأمم ومعبرا مهما عن حضارتها.
ولا ريب في أن الأمر على هذا الوجه في الغالب، ولكن الأمر بعيد من أن يكون قاعدة مطلقة فيطابق رقي الفنون رقي الأمم الذهني في كل وقت، فإذا كانت الآثار الفنية لدى بعض الأمم أهم مظهر لروحها فإن من الأمم من بلغت درجة رفيعة جدا في سلم الحضارة مع بقاء شأن الفنون ثانويا عندها، ولو قضي علينا بأن نكتب تاريخا لحضارة كل أمة غير ناظرين إلى غير عنصر واحد لوجدنا اختلاف هذا العنصر بين أمة وأمة؛ أي لوجدنا الفنون أحسن وسيلة لمعرفة بعضها كما نجد النظم أو الجندية أو الصناعة أو التجارة أظهر ما نتبين بها غيرها، وهذا أمر يجب تقريره قبل كل شيء لما نستطيع أن ندرك به، فيما بعد، ما السبب في أن مختلف عناصر الحضارة كان عرضة لتحولات متفاوتة بانتقاله من عرق إلى آخر.
ولنا في المصريين والرومان من أمم القرون القديمة عدة أمثلة بارزة على ذلك التفاوت في نشوء مختلف عناصر الحضارة، حتى في مختلف الفروع التي يتألف منها كل واحد من هذه العناصر.
وانظر إلى المصريين، قبل كل شيء، تر الآداب عندهم ضعيفة جدا في كل وقت، وتر فن التصوير عندهم هزيلا جدا، وتر فن البناء وصنع التماثيل أسفر عندهم عن أنفس الآثار، فلا تزال مبانيهم تثير إعجابنا، ويصلح ما تركوه لنا من التماثيل؛ كتماثيل الكاتب وشيخ البلد وراحوتب ونفرت آرى وغير ذلك، أن يتخذ نماذج حتى في زماننا، وما استطاع الأغارقة أن يجاوزوا مستوى تلك التماثيل إلا لوقت قصير.
وبجانب المصريين نذكر الرومان الذين مثلوا دورا كبيرا في التاريخ، والرومان لم يكن ليعوزهم المربون ولا النماذج ما وجد المصريون والأغارقة خلفهم، والرومان لم يستطيعوا أن يبتدعوا فنا خاصا بهم مع ذلك، ومن المحتمل أنك لا تبصر أمة أبدت من قلة الإبداع ما أبداه الرومان في منتجاتهم الفنية، والرومان كانوا لا يبالون بالفنون إلا قليلا، والرومان كانوا لا ينظرون إلى الفنون إلا من جهة النفع فلا يرونها إلا ضربا من سلع الاستيراد المشابهة للمحاصيل الأخرى كالمعادن والعطور والأبازير التي كانوا يلتمسونها من الأمم الأجنبية، والرومان على ما اتفق لهم من سيادة العالم لم يكن لهم فن قومي، حتى إنهم في دور السلم العام لم يؤد ثراؤهم واحتياجهم إلى النفائس إلى غير نمو قليل في مشاعرهم الفنية، فكانوا يطلبون النماذج والمتفننين من الأغارقة، وما كان تاريخ فن البناء والنحت لدى الرومان غير فصل تال لتاريخ العمارة والحفر عند الأغارقة.
بيد أن أمة الرومان العظيمة، المتأخرة في الفنون كثيرا، أوجبت نهوض ثلاثة عناصر أخرى من عناصر الحضارة؛ فقد كان عندها من النظم الحربية ما سيطرت به على العالم، وكان لديها من النظم السياسية والقضائية ما لا نزال نسير على غراره حتى اليوم، وكان لها من الآداب المبتكرة ما استوحيناه في قرون كثيرة.
अज्ञात पृष्ठ