وليس كما يزعمون وإنما هو نداء لا دعاء - يقول - لو كان دعاء كما يزعمون لزم ألا ينادي أحد لا حي ولا ميت، وهذا الرجل حين واجهني ادعى ذلك، فقال الطلب من الأموات والغائبين لا يسمى دعاء بل هو نداء، وبينت له بعض الأدلة وأذعن ظاهرا في هذه المسألة وغيرها، وظننت أن مراده قطع الكلام لا الموافقة.
فيقال لهذا: تفريقك بين الدعاء والنداء تفريق باطل مخالف١ للكتاب والسنة وإجماع الأمة مع مخالفته اللغة، فقد سمى الله سبحانه سؤال عباده له دعاء ونداء، قال تعالى عن
نوح: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر ١٠] . وقال: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنبياء ٧٦] . فسماه في موضع دعاء وفي موضع نداء، وقال عن زكريا ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم ٣] . وقال في موضع
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آل عمران ٣٨] . وقال عن أيوب: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنباء ٨٣] . وقال: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِين﴾ [الأنبياء:٨٧] . وقال ﷺ: "دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مسلم إلا استجيب له" ٢. وقال بعض الصحابة للنبي ﷺ:"أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه" ٣ فأنزل الله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي﴾ [البقرة:١٨٦] . وقد سمى الله سبحانه طلب المخلوق من المخلوق واستغاثته به دعاء واستغاثة ونداء ٤. قال سبحانه: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ