الدعاء المتضمن شركا كدعاء غيره إن يفعل، أو دعائه إن يدعوا، ونحو ذلك لا يحصل غرض صاحبه ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور الحقيرة، فأما الأمور العظيمة كإنزال الغيث عند القحوط وكشف العذاب النازل فلا ينفع فيه هذا الشرك، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام:٤٠-٤١] .وقال: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٦٧] .وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل:٦٢] . وقال: ﴿أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر:٤٣-٤٤] . فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه دل على توحيده وقطع شبهة من أشرك به.
قال ﵀: وجماع الأمر أن الشرك نوعان:
شرك في ربوبيته: بأن يجعل لغيره معه تدبير ما، كما قال تعالى: ﴿قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ:٢٢] . فبين أنهم لا يملكون مثقال ذرة استقلالا، ولا يشركون في شيء من ذلك، ولا يعينونه على ملكه، فمن لم ١ يكن مالكا ولا شريكا ولا عونا فقد انقطعت علاقته.
وشرك في الألوهية: بأن يدعى غيره دعاء عبادة أو دعاء مسألة، كما قال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فكما أن إثبات المخلوقات سببا لا يقدح في توحيد الربوبية، ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء، ولا يوجب أن يدعي المخلوق دعاء عبادة أو دعاء استعانة ٢
_________
١ في "ب، وط" "فلم".
٢ في "ط" "استغاثة".
1 / 49