المعاني من الأعمال، وقد ورد في حديث صحيح قال: "رأيت رجلا من أمتي عذب في قبره، فجاءته صلاته فأنقذته من العذاب، والآخر أنقذه حجه، والآخر صيامه" ١. فإذا جاز نسبة الإنقاذ من النار إلى المعاني لكونه أسبابا فنسبتها إلى الذوات من باب أولى، خصوصا أشرف الذوات من المخلوقين. انتهى.
وجوابه أن يقال: أولا وازن بين قول يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك، وبين قول الذي قال له النبي ﷺ: "أجعلتني لله ندا حيث قال له ما شاء الله وشئت" ٢. فهذا لو قال ما لي من ألوذ به إلا الله وأنت، لكان أقبح من قول القائل ما شاء الله وشئت، لأن الله أثبت للعبد مشيئة يقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير:٢٨] . ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الإنسان:٢٩] فكيف إذا أفرد الرسول باللياذ والالتجاء من عذاب ذلك اليوم الذي لا تكلم فيه نفس إلا بإذنه!
وقد ذكرت في الجواب السابق الفرق بين قول هذا في تشطيره ومنقذي من عذاب الله والألم، وبين قوله: أو شافعا لي، لأن المعترض الأول ادعى بجهله أن عطف الشفاعة على الإنقاذ عطف تفسير ومعنى الكلمتين واحد، وبينا بطلان قوله هذا وأن قوله أو شافعا لي لا يصلح كونه عطف تفسير لأنهم ذكروا أن عطف التفسير إنما يكون بالواو خاصة، وممن ذكر ذلك ابن هشام، وأما العطف يأو فهو نص في أن المعطوف غير المعطوف عليه، مع أن العامي فضلا عن العالم يفرق بين اللفظين، فلو قصد إنسان إنسانا وقال
_________
١ ذكره الهيثمي في المجمع "٧ / ٣٧١" من حديث عبد الرحمن بن سمرة وقال: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف.
٢ تقدم تخريجه ص ٢١.
1 / 45