नैतिकता के दर्शन की स्थापना
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
शैलियों
بين المبادئ العقلية للأخلاق نجد التصور الأنطولوجي [الوجودي] «للكمال» (مهما يكن تصورا فارغا، غير محدد، ومهما تبلغ تبعا لذلك عدم صلاحيته لاكتشاف أقصى قدر مناسب لنا في المجال الهائل للواقع الممكن، ومهما يبلغ به النزوع الذي لا يقهر إلى أن يدور في حلقة مفرغة حين يتعلق الأمر بتمييز الواقع الذي نتحدث عنه تمييزا نوعيا من كل واقع سواه فلا يستطيع أن يتلافى افتراض الأخلاقية التي عليه أن يقوم بتفسيرها افتراضا خفيا)
62
أفضل من التصور اللاهوتي الذي يستنبط الأخلاقية من إرادة إلهية مطلقة الكمال، وليس مرجع ذلك فحسب إلى أننا لا نملك برغم كل شيء أن نعاين كمال هذه الإرادة، وأننا لا نستطيع أن نستنبطها إلا من تصوراتنا ومن أهمها شأنا تصور الأخلاقية، بل مرجع ذلك إلى أننا إذا لما نفعل ذلك (وهو ما لو حدث لوقعنا في حلقة مفرغة غليظة منشؤها التفسير)
63
فإن التصور الوحيد الذي يبقى لنا عن الإرادة الإلهية، وهو التصور المستمد من الصفات التي تنسب إليها من شهوة الشرف والسلطان، مقرونة بالتصورات المخيفة عن اليأس والانتقام، سيضع بالضرورة الأساس الذي ينبني عليه نظام من العادات الأخلاقية يتعارض تعارضا صريحا مع الأخلاقية.
وإذن فلو كان علي أن أختار بين تصور الحس الأخلاقي وبين تصور الكمال بوجه عام (وكلا التصورين لا ينتقص من الأخلاقية في شيء، وإن كانا مع ذلك لا يصلحان على الإطلاق لتكوين القاعدة التي ترتكز عليها) فسوف يقع اختياري على التصور الأخير؛ لأنه على الأقل باستبعاده للحساسية يكل أمر الفصل في المشكلة إلى محكمة العقل الخالص، وإن كان مع ذلك لا يحسم برأي في المشكلة، بل يحتفظ بالفكرة غير المحددة (لإرادة خيرة في ذاتها) دون أن يفسدها في شيء إلى أن يتم تحديدها تحديدا دقيقا.
بقي أن أقول إنني أعتقد أن في استطاعتي أن أعفي نفسي من محاولة دحض هذه التصورات التعليمية دحضا مفصلا. إن هذه المحاولة من السهولة بمكان. بل الأرجح أن أولئك الذين تفرض عليهم مهنتهم أن يعلنوا إيمانهم بإحدى هذه النظريات (إذ إن المستمعين لا يحتملون تأجيل الحكم) يدركونها إدراكا جيدا، حتى ليكون من العبث أن نضيع الوقت فيها، ولكن الأمر الذي يهمنا هنا أكثر من سواه هو أن نعرف أن هذه المبادئ لا تقدم أبدا غير تنافر الإرادة ليكون أساسا أول تقوم عليه الأخلاق، وهذا هو الذي يجعلها بالضرورة تخطئ الهدف منها.
كلما اضطر الإنسان إلى أن يجعل من موضوع الإرادة أساسا لتعيين القاعدة التي تحددها [أي الإرادة] لم تكن القاعدة إلا تنافرا، عندئذ يكون الأمر مشروطا وتكون صيغته على النحو التالي: ينبغي على الإنسان أن يسلك على هذا النحو أو ذاك «إذا» كان يريد هذا الموضوع أو «لأنه» يريده، والنتيجة أن هذا الأمر لا يمكنه أبدا أن يأمر أمرا أخلاقيا، أعني أن يأمر أمرا مطلقا. قد يجوز للموضوع أن يعين الإرادة بوساطة الميل، كما هو الشأن في مبدأ السعادة الشخصية، أو بوساطة العقل الموجه إلى موضوعات فعلنا الإرادي الممكن بوجه عام، كما هو الشأن في مبدأ الكمال، بيد أن الإرادة لا تعين نفسها أبدا مباشرة عن طريق تمثل الفعل، بل عن طريق الدافع وحده الذي يحدثه الأثر المرتقب من الفعل على الإرادة، «ينبغي علي أن أفعل شيئا ما لأنني أريد شيئا آخر.» وهنا يتحتم افتراض قانون آخر في ذاتي، أستطيع وفقا له أن أريد بالضرورة هذا الشيء الآخر، وهذا القانون يحتاج بدوره إلى أمر [أخلاقي] يحدد مفهوم هذه المسلمة؛ إذ إنه لما كان الدافع الذي يفرض على تمثل موضوع ممكن التحقق عن طريق طاقاتنا أن يترك أثره على إرادة الذات وفقا لاستعداداتها الطبيعية، [لما كان هذا الدافع] يكون جزءا من طبيعة الذات، سواء أكان جزءا من الحساسية (من الميل والذوق) أم من الفهم والعقل اللذين ينطبقان راضيين على أحد الموضوعات وفقا للتكوين الخاص بطبيعتهما فإن الطبيعة عندئذ هي التي تعطي القانون على الحقيقة، وهذا القانون الذي يتحتم عندئذ، بما هو قانون، أن يعرف ويبرهن عليه بالتجربة وحدها، لا يكون قانونا عرضيا فحسب، عاجزا عن أن يضع قاعدة عملية ضرورية كما ينبغي لكل قاعدة أخلاقية أن تكون، «بل إنه لن يكون أبدا إلا تنافرا» للإرادة، هناك لا تسن الإرادة قانونها لنفسها، «بل إن دافعا أجنبيا عنها» هو الذي يسنه لها عن طريق طبيعة خاصة للذات تؤهلها لقبول هذا القانون.
إن الإرادة الخيرة بإطلاق، التي يجب أن يكون مبدؤها أمرا أخلاقيا مطلقا، ستكون عندئذ إرادة غير متعينة بالنسبة لجميع الموضوعات، ولن تشتمل إلا على «صورة فعل الإرادة» بوجه عام، بوصفه استقلالا ذاتيا؛ أي إن صلاحية المسلمة عند كل إرادة خيرة لأن تجعل من نفسها قانونا كليا عاما، هذه الصلاحية هي نفسها القانون الوحيد الذي تلتزم به إرادة كل كائن عاقل، دون أن تلجأ إلى أي دافع أو منفعة لتجعل منه مبدأ ترتكز عليه.
أما كيفية إمكان وجود مثل هذه القضية التركيبية على نحو قبلي والسبب الذي يجعل منها قضية ضرورية، فمشكلة لم يعد من الممكن إيجاد حل لها في حدود ميتافيزيقا الأخلاق. كذلك لم نؤكد حقيقة هذه القضية، ولا زعمنا أننا نملك الدليل عليها. كل ما بيناه من خلال تطور التصور الشامل للأخلاق لا يخرج عن أن الاستقلال الذاتي للإرادة مرتبط بهذه القضية ارتباطا لا محيد عنه أو هو بالأولى الأساس الذي تقوم عليه. وإذن فكل من يعد الأخلاق شيئا حقيقيا ولا يسلكها في عداد الأفكار الخرافية المجردة من الحقيقة لا بد له في الوقت نفسه من أن يسلم بمبدأ الأخلاق الذي ذكرناه. وإذن فقد كان هذا القسم تحليليا خالصا، مثله في ذلك مثل القسم الأول. وأما أن الأخلاق ليست خرافية، وهو القول الذي يترتب على التسليم بصحة الأمر الأخلاقي المطلق والاستقلال الذاتي للإرادة كما يترتب على التسليم بأن الأمر الأخلاقي ضروري ضرورة مطلقة بوصفه مبدأ قبليا، فأمر يتطلب «إمكان الاستعمال التركيبي للعقل العملي الخالص»، وهو ما لا يجوز لنا أن نقدم عليه قبل أن نسبقه بنقد هذه الملكة العقلية نفسها، وهو النقد الذي علينا الآن أن نبين ملامحه الرئيسية الوافية بغرضنا في الفصل الأخير من الكتاب.
अज्ञात पृष्ठ