Tasbih: Its History and Rulings
السبحة تاريخها وحكمها
प्रकाशक
دار العاصمة للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤١٩ هـ - ١٩٩٨م
शैलियों
السُّبْحةُ
تارِيخُها وَحُكْمُهَا
تَأليف الشيخ
بَكر بن عبد الله أبَوُ زيد
دار العاصمة - الطبعة الأولى
(١٤١٩هـ - ١٩٩٨م)
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى جميع صحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَما بعدُ: فإن عَدَّ الأَذكار العَدَدِيَّة بالأنامل، سُنَّةٌ ماضية في الإِسلام، ومن العمل المتوارث بين المسلمين، ثم دَاخَلَ بَعْضَهُمْ في غير طبقة الصحابة ﵃ وفي غير صدر التابعين - رحمهم الله تعالى- بَادِرَةُ عَدِّ الأذكار بالنوى، أو الخرز منظومًا في خيط، مما اكتسب بَعْدُ اسْم: «السُّبْحَة» حتى أصبحت شعارًا للِطُّرقِيَّة، والروافض، وادَّعى المدَّعون مشروعية تعليقها بالأعناق، وأنها سيما الملائكة الكرام في التسبيح والتعليق لها في الأعناق - وحاشاهم - وأنها تدور بنفسها إذا تأخر المريد عنها، كأنما نُفِخَتِ الرُّوح فيها، وادَّعى الكَذَّابون، أن النبي ﷺ وَرَّث لأمته «سُبْحَة» في تركته، وأنه يشرع اتخاذ خرز لها كالأَرْحَاء، فَتُعَلَّقُ بالسقوف، وَيَتَعَاقَبُ
1 / 5
على إدارتها المريدون، وأن صَوْتَ وقْعِها كصوت الوحي وَتُوْقَفُ عليها الوُقُوفُ، وَتُحَوَّلُ عليها الوصايا والهبات، ويرثها الابن عن أبيه عن جده، للتسبيح، والاستشفاء، ويُمَرُّ بها على جسد المريض فيكتب له الشفاء، واستقلت بأسماء، منها: حبل الوصل، وسوط الشيطان، ورابطة القلوب. حينئذٍ نَالَتْ حظًّا وَافِرًا، من بيان حكمها، وأحوالها لدى العلماء: فقهاء، ومحدِّثين، ولسانيين، ومؤرخين، في كتُب الفقه، والفتاوى، والشروح الحديثية، وكتب اللسان، والتاريخ، حتى أُفْرِدَت بالتأليف، وبلغت نحو اثني عشر كتابًا، لَعلَّ أولها للسيوطي المتوفى سنة ٩١١ - رحمه الله تعالى - باسم: «المنحة في السُّبْحة» التي استلها منه تلميذه ابن طولون المتوفى سنة ٩٥٣ - رحمه الله تعالى - باسم: «الملحة. . .» حتى إذا بلغت النَّوْبَةُ إلى الشيخ عبد الحي اللكنوي المتوفى سنة ١٣٠٤ - رحمه الله تعالى - ألَّف كتابه: «نزهة الفِكْر في سُبْحة الذَّكر» فاستوفى جُل ما في الباب رواية وفقهًا، لكن الجميع نزعوا من وجهة الانتصار * * *
1 / 6
للمشروعية، وَلَمْ أَرَ واحدًا منهم التفت إلى تاريخ وجودها في تَعَبُّدَات الأمم الأخرى لدى البوذيين، والهندوس، والنصارى في أيدي الرهبان والراهبات، فيما ابتدعوه، ولا إلى تاريخ تسربها إلى بعض المسلمين عن طريق الروافض، ودراويش المتصوفة، ولا إلى كلام المانعين لاستعمالها في جانب التعبد لعد الأذكار، وفي جانب اللَّعِب والتَّلَهِّي، وتحرير حجج الفريقين، مما أدَّى إلى طول الجدل من جهة، وتوسع انتشارها من جهة أُخرَى.
لهذا أحتسب عند الله تعالى تحرير القول فيها من جميع جوانبه، بجمع المرويات، وبيان درجتها، وجمع كلام العلماء في تاريخها، وتاريخ حدوثها في المسلمين، وأن العرب لم تعرف في لغتها شيئًا اسمه: «السُّبْحَة» في هذا المعنى، وفي «خلاصة التحقيق» بيان حكمها في التعبد لِعَدِّ الذِّكر، أو في العادة واللَّهْو، حتى يُعلم أنها وسيلة محدثة لِعَدِّ الذِّكر، ومجاراة لأهل الأهواء، فَتَشَبُّهٌ بأهل الملل الأخرى، وَمِنِ اسْتِبْدَالِ الأَدْنَى بالذي هو خير، وقاعدة الشرع المطهر:
1 / 7
تحريم التشبه بالكفار في تعبداتهم وفيما هو من خصائصهم من عاداتهم، مُبيِّنًا ذلك في مبحثين:
المبحث الأول: في بيان المشروع وهو عَدُّ الذكر بالأنامل.
المبحث الثاني: في بيان غير المشروع وهو عَدُّ الذكر بغير الأنامل كالسُّبْحَة.
وهذه الرسالة في جملتها ضمن كتاب: «تصحيح الدعاء» لكن رأيت من الخير إفرادها، لعله يكثر الانتفاع بها. والله ولي التوفيق.
المؤلف
بكر بن عبد الله أبو زيد
٢٥/ ٥/ ١٤١٩
1 / 8
المبحث الأول
في بيان المشروع وهو عد الذكر بالأنامل
ثبت من هدي النبي ﷺ قولًا، وفعلًا، وتقريرًا، عَدَّ الذكر بالأنامل. «أصابع اليد» (١) لا غير. ودرجَ على ذلك الصحابة ﵃ ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فهو من السُّنن المستقرة، والعمل المتوارث لدى الأُمة، تأسيًا بنبيها ﷺ
وقد دَلَّ هديُ النبي ﷺ على أَنَّ ذكر العبد لربه بالتهليل، والتسبيح، والتكبير، والحمد، والتعظيم، على نوعين:
مُطْلَقٌ: كما قال الله تعالى:؟ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ؟ [الأحزاب/٣٥]. وقال سبحانه:؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
_________
(١) قَرَّرْتُ في كتاب: «لا جديد في أحكام الصلاة» أنها أصابع اليدين، وأن رواية: «بيمينه» شاذة.
1 / 9
آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا؟ [الأحزاب/٤١].
وَمُقَيَّدٌ بِحال، أو زمان، أو مكان، وأكثر ما ورد فيه من العدد مائة، مثل: مائة تهليلة، ومائة تسبيحة، وقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين مرة لكل واحدة منها، وتمام المائة: «التهليل».
وما زال المسلمون - بحمد الله - يقومون بهذا الذكر العددي المبارك، ويعقدون تعداده بأنامل اليدين، أو أنامل اليد اليمنى، دون حاجة إلى وسيلة أخرى، من حصى، أو نوى، أو سُبْحة منظومة، أو آلة مصنوعة.
وهذا هو الذي يوافق يسر الإِسلام، وسهولة التشريع، وأن أحكامه في قدرة المكلفين على اختلاف طبقاتهم. وهذا دأب هذه الشريعة المباركة في التيسير، كما رَدَّهم النبي ﷺ في إثبات الشهر دخولًا وخروجًا إلى الرؤية، أو الإِكمال، مع تعلقها بركنين من أركان الإِسلام: الصيام، والحج، ولم يكلفهم ما وراء ذلك من الحساب، ومراقبة النجوم، وتسيير الكواكب.
1 / 10
ولهذا فإنه لما ظهر للنبي ﷺ من بعض أصحابه ﵃: عَدُّ التسبيح بالحصى - على فرض ثبوته - دَلَّهم على هديه ﷺ من العد بالأنامل، وَأَنَّهَا وسيلة العَدِّ المشروعة لا غير، وأنها خير وأفضل على حَدِّ قول الله تعالى:؟ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا؟ [الفرقان/٢٤]. فإنه - والله أعلم - من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء، لأنه لا خير في مقيل أهل النار، ومستقرهم، كقول الله تعالى:؟آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟ (١). فلا وسيلة شرعية لِعَدِّ الذكر سوى الأنامل.
* * *
_________
(١) تفسير السعدي (١/ ٤٧٣).
1 / 11
المبحث الثاني
في بيان غير المشروع وهو عد الذكر بغير الأنامل، مثل العَدُّ بالسُّبْحَة (١)
استقرت السنة على عقد الذكر العَدَدِيِّ بالأنامل
_________
(١) في السبحة مؤلفات مفردة لعل أولها رسالة السيوطي المتوفى سنة ٩١١ - رحمه الله تعالى-: «المنحة في السبحة» ضمن كتابه: «الحاوي: ٢/ ١٣٩ - ١٤٤» ولتلميذه، ابن طولون: «الملحة فيما ورد في أصل السبحة» مخطوطة في مكتبة البلدية في الإِسكندرية. ولابن علان الشافعي المتوفى سنة ١٠٥٧ رحمه الله تعالى رسالة باسم: «إبقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح» كما ذكرها في: «شرح الأَذكار: ١/ ٢٥٢». وكتاب: «تحفة أهل الفتوحات والأذواق في اتخاذ السبحة وجعلها في الأعناق» للبناني محمد بن عبد السلام بن حمدون الفاسي المتوفى سنة ١٣٥٣. مطبوع في ١٥٦ صفحة. وللكنوي المتوفى سنة ١٣٠٤ - رحمه الله تعالى- رسالة باسم: «نزهة الفِكْر في سبحة الذِّكر» مطبوعة في الهند. وغيرها، كما ذكرها صاحب «معجم الموضوعات المطروقة» الطبعة الثانية. وهي مذكورة في كتب اللغة في مادة: «سبح» كما في «تاج العروس ٢/ ١٥٧». وغيره. ومذكورة عرضًا في كتب عدة منها: نشوار المحاضرة للتنوخي ٥/ ٢٩، الفرج بعد الشدة: ١/ ١٨٥، المدخل لابن الحاج: ٣/ ٢١٤ - ٢١٥، البيان والتبيين: ٣/ ٢٢٨، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: ٢٢/ ٥٠٦. مدارج السالكين لابن القيم: ٣/ ١٢٠، مساهمة الهند لأحمد الحسيني. ص / ٩٤ - ١٠٧: التراتيب الإدارية: ٢/ ٢٨٣، ٢٨٧، الدين الخالص للسبكي ٢/ ٣٤٣، السير للذهبي: الجواب الجامع لكنون ص / ٢٤٧، السلسة الضعيفة رقم / ٨٣. الرد على التعقيب الحثيث للألباني. الفكر السامي للحجوي: ٣/ ٥٤. مجلة مجمع اللغة العربية لمصر: ٣٥/ ٢٩٣. منتخبات التواريخ لدمشق، للتقي الحصني الشافعي ٢/ ٧٧٩. فتاوى رشيد رضا: ٣/ ٤٣٥، الموسوعة العربية الميسرة ١/ ٩٥٨. دائرة المعارف الإسلامية ١١/ ٢٣٣. نيل الأوطار: ٢/ ١٦٦. وفي الدوريات: فتوى في حكم المسبحة من عظم الفيل، للجنة الفتوى بالأزهر، نشرت في: مجلة الأزهر، المجلد / ٢١ لعام ١٩٤٩م ص / ٦٢ - ٦٣. فتوى في مجلة الوعي الإسلامي، العدد / ٣٠٨. بلوغ الأمنية في النوازل العصرية للشيخ محمد علي بن حسين المالكي المكي. ص / ٢٣٣ - ٢٣٥. فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية برقم ٢٢٢٩ ورقم ٦٤٦٠ ورقم ٤٣٠٠. مجلة التوحيد بمصر، العدد / ٩ لعام ١٤٠٧ مقال باسم: (المسبحة سنة أم بدعة) لعلي إبراهيم حشيش، وهو مأخوذ من / السلسلة الضعيفة برقم / ٨٣. المسبحة وتاريخها، مقال في مجلة المنار عدد / ١٥ عام ١٣٣٠. السبحة في المشرق، مقال في / مجلة لغة العرب عدد / ١٨ لعام ١٣٣١. المسبحة والمسبحون لعلي الجندي في: «مجلة الوعي الإسلامي» عدد / ٣٧ عام ١٣٨٨ وهو مُسْتَلُّ من: «المنحة للسيوطي» مع إضافة بعض الأشعار. مقال لمصطفى الشهابي في مجلة الوعي الإسلامي العدد / ١٤١ لعام ١٣٩٦. كتاب من أحكام الديانة ص ٢٣٦ - ٢٣٩. لأبي عبد الرحمن بن عقيل.
1 / 12
ثم حصل التحول إلى وسيلة أخرى لِعَدِّ الأذكار في مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى: عَدُّ الذكر بالحصى أو النوى.
المرحلة الثانية: عَدُّ الذكر به منظومًا في خيط: «السُّبْحَة».
المرحلة الثالثة: عَدُّ الذكر بآلة حديثة مُصَنَّعة.
فإِلى بيان التحول في مراحله الثلاث:
* * *
1 / 14
المرحلة الأولى
التسبيح بالحصى أو النَّوى
وهي على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: في زمن النبي ﷺ-:
معلوم أن المساجد من زمن النبي ﷺ وإلى زمننا هذا في بقية من القرى في جزيرة العرب، كانت أرضها مفروشة بالحصباء، وكان الناس يستعملون الحصباء التي في المسجد، لحصب الصبية عن العبث بالمسجد، وفي العصور اللاحقة من بني أمية فما بعد، كان المصلون يحصبون به الولاة، والخطباء، إذا سمعوا منهم مالا يرضيهم (١).
وقد عَلِمْتَ أن هدي النبي ﷺ هو عقد التسبيح بأنامل اليد، قولًا، وفعلًا، وتقريرًا.
_________
(١) تاريخ الطبري: ٥/ ٢٣٤، ٢٣٥، ٦/ ٢٠٣، ٢٠٤ بواسطة حاشية الشالنجي على: «نشوار المحاضرة: ٥/ ٢٩».
1 / 15
فهل حصل تحول إلى عَدِّ الذكر بالحصى، أو النَّوى، في زمنه ﷺ فيكون من اختلاف التنوع في وسيلة عد الذكر، فيكون العد بالأنامل، أو بالحصى ونحوه، أم أن الآلة واحدة وهي: الأنامل ولا وسيلة سواها؟!
أقول: لا يصح في مشروعية عَدِّ الذكر بالحصى أو النوى حديث، وغاية المروي في ذلك مرفوعًا: ثلاثة أحاديث، واحد منها موضوع وهو حديث أبي هريرة ﵁، وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص ﵄ لا تثبت دلالتهما على المشروعية، وفي ثبوت سند كل منهما نظر.
وإلى بيانها سندًا ومتنًا:
الحديث الأول: حديث صفية بنت حيي زوج النبي ﷺ: عن صفية ﵂ قالت: «دخل عَليَّ رسول الله ﷺ وبين يدي أربعة آلاف نواة أُسَبِّح بهن، فقال: يا بنت
1 / 16
حيي، ما هذا؟ قلت: أُسبح بهن. قال: قد سَبَّحْتُ مُنْذُ قُمْتُ على رأسك أكثر من هذا، قلت: علمني يا رسول الله، قال: قُولي: سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء» رواه الترمذي (برقم / ٣٥٥٤ - ٤/ ٢٧٤) وقال: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس» انتهى. ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي: (١/ ٥٤٧). ورواه أبو يعلى في «مسنده: ٤/ ١٦٩٦»، وابن عدي في: «الكامل ٧/ ٢٥٧٤» وهذا الحديث في سنده هاشم بن سعيد الكوفي، قال الحافظ في: «التقريب»: «ضعيف». وفيه: شيخه: كنانة مولى صفية، قال الحافظ: «مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة» انتهى.
وهذا الحديث رواه الطبراني من وجه آخر في: «الدعاء» و«الأوسط» عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا خديج ابن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي ﵂
1 / 17
- وحُدَيْج قال الحافظ عنه: «صدوق يخطئ».
ورواه الطبراني أيضًا من وجه آخر في: «الدعاء» وفي «الأوسط» فقال: «حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: ثنا مسلم بن سعيد عن منصور بن زاذان، عن زيد - يعني ابن متعب - مولى صفية بنت حيي ﵂ به. لكن يزيد لم يوجد له ترجمة، لكنه من طبقة أوساط التابعين، من موالي صفية ﵂. وقول الترمذي المتقدم، بعد حديث صفية ﵂: «وفي الباب عن ابن عباس» يريد ما أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس ﵄ عن جويرية ﵂: «أن النبي ﷺ خرج من عندها بكرةً حين صَلَّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع حين أضحى وهي على حالتها، فقال: ما زالت على حالتك التي فارقتك عليها قالت: نعم، فقال النبي ﷺ لقد قلت بعدك أربع كلمات
1 / 18
ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضى نفسه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته». قال الحافظ ابن حجر في: «نتائج الأفكار: ١/ ٧٨»: «وهذه المرأة يمكن أن تكون جويرية وقد مضى حديثها، لكن سياقه بغير هذا اللفظ، ويمكن أن تكون صفية، فقد جاء من حديثها بهذا اللفظ، ولكن باختصار، وفيه ذكر عدد النوى التي كانت تُسبح به» انتهى.
الحديث الثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ﵁: عن سعد بن أبي وقاص ﵁ أنه دخل مع رسول الله ﷺ على امرأة وبين يديها نواة، أو قال: حصاة تسبح بها، فقال: ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء. وسبحان الله عدد ما خلق في الأَرض. وسبحان الله عدد ما بين ذلك.
1 / 19
وسبحان الله عدد ما هو خالق والله اكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك» انتهى. رواه أبو داود «٤/ ٣٦٦» والترمذي «٣٥٦٨» وقال: «هذا حديث حسن غريب، والنسائي في: «عمل اليوم والليلة». وهو في: «مسند سعد برقم / ٨٨»، والطبراني في: «الدعاء ٣/ ١٥٨٤ برقم / ١٧٣٨» وينظر تعليق المحقق، والبزار في: «مسنده» والبيهقي في: «الشعب ١/ ٣٤٧» والبغوي في: «شرح السنة / ١٢٧٩». جميعهم بأسانيدهم إلى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها ﵁ فذكره.
ورواه الحاكم في: «المستدرك ١/ ٥٤٧» وابن حبان في: «صحيحه / ٨٣٤» والبزار في: «مسنده ٤/ ٤٠» كلهم بإسقاط «خزيمة» وراوية سعيد بن أبي هلال له مباشرة عن عائشة بنت سعد به.
1 / 20
فمدار أسانيده على: سعيد بن أبي هلال، قال الحافظ عنه: «صدوق» لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفًا، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه أختلط» انتهى.
وقال الحافظ أيضًا في: خزيمة: «خزيمة عن عائشة بنت سعد: لا يعرف، من السابعة د ت سي» انتهى.
الحديث الثالث: عن أبي هريرة ﵁ (١):
عن أبي هريرة ﵁ قال: «كان ﷺ يسبح بالحصى» رواه أبو القاسم الجرجاني في: «تاريخ الجرجاني / ٦٨».
وفي سنده: عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، صاحب مصائب، ومناكير، كما في ترجمته من: «لسان الميزان» وأصله: «الميزان».
والراوي عنه: صالح بن علي النوفلي، لم يعرف له ترجمة.
_________
(١) انظر السلسلة الضعيفة / ١٠٠٢.
1 / 21
فهذا حديث ذكرته من باب ذكر ما في الباب، وإلا فلا يلتفت إليه بحال.
والخلاصة: عن هذه الأحاديث المرفوعة: أن حديث أبي هريرة وهو الثالث منها لا يعتد به، إذ له حكم الأحاديث الموضوعة، وأما حديث صفية، وحديث سعد بن أبي وقاص، فيشهد كل واحد منها للآخر، إذ ليس في إسناد أحدهما من قُدح فيه من جهة عدالته؟ ولكن ما معنى كل واحد منهما - على فرض ثبوته -؟
إن حديث صفية ﵂ فيه قول النبي ﷺ لها لما رآها تعد التسبيح بالنوى: «ما هذا؟» وهذا استنكار لفعلها، كأنه على غير المعهود في التشريع، فهو إنكار له، ولذا دَلَّها ﷺ على التسبيح المشروع، كدلالته ﷺ للمستغفرين على سيد الاستغفار. فلا دلالة فيه لمستدل على جواز التسبيح بالحصى، أو النوى.
وإن حديث سعد بن أبي وقاص ﵁ فيه
1 / 22
لما رأى ﷺ المرأة تسبح بنواة، أو حصاة، قال: «ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل. . .».
وهذا أسلوب عربي معروف تأتي فيه صيغة أفعل على غير بابها، كما في قول الله تعالى عن نعيم أهل الجنة: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان/٢٤].
«فإنها من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء، لأَنه لا خير في مقيل أهل النار، ومستقرهم، كقوله: ﴿آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (١).
وبهذا التقرير لمعنى هذين الحديثين - على فرض صحتهما - يظهر بجلاء عدم صحة استدلال من استدل بهما على جواز التسبيح بالحصى، أو النوى. والله أعلم.
المرتبة الثانية: في زمن الصحابة ﵃ -:
والآثار فيها على نوعين: نوع في الإنكار، ونوع في الفعل، أو الإِقرار، وهذا بيانها:
_________
(١) تفسير السعدي ٢/ ١٩٠.
1 / 23
النوع الأول: الآثار في الإِنكار:
وهي عن ثلاثة من الصحابة ﵃: عن عمر بن الخطاب ﵁ وعن عائشة ﵂ وعن ابن مسعود ﵁ وهذا بيانها:
١ - الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁:
عن سعيد بن جبير، قال: «رأى عمر بن الخطاب رجلًا يسبح بتسابيح معه، فقال عمر: إنما يجزيه من ذلك أن يقول: سبحان الله ملء السموات والأرض، وملء ما شاء من شيء بعد، ويقول: الحمد لله ملء السموات والأَرض وملء ما شاء من شيء بعد، ويقول: الله أكبر ملء السموات والأَرض وملء ما شاء من شيء بعد».
رواه ابن أبي شيبة في: «المصنف ٧٦٦٩» باب: «من كره عقد التسبيح».
ورواية سعيد ابن جبير المتوفى سنة ٩٥ - رحمه الله تعالى - عن عمر ﵁ مرسلة ففي الأثر انقطاع.
1 / 24