صلى الله عليه وسلم
بقوله: «إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله، فإذا أنطقوا به لم يجهله أهل الاغترار بالله.»
واعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة، وإنما ينكرها القاصرون، وقد قال
صلى الله عليه وسلم : «إن للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلقا.» وقال علي وأشار إلى صدره: إن ها هنا علوما جمة لو وجدت لها حملة. وقال أيضا: لو أردت أن أفسر الفاتحة بما أعلم لاحتجت إلى ثمانين بعيرا. وقال ابن عباس في قوله تعالى:
الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن : لو ذكرت تفسيره لرجمتموني، وقال أبو هريرة: «حفظت من رسول الله وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر لو بثثته لقطع هذا الحلقوم.» وقال الرسول: «ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره.» وقال سهل التستري: للعالم ثلاثة علوم: علم ظاهر يبذله، وعلم باطن لا يسعه إظهاره إلا لأهله، وعلم هو بينه وبين الله لا يظهره لأحد، فإن قيل إذن الظاهر خلاف الباطن - وفي هذا إبطال للشرع - كان الجواب أن الشرع عبارة عن الظاهر، والحقيقة عبارة عن الباطن، وإن كان لا يناقضه ولا يخالفه، ولا يكون للشرع سر لا يفشى، بل يكون الخفي والجلي واحدا، وإنما هو اختلاف العقول والأفهام والظرف والمكان، وإن هناك من يدرك الشيء جملة ثم يدركه تفصيلا بالتحقيق والفروق، وذلك كما يتمثل للإنسان في عينه شخص في الظلمة أو على البعد، فيحصل له نوع علم، فإذا رآه بالقرب أو بعد زوال الظلام أدركه إدراكا أوفى.
مراحل التصوف الإسلامي
قبيل الوحي المحمدي كان الرسول يتبتل ويتعبد في غار حراء مطلقا روحه للتأمل والتفكر في بدائع الله وآياته الكونية صارفا قلبه عن متاع الحياة وشواغل الوجود، ليتفرغ بقلبه وعواطفه للمناجاة والعبادة وتلمس المعرفة حتى كانت العرب تقول: «إن محمدا عشق ربه.»
وبداية الأنبياء هي نهاية ما اصطلح على تسميتهم بالصوفية الذين يقولون إن المجاهدة والمحبة، والفناء في معاني المحبة والعبادة تعد الروح للتذوق والتلقي وتوصل إلى العلوم والمعارف، فالمعارف - في اعتقادهم - كامنة في الروح البشري أصيلة في مادتها لا دخيلة عليها، والتغلب على الجسد بإعلاء مكانة الروح يمزق تلك الحجب ويرفع الظلمة التي تحول بين الروح والنور.
ويعبر الغزالي عن المعرفة بقوله: «إنها نور يقذف في القلب.»
وقد كان الإمام مالك يقول: «ليست المعرفة بكثرة الرواية، ولكنها نور يضعه الله تعالى في القلب.»
अज्ञात पृष्ठ