तसव्वुफ और इमाम शअरानी
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
शैलियों
وكان الغزالي وهو الفقيه الأصولي الكبير يقول: «صارت كلمة الفقه إلى تفريقات الطلاق، وصور الإيمان والعتق المفروضة ووجوه السلم، وغير ذلك مما لا يحصل به إنذار ولا تخويف، مما كان التجرد له والإكثار منه وحفظ المقالات المتعلقة به يقسي القلب وينزع الخشية منه، صارت إلى هذا بعد أن كانت عنوانا على معرفة دقائق النفس ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة مع امتلاء القلب بخوف الله ورجائه.»
وكان أبو العباس يقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه من علم، ولم يشاركونا فيما نحن فيه من عبادة وأخلاق.
ورجال الفقه من ناحيتهم نظروا فرءوا أن التصوف كلمة عامة غير محددة بالحدود التي تتحد بها العلوم، وأن المحراب الصوفي قد امتلأ بطوائف شتى من بينها الدخيل والأصيل.
كما شاهدوا بأعين فزعة جزعة المتصوفة وهم يكونون لأنفسهم علوما ومعارف من إلهامات الروح ومعارج القلوب، وأنهم قد ابتدعوا فنونا في المحبة الإلهية وما تحتوي عليه هذه المحبة من وجد وشوق، وجذب وفناء، وسر وأسرار، ومبتكرين أيضا ألوانا أخلاقية في الذكر والخلوة والمناجاة، ومثاليات تطوف حول عبادات أوجبوها على أنفسهم فوق الفرائض والنوافل، مقيمين من ذلك كله دستورا ضخما يدور حول أمراض القلب وأدويتها، وخفايا النفوس ووساوسها، ومجالات الروح وإلهاماتها.
وكل هذا بدا في نظر الفقهاء - أو في نظر أكثرهم - ابتداعا في الدين، وانحرافا عن الحياة المثلى، وتمردا على ما اصطلحت عليه العقول في بناء الحياة الدنيا، وأخطر من هذا المظهر الدنيوي بينهما؛ فقد آمن رجال الفقه بأنهم وحدهم سادة الجماهير، وأنهم وحدهم سدنة الدين، وحراس نبعه المقدس، وليس لغيرهم أن يرتدي ثوب الدين وقداسة هذا الثوب، وليس لغيرهم أن يقول في الدين برأي، أو يلقي في مشكلاته بدليل أو حجة.
ومع إيمان الفقهاء بهذا فقد انتزع المتصوفة الجماهير من قبضة الفقهاء وتزعموها دونهم، واحتفظوا بهذه الزعامة على التاريخ رغم ما بذل في سبيل هدمها وزلزلتها.
وكان هذا وحده كفيلا بأن يذكي نار الخصومة، وأن يلهب الحقد في قلوب الفقهاء فيعلنوها حربا قاسية على التصوف والمتصوفة، حربا استغلت فيها كافة الأسلحة من التكفير؛ كما حدث في محنة التصوف الكبرى التي تعرف في التاريخ «بمحنة غلام الخليل»، حيث قدم للموت أبو علي الدقاق وأبو الحسين النوري وغيرهما من أئمة التصوف باسم الكفر والزندقة.
إلى الدس الرخيص لدى الأمراء والملوك بدعوى حماية العرش، وتدبير المؤامرات؛ كما حدث في مأساة الحلاج ونكبة السهروردي.
إلى القتل الغيلة في جنح الظلام؛ كما حدث للمناوي، تلميذ الشعراني الأكبر وصاحب «الكواكب الدرية في طبقات الصوفية».
ورغم تلك الخصومة الحادة التي حملها جمهرة الفقهاء للتصوف والمتصوفة، كان أئمة الفقه جميعا من المتصوفة خلقا وعملا وحبا بلا استثناء، مما يحملنا على الاعتقاد بأن أساس الخصومة دنيويا لا دينيا.
अज्ञात पृष्ठ