तसव्वुफ और इमाम शअरानी
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
शैलियों
فإن كنا رضينا من رجال الدنيا آدابهم التي فرضوها على أنفسهم، ورضينا من رجال الفقه اجتهادهم في الأحكام الفرعية، واجتهادهم فيما لم ينص عليه، حتى إنهم حللوا وحرموا وقالوا هذا واجب وهذا مكروه، وهذا فرض وذاك سنة، ولم يقدح اختلافهم في أحكامهم، ولم يقدح اجتهاد فقيه على اجتهاد مخالفه.
فكيف إذن نعترض على قوم اجتهدوا في العزائم، واجتهدوا في التطوع، واجتهدوا في التعبد، واجتهدوا في نشدان الكمال، وهم فوق ذلك لم يلزموا غيرهم بما افترضوا على أنفسهم، بل صرحوا بأنهم أولي عزم، وليس الناس كلهم سواء، وما ينبغي أن يكونوا.
إن الفقهاء قد أرجعوا اجتهادهم إلى فهمهم في كتاب الله وسنة رسوله، واستنبطوا أحكامهم منهما، وكذلك المتصوفة يرجعون باجتهادهم واستنباطهم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إليهما، فهم والفقهاء إذن في صف اجتهادي واحد، إلا أنهم أكمل؛ لأن السبل لم تتفرق بهم عن الغاية كما تفرقت برجال الفقه، بل كان سبيلهم واضحا محددا محررا؛ لأنهم ألقوا بعزائمهم في نشدان الكمال في محاريب العبودية والطاعة، واتجهوا إلى الله سبحانه بقلوبهم وأرواحهم وأحاسيسهم وعقولهم، فلم تتفرق بهم سبل، ولم تجمح بهم نزوة.
ومن عجب أن بعض الفقهاء يرمون التصوف بالجموح والتطرف، وابتكار ألوان في المعرفة مغرفة في الخيال، مغرقة في الشذوذ، مع أن الشذوذ والتطرف إن كان في ثمة طائفة من الطائفتين فهو في الفقهاء، الذين شغلوا أنفسهم وشغلوا العالم الإسلامي معهم عن نور كتابهم المقدس بجدليات وتفرعات لا هدف لها إلا الجدل وحب الغلبة.
قد افترضوا مسائل لا تقع، بل لا يتصور وقوعها! بل يستحيل في العقل وجودها، وعاشوا في محاريبها مجادلين مختلفين.
جاء في شرح مسلم: ومما زاد الفقه صعوبة ما اتسع فيه أهل المذاهب من التفريعات والفروع، حتى إنهم فرضوا ما يستحيل وقوعه عادة فقالوا: «لو وطأ الخنثى نفسه فولد، هل يرث ولده بالأبوة أو الأمومة أو بهما؟ ولو توالد له ولد من بطنه وآخر من ظهره، لم يتوارثا؛ لأنهما لم يجتمعا في بطن ولا ظهر.»
ويقول السنوسي معلقا على هذا الجموح الفقهي: «ولو اشتغل الإنسان بما يخصه من واجب، وتعلم أمراض القلب وأدويتها، وإتقان عقائده، والتفقه على معنى القرآن والحديث، لكان أزكى لعلمه وأضوأ لقلبه.»
وإن كان القلم قد جرى بنا إلى نقد الفقهاء، فإنما ساقنا إلى ذلك المقارنة التي اقتضاها السياق، ولنبرهن على أن الجموح إن وجد في بعض أدعياء التصوف الذين جعلوا التعبد فلسفة، فقد وجد مثله في بعض من انتسب إلى الفقه، وإن كان الصادقون من الفريقين هم صفوة الأمة الإسلامية.
ونعود فنقول: إن الكشف الباطني في التصوف قائم على الكتاب والسنة، مقيد بهما، وإن هدفه وغايته إبقاء الجذوة التعبدية الإيمانية مشرقة وضاءة في القلوب الإسلامية، وبذلك تحددت رسالة التصوف، ووضحت أهدافه.
وإذن فليس الكشف الباطني والعلم اللدني شطحا ولا إبهاما ولا طلاسما ولا كلمات مهزوزة مجنحة، ولا فلسفات جامحة، كما زور المزورون في تاريخ التصوف، أو كما جمجم الأدعياء الدخلاء الذين مشوا في موكب التصوف وارتدوا بأرديته وهم ليس منه.
अज्ञात पृष्ठ