तसव्वुफ़: आध्यात्मिक क्रांति इस्लाम में
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
शैलियों
ومن ناحية أخرى وجدوا الشر كل الشر في النفس الإنسانية وكل ما يتصل بها، فتجردوا عن هذه النفس وصفاتها وأعمالها، وسموا ذلك فناء عن الأعمال والصفات. يقول القشيري: «فكذلك وإذا واظب (أي الصوفي) على تزكية أعماله ببذل وسعه، من الله عليه بتصفية أحواله، بل بتوفية أحواله. فمن ترك مذموم أفعاله بلسان الشريعة يقال إنه فني عن شهواته، فإذا فني عن شهواته بقي بنيته وإخلاصه في عبوديته، ومن زهد في دنياه بقلبه يقال فني عن رغبته، فإذا فني عن رغبته فيها بقي بصدق إنابته، ومن عالج أخلاقه فنفى عن قلبه الحسد والحقد والبخل والشح والغضب والكبر وأمثال هذه من رعونات النفس يقال فني عن سوء الخلق، فإذا فني عن سوء الخلق بقي بالفتوة والصدق، ومن شاهد جريان القدرة في تصريف الأحكام يقال فني عن حسبان الحدثان من الخلق، فإذا فني عن توهم الآثار من الأغيار بقي بصفات الحق، ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الأغيار لا عينا ولا أثرا ولا رسما ولا طللا، يقال إنه فني عن الخلق وبقي بالحق، وإذا قيل فني عن نفسه وعن الخلق فنفسه موجودة والخلق موجودون، ولكن لا علم له بهم ولا به ولا إحساس ولا خبر، فتكون نفسه موجودة والخلق موجودين، ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين، غير محس بنفسه ولا بالخلق.»
3
فالفناء عن الخلق والبقاء بالحق، وشهود الحق وحده (وهو النوع الأخير الذي ذكره القشيري)، هو التوحيد الصوفي الذي أشرنا إليه.
الأمر الثاني:
أن السراج والقشيري أدركا إمكان الانتقال من وصف حال الفناء الصوفي إلى وضع نظرية ميتافيزيقية في طبيعة الوجود كنظرية الحلول أو المزج أو وحدة الوجود أو ما شاكل ذلك؛ أي الانتقال من قول الصوفي: «إنني في حال خاصة هي حال الوجد أو الفناء لا شعور لي إلا بالله» أو «إنني لا أشهد سوى الله»، إلى القول بأنه «لا موجود إلا الله»، وهذا الانتقال طبيعي، واحتمال الوقوع فيه احتمال كبير، ولكنه ليس انتقالا منطقيا: فإن للصوفي أن يشعر بما يشاء، وأن يعبر عن شعوره كيفما شاء، ولنا أن نصدق ما يقوله في وصف شعوره أو لا نصدق، ولكن ليس له أن يبني على هذا الشعور نظرية ميتافيزيقية في طبيعة الوجود، إذ الشعور ليس نوعا من أنواع العلم ولا يصح أن يبنى عليه نظرية في طبيعة الوجود من حيث هو وجود (وسيأتي مزيد تفصيل لهذا في كلامنا عن الفناء عند أصحاب وحدة الوجود). فلا بد إذن من أن نفرق في وضوح بين «وحدة الشهود» ووحدة الوجود، وبين تجربة «وحدة الشهود» ونظرية وحدة الوجود، ولعل الخلط بين الوحدتين هو الذي أدى ببعض الباحثين في التصوف الإسلامي من المستشرقين إلى القول بأن فكرة وحدة الوجود هي الفكرة الأساسية المسيطرة على هذا التصوف برمته، وليس أبعد من الحقيقة والواقع من هذا القول، وإن من التجني أن يوصف متصوفة القرنين الثالث والرابع أمثال أبي يزيد البسطامي والجنيد البغدادي والشبلي بأنهم من القائلين بوحدة الوجود في حين أن أقوالهم صريحة في وحدة الشهود المرادفة للتوحيد.
والظاهر من كلام القشيري والسراج أن قوما من الصوفية قد ارتكبوا هذا الخطأ المنطقي وبنوا على تجاربهم الصوفية نظريات فلسفية تنافي التوحيد الإلهي. غير أننا يجب ألا نحمل العبارات التي فاه بها بعض الصوفية الذين جربوا وحدة الشهود أكثر مما تحتمل عن طريق التأويل البعيد؛ لأن التأويل البعيد باب واسع محفوف بالمخاطر، وقد أشرنا إلى بعض شطحات أبي يزيد البسطامي وهي من هذا القبيل؛ أي إنها أقوال صدرت عن صوفي غلبه الوجد والهيام بالله فصاح في غيبته معلنا عن شعوره وشهوده لا مقررا لمذهب.
ثالثا:
أن تعريفات الفناء التي أشرنا إليها تعتبر فقدان الشعور بالذات وبالعالم الخارجي صفة من صفات هذا الفناء.
رابعا:
أن الفناء يمر بمراحل تدريجية، تبتدئ بالفناء عن الشهوات والأفعال الذميمة، وتنتهي بالفناء عما سوى الله والبقاء بالله وحده.
अज्ञात पृष्ठ