فمطالعة كلمة "هدى" مثلا في كتاب مقاتل بن سليمان، وهو من المتقدمين، لا تختلف عمَّا جاء في أحدث ما وصلنا من كتب الوجوه والنظائر. فكأنما كتب الوجوه والنظائر، على مرّ القرون، كتاب واحد، تداولته أيدي النساخ، مع تغييرات قليلة، لا تغيّر من جوهر تلك الكتب. ونشير هنا إلى مقالة النيسابروي في مقدمته، فهي تعبر عن هذه الفكرة. يقول النيسابروي: "والسابق بهذا التصنيف عبد الله بن عباس ﵁، ثم مقاتل ثم الكلبي. ومصنفاتهم لا تزيد على مائتين وأربعة عشر بابا. وجمعنا في هذا الكتاب خمسمائة وأربعين بابا. وليس بشيء منها يعزب عن أقاويلهم إمَّا ذكر في الوجوه وإمَّا ذكر في التَّفسير. ولست أبدع قولا".
ولعل ما يمكن أن يذكر من تطوّر في هذه الكتب، تكاثر عدد كلماتها. فكتاب النيسابوري، ضخم إذا ما قورن بغيره. وكذلك ثم شيء من التصرف في كيفية تبويبها فبعد أن ذكرت الكلمات على الاتفاق في كتاب مقاتل وكتاب ابن سلام، حرص بعض المؤلفين على ترتيبها ترتيبا أبجديا. كما فعل النيسابوري والدامغاني.
ولا يمكن أن نعتبر هذا تطوّرا في كتابة الوجوه والنَّظائر، بأتم معنى الكلمة، فإن الترتيب الأبجدي لم يظهر في آخر ما ألَّف منها. كما أنّ تكاثر الكلمات الوارد في بعضها، لم يكن في التآليف المتأخرة أيضا، ما دمنا قد وقفنا على تآليف متأخرة، لا تختلف في عدد كلماتها ولا في كيفية ترتيبها عن كتب الأوّلين. ونتساءل: هل توقّف التآليف في الوجوه والنظائر عند حدود القرن العاشر؟ إن المتأمل في بعض المعاجم القرآنية المعاصرة يتبين له، أنَّه من الضروريِّ اعتبارها مندرجة في فنّ الوجوه والنظائر. وأخصّ بالذكر من هذه المعاجم: معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية، وكذلك: معجم الألفاظ والأعلام القرآنية لمحمد اسماعيل إبراهيم.
ما الذي يقدّمه معجم المجمع؟
لقد تعهد هذا المعجم باستعراض المعاني المختلفة الَّتي ترد عليها اللَّفظة الواحدة في القرآن، وذلك ما يطابق فيما رأيناه "الوجوه".
كما تعهَّد باستعراض الآيات الواردة في كلّ معنى من معاني اللَّفظة. وتلك هي النظائر.
1 / 38