بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ الرِّجَالِ. أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا كِتَابٌ فِي أَخْبَارِ فَقِيهِ الْعَصْرِ وَعَالِمِ الْوَقْتِ، أَبِي حَنِيفَةَ، ذِي الرُّتْبَةِ الشَّرِيفَةِ، وَالنَّفْسِ الْعَفِيفَةِ، وَالدَّرَجَةِ الْمُنِيفَةِ: النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ زُوطَى مُفْتِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، وُلِدَ ﵁ وَأَرْضَاهُ، وَأَنْفَذَ مَا أَوْضَحَهُ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ وَأَمْضَاهُ، فِي سَنَةِ ثَمَّانِينَ فِي خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْكُوفَةِ،

1 / 13

وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃، وَكَانَ مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِذْ قَدِمَهَا أَنَسٌ ﵁. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ أَنَسًا ﵁»، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ السَّدُوسِيُّ: أَبُو حَنِيفَةَ مَوْلَى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَقَالَ أَبُو خَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْقَاضِي: سَأَلْتُ

1 / 14

ابْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ: لِمَنْ وَلاؤُكُمْ؟ فَقَالَ: «سَبْيُ ثَابِتٍ أَبُو أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَابِلٍ، فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَأَعْتَقَتْهُ» وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ حَسَنَ الْوَجْهِ وَاللِّحْيَةِ حَسَنَ الثِّيَابِ» وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ زِيَادٍ: «رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ بِالْكُوفَةِ وَعَلَيْهِ

1 / 15

طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ بِمِصْرَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: " رَأَيْتُ شَيْخًا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يُفْتِي النَّاسَ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو حَنِيفَةَ " قَالَ قَاضِي مِصْرَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ السَّعْدِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَاحِدٌ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غَسَّانَ الْقَاضِي، ثَنَا أَبِي، أَنَا جَدِّي أَبُو غَسَّانَ أَيُّوبُ بْنُ يُوسُفَ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ جَمِيلَ الْوَجْهِ، سَرِيَّ الثَّوْبِ عَطِرًا، وَلَقَدْ أَتَيْتُهُ فِي حَاجَةٍ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ وَعَلَيَّ كِسَاءٌ قُومِسِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِسْرَاجِ بَغْلَهُ، وَقَالَ: أَعْطِنِي كِسَاءَكَ لأَرْكَبَ فِي حَاجَتِكَ وَهَذَا كِسَائِي إِلَى أَنْ أَرْجِعَ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا رَجِعَ، قَالَ: يَا نَضْرُ أَخْجَلْتَنِي بِكِسَائِكَ، قُلْتُ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: هُوَ غَلِيظٌ، قَالَ النَّضْرُ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَا بِهِ مُعْجَبٌ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قُومِسِيٌّ قَوَّمْتُهُ بِثَلاثِينَ دِينَارًا " مِنْ أَخْلاقِهِ وَوَرَعِهِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ

1 / 16

الرَّشِيدِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: صِفْ لِي أَخْلاقَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: " كَانَ وَاللَّهِ شَدِيدَ الذَّبِّ عَنْ حَرَامِ اللَّهِ، مُجَانِبًا لأَهْلِ الدُّنْيَا، وَطَوِيلَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ، لَمْ يَكُنْ مِهْذَارًا وَلا ثِرْثَارًا، إِنْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ أَجَابَ فِيهَا، مَا عَلِمْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلا صَائِنًا لِنَفْسِهِ وَدِينِهِ، مُشْتَغِلا بِنَفْسِهِ عَنِ النَّاسِ لا يَذْكُرُ أَحَدًا إِلا بِخَيْرٍ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ أَخْلاقُ الصَّالِحِينَ " وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ غَسَّانَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ: ذَكَرَ قَوْمٌ أَبَا حَنِيفَةَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَتَنَقَّصَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ سُفْيَانُ: «مَهْ! كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْثَرَ النَّاسِ صَلاةً، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَحْسَنَهُمْ مُرُوءَةً» وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْكٍ، قَالَ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ طَوِيلَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ، كَبِيرَ الْعَقْلِ، قَلِيلَ الْمُحَادَثَةِ لِلنَّاسِ» وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ: قَالَ

1 / 17