وعندما نتقدم في السن، ونكون قد عنينا بتربية أنفسنا وتنمية شخصياتنا نجد أننا أيضا نتبلور ونتجوهر، ولكن ليس من حيث الحرفة فقط بل من حيث الشخصية، وصحيح أن الحرفة هي بعض المؤثرات في الشخصية، ولكنها ليست بالطبع كل المؤثرات.
اعتبر شابا فجا خاما، واعتبره أيضا رجلا في الخمسين قد نضجت أخلاقه وأينعت شخصيته، وقارن بين الاثنين، تجد الأول لا يزال في التعميم، فهو «أحد الشبان»، أما الثاني فقد تخصص، وله مغزى، وهو يرمز إلى أشياء عدة لها قيمتها الاجتماعية أو الثقافية.
وهذه الرمزية، وهذا المغزى، هما ثمرة الحياة الحيوية، الحياة الفنية التي قضيناها ونحن نقصد إلى غاية ونتبع نهجا ونكسب الاختبارات وننمو بها، وهي جميعا تصهرنا، وتحيل التبر الخام إلى الذهب الخالص.
الفصل الحادي والثلاثون
الاهتمامات تمنع الغوايات
الاهتمامات تمنع الغوايات؛ لأن الشاب الذي يهتم بالأدب أو السياسة، أو الذي ينعم بهواية تشغل ذهنه وتملأ فراغه، لا يستطيع أن يفكر في الغوايات التي يقع فيها غيره الذي يجد في بطالته سأما يبعثه على التخلص منه بالعادات السيئة.
ذلك أنه ليس شيء أسوأ من البطالة: بطالة الجسم التي تؤدي إلى الترهل، وبطالة الذهن التي تؤدي إلى اسأم، وكثيرا ما أتأمل إحدى سيداتنا حين تنغمس في القيل والقال، وتجرح بلسانها إحدى السيدات أو الآنسات، فأجد في النهاية أن الذي أوقعها في هذه العادة بطالتها وسأمها، ولو أنها كانت تشغل فراغها بهواية ما، كالقراءة أو التطريز أو نحو ذلك، لما وقعت في القيل والقال.
وأحيانا أجد شابا لم يبلغ الخامسة والعشرين، وهو مع ذلك يدخن ويسرف في شرب القهوة أو الشاي، لا لشيء إلا لأنه قد سئم حياته الفارغة، ولم يعرف بم يهتم.
وقد بلغت أنا السبعين ولم أعرف التدخين، ولا أكاد أعرف سببا لذلك إلا أني اهتممت بالقراءة منذ المراهقة، فصارت هوايتي التي تشغل فراغي.
وفي هذه الدنيا آلاف الأشياء التي يجب أن يهتم بها الشاب، بل يستطيع أن يجد فيها هوايته التي تملك قلبه وعقله، والتي تهيئه بمهارة تجلب له الاحترام من أقرانه وتنيله السعادة، وتحول بينه وبين العادات السيئة.
अज्ञात पृष्ठ