तारिक इखवान सफा
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
शैलियों
بيان ذلك أن القوة الباصرة مجراها في العينين، وهي مستبطنة الحدقتين في الرطوبة الجلدية. والقوة السامعة مجراها في الأذنين، وهي مستبطنة الصماخين مما يلي البطن المؤخر من الدماغ. والقوة الشامة مجراها في المنخرين، وهي مستبطنة الخياشيم مما يلي البطن المقدم من الدماغ. والقوة الذائقة مجراها الفم، وهي مستبطنة في رطوبة اللسان. والقوة اللامسة مجراها في عامة سطح بدن الحيوان الرقيق الجلد، ولكنها في الإنسان أظهر وخاصة في الأنملة، وهي مستبطنة في الجلدين اللذين أحدهما ظاهر البدن والآخر مما يلي.
واعلم أن المحسوسات كلها خمسة أجناس، منها المدركات بطريق اللمس ... والجنس الثاني المدركات بطريق الذوق التي هي الطعوم ... والجنس الثالث هي الروائح المدركة بطريق الشم ... والجنس الرابع هي الأصوات المدركة بطريق السمع ... والجنس الخامس هي المبصرات المدركات بطريق البصر» (24: 2، 397-402).
بعد ذلك ينتقل الإخوان إلى شرح كيفية إدراك القوى الحساسة لمحسوساتها واحدا واحدا. ولسوف نقتصر هنا على ذكر كيفية إدراك القوة السامعة والقوة الباصرة. والإخوان هنا يتفقون مع كل ما نعرفه حاليا عن هذا الموضوع، ويستخدمون مصطلحات ما زالت الفيزياء الحديثة تستخدمها: «أما إدراك القوة السامعة لمحسوساتها التي هي الأصوات ... [فإن] كل هذه الأصوات إنما هي قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجسام. وذلك أن الهواء لشدة لطافته، وخفة جوهره، وسرعة حركة أجزائه، يتخلل الأجسام كلها؛ فإذا صادم جسم جسما انسل ذلك الهواء من بينهما بحمية وتدافع وتموج إلى جميع الجهات، فحدث من حركته شكل كروي، واتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج [= صانع الزجاج] فيها، أو الماء الساكن إذا ألقي فيه حجر فيتزاحم الماء حتى يبلغ أطراف الغدير، وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه إلى أن يسكن ويضمحل. فمن كان حاضرا من الناس وسائر الحيوانات التي لها أذن بالقرب من ذلك المكان، تموج ذلك الهواء الذي هناك، فأحست عند ذلك القوة السامعة بتلك الحركة والتغير.
واعلم أن كل صوت له نغمة وصيغة وهيئة روحانية خلاف الصوت الآخر، وأن الهواء من شرف جوهره ولطافة عنصره يحمل كل الأصوات بهيئتها وصيغتها، ويحفظها لئلا يختلط بعضها ببعض فتفسد هيئتها، إلى أن يبلغها أقصى مدى غاياتها عند القوة السامعة، لتؤديها إلى القوة المتخيلة ...
أما كيفية إدراك القوة الباصرة لمحسوساتها التي هي عشرة أنواع: أولها الأنوار والظلم، والألوان، والسطوح، والأجسام أنفسها، وأشكالها، وأبعادها، وحركاتها، وسكونها، وأوضاعها. فالمدرك من هذه الأنواع بالحقيقة والذات [هما] النور والظلمة حسب، إلا أن الظلمة شيء يرى ولا يرى بها شيء آخر، والنور هو الذي يرى ويرى به شيء آخر ...
ثم اعلم أن النور والظلمة لونان روحيان، وأن السواد والبياض لونان جسمانيان، وأن النور مشاكل للبياض، وأن الظلمة مشاكلة للسواد. وذلك أن البياض يلوح على سائر الألوان كما أن في النور ترى سائر المرئيات، وعلى السواد لا تتبين الألوان وفي الظلمة لا يرى شيء.
ثم اعلم أن النور والظلمة يسريان في الأجسام المشفة كسريان الروح في الجسد، وينسلان منها بلا زمان. ولكن الضوء إذا سرى في الأجسام المشفة حمل معه ألوان الأجسام وأوصافها حملا روحانيا، وحفظها بهيئتها، حتى لا يختلط بعضها ببعض، فيفسد هيئتها، كما حمل الهواء الأصوات بهيئتها، كما وصفنا قبل، حتى يبلغها أقصى مدى غايتها عند القوة الباصرة المستبطنة في الرطوبة الجلدية التي في الحدقتين.
ثم اعلم أن الحدقتين هما أحد الأجسام المشفة، وهما مرآتا الجسد. وذلك أنهما رطوبتان مغطاتان بغشاءين شفافين، وهما غشاءا القرنية. فإذا سرى الضوء في الأجسام المشفة، وحمل معه ألوان الأجسام الحاضرة، واتصل بحدقتي الحيوان الحاضرة هناك، وسرى فيهما كسريانه في سائر الأجسام المشفة، انطبعت الجليدية بتلك الألوان كما ينطبع الهواء بالضياء، فعند ذلك تحس القوة الباصرة بذلك التغيير، فتؤدي خبره إلى القوة المتخيلة، كما تؤدي سائر القوى الحساسة أخبار محسوساتها ...
وقد ظن كثير من أهل العلم أن إدراك البصر المبصرات إنما يكون بشعاعين يخرجان من العينين، وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة، ويدركان هذه المبصرات؛ وهذا ظن من لا رياضة له بالأمور الروحانية، ولا بالأمور الطبيعية، ولو ارتاض فيها لبان صحة ما قلنا ووصفنا ... [أما] في كيفية وصول آثار المحسوسات إلى القوة المتخيلة، فنقول: إنه ينتشر من مقدم الدماغ عصبات لطيفة لينة تتصل بأصول الحواس، وتتفرق هناك، وتنسج في أجزاء جرم الدماغ كنسج العنكبوت. فإذا باشرت كيفية المحسوسات من أجزاء الحواس وتغير مزاج الحواس عندها، وغيرتها عن كيفياتها، وصل ذلك التغيير في تلك الأعصاب التي في مقدم الدماغ، والتي منشؤها من هناك كلها، فتجتمع آثار المحسوسات عند القوة المتخيلة، كما تجتمع رسائل أصحاب الأخبار عند صاحب الخريطة، فيوصل تلك الرسائل كلها إلى حضرة الملك. ثم إن الملك يقرؤها ويفهم معانيها، ثم يسلمها إلى خازنه ليحفظها، فيحفظها إلى وقت الحاجة إليها.
فهكذا حكم القوة المتخيلة إذا اجتمعت عندها آثار هذه المحسوسات التي أدتها إليها القوة الحساسة، دفعتها إلى القوة المفكرة التي مسكنها وسط الدماغ، لتنظر فيها وترى في معانيها، ثم يسلمها إلى خازنه ليحفظها، فيحفظها إلى وقت الحاجة إليها.
अज्ञात पृष्ठ