तारिक इखवान सफा
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
शैलियों
واعلم أن الريح ليست شيئا سوى تموج الهواء بحركته إلى الجهات الست، كما أن أمواج البحر ليست شيئا سوى حركة الماء وتدافع أجزائه إلى الجهات الأربع. وذلك أن الماء والهواء بحران واقفان، غير أن أجزاء الماء غليظة ثقيلة الحركة، وأجزاء الهواء لطيفة خفيفة الحركة.
واعلم يا أخي أن أحد أسباب حركة الهواء، هو أن صعود البخار من البحار والبراري والقفار، أثار من البحار بخارا رطبا، ومن البراري والقفار دخانا يابسا، فيدفع الهواء بعضه بعضا إلى الجهات، فيتسع المكان للبخارين الصاعدين. فإن كان الدخان اليابس أكثر، كانت منه الرياح؛ لأن تلك الأجزاء إذا صعدت إلى أعلى كرة النسيم وبردت ومنعها برد الزمهرير عن الصعود إلى فوق، عطفت عند ذلك راجعة إلى أسفل، ودافعت الهواء إلى الجهات الأربع، فكانت منها الرياح المختلفة.
واعلم أن الرياح كثيرة التصاريف في الجهات الست، ولكن جملتها أربعة عشر نوعا، المعروف منها عند جمهور الناس أربع ... وذلك أن الهواء إذا تموج من المشرق إلى المغرب، يسمى ذلك التموج ريح الصبا، وإذا تموج من الجنوب إلى الشمال يسمى التيمن، وإذا تموج من المغرب إلى المشرق يسمى الدبور، وإذا تموج من الشمال إلى الجنوب يسمى الجريباء ...
وأما التي تهب من أسفل إلى فوق، فمنها تكون الزوابع، وهما ريحان تلتقيان وتصعدان، كما يلتقي الماء في الكرادات وعند نزوله في البلاليع والثقب. وأما التي تهب من فوق إلى أسفل، فمنها الريح الصرصر التي أهلكت عادا ...
وإذا ذكرنا ماهية الريح وكمية أنواعها وجهات هبوبها، فإنا نريد أن نذكر علة تصاريفها في الجهات، وما الغرض منها، وذلك أن أحد الأغراض من تصاريفها هو أن تسوق الغيم من سواحل البحار إلى البلدان البعيدة والبراري المقصودة بها.
وأيضا فإن أحد الأغراض من الجبال الشامخة الطوال المسطوحة على بسيط الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا هو أن تمنع الرياح من سوق السحاب إلى غير البلدان والبراري المقصودة بها ... ولهذه الجبال الشامخة غرض آخر، وذلك أن في أجوافها مغارات وأهوية واسعة، فإذا هطلت في رءوسها الأمطار والثلوج وذابت، غاضت المياه في تلك المغارات والأهوية، وصارت فيها كالمخزونة. وفي أسفل تلك الجبال منافذ ضيقة تخرج منها المياه المخزونة في تلك المغارات والأهوية، وهي العيون، وتجري منها جداول، وتسير منها أودية وأنهار تجري فتسقي الزروع والأشجار، وما يفضل منها ينصب إلى البحار والآجام والغدران، وتلطفها الشمس وتصعدها بخارا من الرأس، وتكون منها الغيوم والسحاب، وتسوقها الرياح إلى المواضع المقصودة بها، كما كان عام أول. وذلك دأبها أبدا، ذلك تقدير العزيز العليم ...
واعلم يا أخي أنه إذا ارتفعت البخارات في الهواء، وتدافع الهواء إلى الجهات، ويكون تدافعه إلى جهة أكثر من جهة، ويكون من قدام له جبال شامخة مانعة، ومن فوق له برد الزمهرير مانع، ومن أسفل مادة البخارين متصلة، فما يزال البخاران يكثران ويغلظان في الهواء، وتتداخل أجزاء البخارين بعضها في بعض، حتى يسخن ويكون منها سحاب مؤلف متراكم. وكلما ارتفع السحاب بردت أجزاء البخارين، وانضمت أجزاء البخار الرطب بعضها إلى بعض، وصار ما كان دخانا يابسا ريحا، وما كان بخارا رطبا ماء وأنداء. ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعض، وتصير قطرا بردا؛ وتثقل فتهوي راجعة من العلو إلى السفل، فتسمى حينئذ مطرا ... وإن ارتفعت تلك البخارات في الهواء قليلا، وعرض لها البرد، وصارت سحابا رقيقا، وإن كان البرد مفرطا جمد القطر الصغار في حلل الغيم، فكان من ذلك الجليد أو الثلج ... فإن عرض لها برد مفرط في طريقها جمدت وصارت بردا قبل أن تبلغ إلى الأرض ... ... وأما البروق والرعود فإنهما يحدثان في وقت واحد، ولكن البرق يسبق إلى الأبصار قبل الصوت إلى المسامع؛ لأن أحدهما روحاني الصورة وهو الضوء، والآخر جسماني وهو الصوت ... وأما علة حدوثهما فهي البخاران الصاعدان إذا اختلطا في الهواء، والتف البخار الرطب على البخار اليابس الذي هو الدخان، واحتوى برد الزمهرير على البخار الرطب، وضغطهما، فانحصر البخار اليابس في جوف البخار الرطب، والتهب في جوف البخار الرطب، وطلب الخروج دفعة، وانخرق البخار الرطب، وتفرقع من حرارة الدخان اليابس، كما تتفرقع الأشياء الرطبة إذا احتوت عليها النار دفعة واحدة، وحدث من ذلك قرع في الهواء، واندفع إلى جميع الجهات ... وانقدح من خروج ذلك البخار اليابس الدخاني ضوء يسمى البرق، كما يحدث من دخان السراج المنطفئ إذا أدني من سراج مشتعل ثم ينطفئ . وربما يذوب ذلك البخار ويصير ريحا، ويدور في جوف السحاب، ويطلب الخروج، فيسمع له دوي وتقرقر، كما تسمع من الجوف المنتفخ ريحا. وربما ينشق السحاب دفعة واحدة بشدة، فيكون من ذلك صوت هائل يسمى صوت الصاعقة ... فإنها تقتل كثيرا من الحيوانات القريبة منها ومن الناس أيضا ... وكذلك حكم البروق أيضا، وذلك أن من شأن النار أن تتحرك إلى فوق، فإذا منعها السحاب المتراكم رجعت منحطة إلى الأرض، فأحرقت ما أتت عليه من الحيوان والنبات.
وأما الهالة التي تكون حول الشمس والقمر، فإنها تدل على المطر ورطوبة الهواء. وذلك أنها تحدث في أعلى سطح كرة النسيم وقتما يرتفع البخار إلى هناك، ويأخذ يتألف منه الغيم. وعلتها أن النيرين إذا أشرقا على ذلك السطح انعكس شعاعهما، من هناك إلى فوق، وحدث من ذلك الانعكاس دائرة كما يحدث من إشراقهما على سطح الماء. ويشف رسم تلك الدائرة من تحت ذلك الغيم الرقيق ...
وأما قوس قزح فإنه يحدث في سمك كرة النسيم عند ترطيب الهواء مشبعا، ولا يكون وضعه إلا منتصبا قائما، وحدبته إلى فوق مما يلي سطح كرة الزمهرير، وطرفاه إلى أسفل مما يلي وجه الأرض. ولا يكاد يحدث إلا في طرفي النهار في الجهة المقابلة لموضع الشمس مشرقا أو مغربا ... وأما علة حدوث هذا القوس فهي أيضا إشراق الشمس على أجزاء ذلك البخار الرطب الواقف في الهواء، وانعكاس شعاعها منه إلى ناحية الشمس. وأما أصباغه التي ترى فهي أربعة ... هذه القوس إذا حدثت وكانت أصباغها مشبعة، تدل على ترطيب الهواء وكثرة العشب والكلأ وزكاء ثمر الشجر وحب الزرع، فيكون ظهورها ورؤيتها كالبشارة قدمتها الطبيعة للحيوان والناس ... وأما ترتيب ألوانها فإن الحمرة أبدا تكون فوق الصفرة والصفرة دونها، والزرقة دون الخضرة فإن وجدت قوسا أخرى دونها، ترتبت هذه الألوان في القوس السفلي عكس ذلك. ... وأما الحوادث التي في سمك كرة الزمهرير فهي الشهب ... وأما هيولاها ومادتها فهو الدخان اليابس اللطيف، الصاعد من الجبال والبراري؛ فإذا بلغت تلك المادة في صعودها إلى الفصل المشترك بين كرة الزمهرير وبين كرة الأثير، استدارت هناك وتشكلت واشتعلت فيها نار الأثير، كما تشتعل نار السراج في دخان السراج المنطفئ، وكما تشتعل نار البرق في الدخان اليابس الدهني الذي في السحاب، وكما تشتعل النار في النفط الأبيض ثم تفنيه بسرعة فينطفئ. ومما يدل على أن مادتها دخان يابس كثرة ما يرى منها في سني الجدب.
وأما كيفية تشكل هذه الدخانات، إذا صعدت إلى هناك واشتعلت فيها النار، فإنها إذا اعتبرت بالفكر، وجدت تارة كأنها أعمدة مخروطة قائمة قاعدتها مما يلي كرة النار، ومخروطها مما يلي وجه الأرض. ودليل ذلك أنه إذا اشتعلت النار فيها ترى عظيمة الاشتعال، ثم لا تزال تصغر وتنخرط وتقل حتى تنطفئ.
अज्ञात पृष्ठ