तारिक इखवान सफा
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
शैलियों
وأما نشوء العدد الكسور من الواحد على هذا المثال الذي أقول: إنه إذا رتب العدد الصحيح على نظمه الطبيعي الذي هو واحد، اثنان، ثلاثة ... عشرة؛ ثم أشير إلى الواحد من كل جملة، فإنه يتبين كيف يكون نشوءه من الواحد، وذلك أنه إذا أشير إلى الواحد من الاثنين، يقال للواحد عند ذلك نصف، وإذا أشير إلى الواحد من جملة ثلاثة فيقال له الثلث ... وأيضا إذا أشير إلى الواحد من جملة الأحد عشر فيقال له جزء من أحد عشر ... وعلى هذا المثال يعتبر سائر الكسور.
إذا تأملت ما ذكرنا من تركيب العدد من الواحد الذي قبل الاثنين، ونشوئه منه، وجدته من أدل الدليل على وحدانية الباري - جل ثناؤه - وكيفية اختراعه الأشياء وإبداعه لها. وذلك أن الواحد الذي قبل الاثنين، وإن كان منه يتصور وجود العدد وتركيبه، فهو لم يتغير عما كان عليه، ولم يتجزأ؛ كذلك الله، عز وجل، وإن كان هو الذي اخترع الأشياء من نور وحدانيته، وأبدعها وأنشأها، وبه قوامها وبقاؤها وتمامها وكمالها، فهو لم يتغير عما كان عليه من الوحدانية قبل اختراعه وإبداعه لها. فقد أنبأناك بما ذكرنا من أن نسبة الباري - جل ثناؤه - من الموجودات كنسبة الواحد من العدد، وكما أن الواحد أصل العدد ومنشؤه وأوله وآخره، كذلك الله عز وجل هو علة الأشياء وخالقها وأولها وآخرها، وكما أن الواحد لا جزء له ولا مثيل في العدد، فكذلك الله - جل ثناؤه - لا مثل له في خلقه ولا شبه؛ وكما أن الواحد محيط بالعدد كله ويعده، كذلك الله، جل جلاله، عالم بالأشياء وماهيتها» (1: 1، 49-55) ... «وأما قولنا: إن الواحد أصل العدد ومنشؤه فهو أن الواحد إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود، لم يرتفع الواحد» (1: 1، 57).
ولكن الباري، جل ثناؤه، لا يباشر الأجسام بنفسه، ولا يتولى الأفعال بذاته. (19: 2، 128)، والعالم ليس صنعة يديه، وإنما أظهره إلى الوجود عبر مراحل وسيطة، وبواسطة عملية الفيض: «واعلم يا أخي أن الباري - جل ثناؤه - أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهر بسيط يقال له: العقل الفعال، كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار. ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين. ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس، كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة. ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتبها بتوسط العقل والنفس، كما أنشأ سائر العدد من الأربعة، بإضافة ما قبلها إليها» (1: 1، 54). «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن العدد كله آحاده وعشراته ومئاته وألوفه، أو ما زاد بالغا ما بلغ، فأصلها كلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه «1، 2، 3، 4». وذلك أن سائر الأعداد كلها من هذه يتركب ... بيان ذلك أنه إذا أضيف واحد إلى الأربعة، كانت خمسة، وإن أضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة؛ وإن أضيف ثلاثة إلى أربعة، كانت سبعة؛ وإن أضيف واحد وثلاثة إلى أربعة كانت ثمانية؛ وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة، كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى أربعة، كانت عشرة. وعلى هذا المثال حكم سائر الأعداد» (1: 1، 53).
وأيضا: «اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن أول شيء اخترعه الله - جل ثناؤه - وأوجده جوهر بسيط روحاني في غاية التمام والكمال والفضل، فيه صور جميع الأشياء يسمى العقل الفعال؛ وأن من ذلك الجوهر فاض جوهر آخر يسمى النفس الكلية؛ وانبجس من النفس جوهر آخر يسمى الهيولى الأولى؛ وأن الهيولى الأولى قبلت المقدار الذي هو الطول والعرض والعمق، فصارت بذلك جسما مطلقا وهو الهيولى الثانية.
ثم إن الجسم قبل الشكل الكري، الذي هو أفضل الأشكال، فكان من ذلك عالم الأفلاك والكواكب ما صفا منه ولطف، الأول فالأول من لدن الفلك المحيط إلى منتهى فلك القمر، وهي تسع أكر بعضها في جوف بعض: فأدناها إلى المركز فلك القمر، وأبعدها وأعلاها الفلك المحيط، ويسمى أيضا الفلك الحامل للكل الذي هو ألطف الأفلاك جوهرا وأبسطها جسما، ثم دونه فلك الكواكب الثابتة، ثم دونه فلك زحل، ثم دون فلك المشتري، ثم دونه فلك المريخ، ثم دونه فلك الشمس، ثم دونه فلك الزهرة، ثم دونه فلك عطارد، ثم دونه فلك القمر، ثم دون فلك القمر الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، فالأرض هي المركز وهي أغلظ الأجسام جوهرا وأكثفها جرما» (32: 3، 187). (راجع الشكل
2-1
في الفصل الثاني).
بهذا المنهج العقلاني البعيد عن الفكر الأسطوري الذي يميز عادة نظريات التكوين الدينية، يتابع الإخوان رؤيتهم للنشأة الأولى: «ولما ترتبت هذه الأكر بعضها في جوف بعض ... ودارت الأفلاك بأبراجها وكواكبها على الأركان الأربعة، وتعاقب عليها الليل والنهار والشتاء والصيف والحر والبرد، واختلط بعضها ببعض، فامتزج اللطيف منها بالكثيف، والثقيل بالخفيف، والحار بالبارد، والرطب باليابس، تركبت منها على طول الزمان أنواع التراكيب التي هي المعادن والنبات والحيوان. فالمعدن هو كل ما انعقد في باطن الأرض وقعر البحار وجوف الجبال من البخارات المتحللة والدخانات المتصاعدة، والرطوبات المحتقنة في المغارات والأهوية. والترابية عليها أغلب. وأما النبات فهو كل ما نجم على وجه الأرض من العشب والكلأ والحشائش والبقول والزروع والأشجار. والمائية عليها أغلب. وأما الحيوان فهو كل جسم يتحرك ويحس وينتقل من مكان إلى مكان بجثته. والهوائية عليه أغلب.
فالمعادن أشرف تركيبا من الأركان [الأربعة]، والنبات أشرف تركيبا من المعادن، والحيوان أشرف تركيبا من النبات، والإنسان أشرف تركيبا من جميع الحيوان. والنارية عليه أغلب. وقد اجتمع في تركيب الإنسان جميع معاني الموجودات من البسائط والمركبات التي تقدم ذكرها؛ لأن الإنسان مؤلف من جسد غليظ جسماني، ومن نفس بسيطة روحانية» (32: 3، 188).
إن أفضل ما يمكن أن نشبه به فيض الباري عز وجل، هو النور الذي يفيض من عين الشمس بشكل متصل لا ينقطع: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الله تعالى لما كان تام الوجود، كامل الفضائل عالما بالكائنات قبل كونها، قادرا على إيجادها متى شاء، لم يكن من الحكمة أن يحبس تلك الفضائل في ذاته لا يجود بها ولا يفيضها. فإذا بواجب الحكمة أفاض الجود والفضائل منه كما يفيض من عين الشمس النور والضياء، ودام ذلك الفيض منه متصلا متواترا غير منقطع، فيسمى أول ذلك الفيض العقل الفعال، وهو جوهر بسيط روحاني، نور محض، في غاية التمام والكمال والفضائل، وفيه صور جميع الأشياء، كما تكون في فكر العالم صور المعلومات. وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل، وهي النفس الكلية، وهي جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل الفعال على الترتيب والنظام، كما يقبل التلميذ من الأستاذ التعليم. وفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمى الهيولى الأولى، وهي جوهرة بسيطة روحانية ، قابلة من النفس الصور والأشكال بالزمان شيئا بعد شيء. فأول صورة قبلتها الهيولى الطول والعرض والعمق، فكانت بذلك جسما مطلقا وهو الهيولى الثانية. ووقف الفيض عند وجود الجسم ولم يفض منه جوهر آخر لنقصان رتبته عن الجواهر الروحانية، وغلظ جوهره، وبعده عن العلة الأولى.
अज्ञात पृष्ठ