تنهدت قائلة: بل هربت. - هربت؟ - هربت بعد معاشرة أعوام وأنا حبلى، هربت مع رجل من أعماق الطين!
بذهول وهو يهز رأسه: شيء لا يصدق! - وبعد قليل ستتهمني بأنني المسئولة عن ورطتك! - لن أتهمك بشيء؛ فحسبنا ما بنا، ولكن ألم يبحث عنك؟ - لا أدري، هربت إلى الإسكندرية، ثم لم أسمع عنه شيئا، وكثيرا ما توقعت أن ألقاه يوما في أحد بيوتي، ولكن عيني لم تقع عليه.
ضحك في فتور، ثم قال: وبعد ثلاثين عاما تدفعينني للبحث عنه! - اليأس يدفعنا إلى ما هو أغرب من ذلك، وستكون معك شهادة الزواج، وستكون معك أيضا صورة الزفاف، وسوف ترى بعينيك أنك صورة منه. - عجيب أن تحتفظي بالشهادة والصورة! - كنت أفكر في مستقبلك، وكنت فتاة فقيرة تعيش في كنف بلطجي، ولما أتاني صدقت نيتي على الاستئثار بك. - ومع ذلك لم تتخلصي من بقايا الذكريات.
جففت وجهها وعنقها بحركة حادة بعض الشيء، وقالت: هممت بذلك مرات ثم عدلت، كأن ركنا في كان يتنبأ بما سيقع.
راح يذرع الحجرة في حيرة، ثم وقف أمام السرير وهو يسأل: وإذا بعد الجهد والتعب أنكرني؟ - من يرى بهاء صورتك وينكرك؟!
عاد إلى الجلوس وهو يقول: القاهرة مدينة كبيرة وأنا لم أزرها من قبل. - من قال إنه اليوم في القاهرة؟ لم لا يكون في الإسكندرية، أو في أسيوط، أو دمنهور؟ الحق أنه لم يطلعني على حال من أحواله، أين هو اليوم؟ ماذا يعمل؟ أهو أعزب أم متزوج؟ الله وحده يعلم.
فلوح بيده كالغاضب، وقال: وكيف يراد مني العثور عليه؟ - ليس ذلك يسيرا بطبيعة الحال، ولكنه ليس بالمحال، وأنت لك معارف من ضباط البوليس والمحامين، وليس من شخصية كبيرة إلا ولها في القاهرة مقام. - أخشى أن ينفد مالي قبل العثور عليه. - لذلك يجب ألا تتوانى عن البحث.
وتفكر قليلا، ثم سأل: وهل هو يستحق يا ترى كل هذا التعب؟ - بلا أدنى شك يا بني، ستجد في كنفه الاحترام والكرامة، وسيحررك من ذل الحاجة إلى أي مخلوق بما سيهيئ لك من عمل غير البلطجة أو الجريمة، فتظفر آخر الأمر بالسلام. - وإن وجدته فقيرا! ألم تكوني أنت غنية لا يحيط بثروتك حصر؟ - أؤكد لك أن المال ليس إلا حسنة من حسناته، وقد كنت غنية حقا، ولكني لم أهيئ لك كرامة، ولا عملا، ولا سلاما، وكنت تسير ملوحا بلكمتك لتخرس الألسنة المتوثبة للنيل منك ومن أمك.
عاد إلى التفكير فخيل إليه أنه يحلم، ثم سألها: هل تؤمنين حقا بأنني سأعثر عليه؟ - شيء يحدثني بأنه حي، وأنك إذا لم تيئس أو تتوان فسوف تعثر عليه.
هز رأسه وهو بين الحيرة واليأس، وتمتم: هل حقا أمضي للبحث عنه؟ وإذا علم أعدائي بهذه الحكاية أفلن يجعلوا مني نادرة جنونية؟ - وماذا يقولون إذا وجدوك آخر الأمر قوادا؟ الحق أنه لا خيرة لك فيما أنت ذاهب إليه.
अज्ञात पृष्ठ