سكت صابر مليا، فقال إحسان الطنطاوي بلهجة جدية: هذا سؤال على مستوى التحقيق.
آه، هذه الطفلة الكبيرة، لعلها على استعداد للميل إليه، وهي طاقة من عبير لطيف يدعو إلى استباحة الأسرار، ليست كالنار التي صهرته بالفندق، وقال: يا آنسة إلهام أنا رجل غريب في بلدكم. - غريب؟ - أجل، أنا في الأصل من الإسكندرية وجئت القاهرة أمس، فأنا غريب في بلدكم، ويهمني جدا العثور على ذلك الرجل، وإني أستبشر خيرا بوجهك!
ابتسمت بشجاعة الفتاة العاملة. ومرة أخرى تذكر نشوة النبيذ بتافرنا على أنغام الكمان.
4
غادر الجريدة وموظفو الإدارة يتأهبون للانصراف. خطر له أن ينتظر قليلا ليلقي نظرة أخيرة على إلهام، فوقف ضمن الواقفين تحت مظلة محطة للباص. إشعاعها اللطيف لم يزل ناشبا في خياله، وقد تخفف من عبء البحث إلى حين بوضع ثقته الكاملة في الإعلان. وجرى هواء مائل للبرودة في جو أبيض امتص لونه من سحاب ناصع البياض، فأضفى على الدنيا حلما رائقا. ورأى إلهام وسط مجموعة من الشبان والشابات وقفوا أمام الجريدة متبادلين كلمات سريعة وابتسامات قبل الافتراق، ثم عبرت الفتاة شارعا جانبيا للجريدة إلى محل صغير يدعى فتركوان واختفت داخله. تبعها بلا تردد، ثم نظر إلى الداخل من خلال حاجز زجاجي، فرآها جالسة إلى مائدة منفردة، وتبين حقيقة المحل وهو مطعم للشطائر ومشرب للعصير والقهوة. دخل كأنما يقصد البوفيه ثم لمحها - مصادفة - فتهلل وجهه، ومضى إلى مائدتها في أقصى المحل، والنادل يضع أمامها طبقا بالشطائر وكوبا من عصير البرتقال: مصادفة جميلة جدا، هل تسمحين لي بمشاطرتك المائدة؟
قالت دون حماس ودون فتور: تفضل.
وطلب غداء كغدائها، وزاد انتعاشا بإشعاعاتها التي ترفعه إلى مستوى غير مألوف في علاقاته مع الناس. وشعر ببهجة غريبة: لا شك أني أبدو ثقيلا، ولكن هكذا يبدو الغريب. - إني أرحب بالغرباء. - شكرا، أقصد أن لهفة الغريب على التعرف بالناس تنفرهم منه؟ - ليس في مشاركة عابرة كهذه ما ينفر إطلاقا.
وشكرها، ثم تناول أولى شطائره. - لعلك ذاهبة إلى السينما؟ - كلا، ولكننا نستأنف العمل في الجريدة بعد ساعتين أو أكثر قليلا، ولما كان بيتي في أقصى الجيزة والمواصلات كما تعلم، فإنني أفضل كثيرا أن أتناول طعامي هنا. - وهل تبقين هنا طول الوقت؟ - بعض الوقت، وأتمشى على النيل البعض الآخر.
وراحا يتناولان طعامهما. واسترق - كلما وجد فرصة - النظر إلى فيها وهو يمضغ الطعام، وإلى أصابع يديها، متمليا ما أمكن زرقة العينين في البشرة السمراء. - ماذا ترين في الإعلان، هل يحقق المقصود منه؟ - هو كذلك دائما.
قصد أن يوقظ حب استطلاعها، ولكنها لم تتماد في الكلام، فقال: كم تهمني النتيجة! - أحقا لا تعرف شيئا عن الرجل الذي تبحث عنه؟ - عندي صورة وبعض معلومات طفيفة.
अज्ञात पृष्ठ