समृद्धि का युग: अरब राष्ट्र का इतिहास (भाग पांच)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
शैलियों
ومنهم من يقول: إن الفضل بن الربيع هو الذي ما يزال يسعى بهم عند الرشيد حتى كرههم.
ومن المؤرخين المحدثين من يزعم أن السبب في ذلك هو نزعتهم الاعتزالية.
ومنهم من يرى أن السبب هو اكتشاف مبادئهم الكسروية، وسعيهم إلى إعادة المجد الفارسي والميل إلى الشعوبية وتأييد دعاتها.
هذا عرض موجز لآراء من تعرضوا لحديث النكبة، وقبل أن نبين رأينا فيها نحب أن نشير إلى أن الرشيد ما فعل فعلته ارتجالا كما يقول البعض مثل «خدابخش» و«المدور»، ولكنه كان ينوي ذلك منذ زمن قديم، يقول ابن عبد ربه في العقد نقلا عن إسحاق بن علي بن عبد الله بن عباس: إن الرشيد أخبره بشكه في تصرفات البرامكة وشاوره في أمرهم، ثم كان قتله إياهم بعد ست سنين من تاريخ ذلك اليوم (العقد، 3: 263)، والذي نراه أن الرشيد إنما فتك بهم لاستبدادهم بشئون الدولة دونه في الإدارة والسياسة أولا، ثم لسيطرتهم على مواردها ثانيا، ويقول ابن خلدون (المقدمة، ص5): «إنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة واحتجانهم أموال الجباية، حتى كان «الرشيد» يطلب المال فلا يصل إليه.» وإذا عرفنا أن الأموال التي صودرت منهم بعد النكبة بلغت من النقد نحوا من ثلاثين ألف ألف (مليون) وستمائة وستين ألف درهم، هذا عدا غلات ضياعهم ودورهم ورياشهم التي بلغت حد الخرافة في أثمانها وإتقانها، تبين لنا مبلغ ما احتجنوه من الأموال، ولم تكن الأموال هي السبب الرئيسي في ذلك، بل ما كان يصحبها من استبدادهم، فقد روى الطبري في تاريخه (10: 80): «إن ثمامة بن أشرس قال: أول ما أنكر يحيى بن خالد من أمره أن محمد بن الليث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه فيها، ويذكر أن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيئا، وقد جعلته بينك وبين الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يديه، فسألك عما عملت في عباده وبلاده، فقلت: يا رب إن استكفيت يحيى أمور عبادك، أتراك تحتج بحجة يرضى بها؟»
وكان محمد بن الليث هذا من عقلاء القوم ومخلصيهم، وقد تأثر الرشيد جدا بهذه الرسالة، ولكن يحيى استطاع أن يكيد له ويسجنه في سجن «المطبق» إلى ما بعد النكبة، ولما أخرجه الرشيد من سجنه وقال له بعد حديث طويل: «أتحبني؟ قال: لا والله؛ وضعت في رجلي الأكبال، وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت سوى قول حاسد يكيد للإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله.» فأنت ترى من هذا سبب حملته على البرامكة هو كيدهم للإسلام وتقريبهم لملاحدة الفرس، وفي هذا القول بعض الحق، فإن البرامكة كانوا فرسا متعصبين لفارسيتهم، وقد ظهر هذا التعصب في مواطن عديدة، فمن ذلك أن يحيى بن خالد وطد أقدام «بني سهل» في الدولة، وكان هؤلاء مجوسا متعصبين ضد العرب، ولما أراد الرشيد تقريب بعض العرب ووضعهم في المناصب الكبيرة حاول يحيى وأولاده تغيير رأيه، كمحاولة يحيى عدم تولية يزيد بن مزيد الشيباني قيادة الجيش الذي بعثه الخليفة لقتال الوليد بن طريف الشاري، ويجب أن لا ننسى أيضا أن الحسد قد لعب دورا كبيرا في تبغيض الرشيد بالبرامكة، وكان بطل هذا التبغيض شخصين؛ «أولهما» السيدة زبيدة زوجة الرشيد التي كانت تكرههم لحدهم من تصرفاتها، ولقيام جعفر بأمور المأمون ونعيه لدى الرشيد بتوليته بعد ابنه الأمين، و«الثاني» هو الفضل بن الربيع حاجب الرشيد الذي قال عنه ابن خلكان (الوفيات، 1: 412): «وسعى الفضل بهم، وتمكن بالمجالسة مع الرشيد فأوغر قلبه عليهم، ومالأه بها على ذلك كاتبهم إسماعيل بن صبيح، وكان الفضل يراقب حركاتهم، فلما أطلق جعفر يحيى بن عبد الله العلوي أخبر الرشيد بذلك، فغضب غضبا شديدا وأسرها له منذ ذلك الحين، ولما اجتمعت هذه الأسباب عزم الرشيد على تنفيذ الخطة التي رسمها للفتك بهم، فخرج إلى الحج واصطحبهم معه، وهو ينوي لهم الكيد، وكان ذلك سنة 187ه، فلما وصل الأنبار أمر بقتل جعفر، وكان عمره 37 سنة، ثم أمر بالإحاطة بيحيى وولديه الفضل ومحمد ومصادرة أموالهم، وأرسل من ليلته إلى سائر البلاد بقبض أموالهم ووكلائهم ورقيقهم، ثم أمر بسجنهم، وقد عوملوا في سجنهم أول الأمر بشيء من الاحترام، ولكنهم لما اتهموا بالمؤامرة وهم في السجن مع عبد الملك بن صالح بن علي ضد الرشيد ضيق عليهم وظل يحيى في سجنه حتى مات سنة 190ه، وكذلك الفضل إلى أن مات سنة 193ه، ولما أفضت الخلافة إلى الأمين أطلق محمدا وموسى ابني يحيى، ووصل جماعة من البرامكة من الرجال والنساء ببعض المال وأكرمهم، وكذلك كان حالهم أيام المأمون» (الطبري، 10: 109؛ والجهشياري، ص297).
وهكذا انتهت دولة البرامكة، وقد انقسم المؤرخون في سردها قسمين: مناصر ومعاد، وكل يبالغ في أقواله حتى تعقدت أخبارها وأصبح استخراج الحقائق منها أمرا عسيرا، ومهما يكن من شيء فإن للبرامكة آثارا لا تنكر في تنظيم الدولة العباسية وإحياء الثقافة ونشر العلم وبث الجود، كما أن لهم مساوئ؛ منها: إحياء الروح العنصرية الفارسية، وتقوية فكرة الاستبداد، والعمل على تجزئة الدولة وتقوية عناصر التحزب والانقسامات فيها، ويزعم بعض المؤرخين «أن الفتك بهم كان أول ركيزة انهدمت من ركائز الدولة»، وهذا قول مبالغ فيه؛ فإن الرشيد كان في أوج قوته والدولة عزيزة به، ولكن الشيء الذي يمكن أن نقوله ها هنا هو أن العناصر الفارسية أخذت تكيد للدولة منذ ذلك الحين وتعمل على هدمها، وقد تجلى ذلك في الفتنة بين الأمين والمأمون كما سنرى بعد. (5) الأحوال الإدارية في عصره (5-1) الوزارة، الإدارة، الخراج
رأينا أن الرشيد كان أول ما استخلف قد عهد بوزارته وإدارة دولته إلى يحيى بن خالد البرمكي الذي كان كاتبه ونائبه قبل الخلافة، وكان يحيى هذا عالما كاتبا عاملا حازما جوادا، نهض بأعباء الدولة أتم النهوض، وسد الثغور، وتدارك الخلل، وجبى الأموال، وعمر الأرض، وأظهر رونق الخلافة، وتصدى لمهمات المملكة، وكان أولاده الفضل وموسى وجعفر ومحمد وأولادهم يعاونونه في أعمال الوزارة والإدارة، سواء أكان ذلك في المركز أو في الأقاليم.
أما «الفضل» فكان أكبرهم ورأسهم، وقد ولد سنة 148ه، وهو أخو الرشيد رضاعا، وكان ينوب عن أبيه في الوزارة، ولما ولد الأمين جعله الرشيد تحت رعايته، وولاه بلاد الري وجوزجان وطبرستان وخراسان، وكان نزيها محمود السيرة رءوفا بالناس، وكانوا يسمونه «الوزير الصغير» وأباه «الوزير الكبير».
وأما «جعفر» فكان حسن الخلق جم العلم عالي الهمة قريبا من قلب الرشيد، ولاه مصر ثم خراسان، وبعثه إلى الشام مرات لتهدئة الثورات فيها فأحسن تصريف الأمور.
وأما «موسى» فكان أشجعهم، وكان معروفا بنبله وفروسيته، ولاه الرشيد الشام فأحسن الإدارة فيها، ونشر في الناس العدل والفضل، وإن لم يكن له شهرة أخويه.
अज्ञात पृष्ठ