समृद्धि का युग: अरब राष्ट्र का इतिहास (भाग पांच)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
शैलियों
محمد أسعد طلس
الكتاب الأول
تاريخ دولة بني العباس
الفصل الأول
كلمة في منشأ هذه الدولة
وأحوالها وأنظمتها
يقول بعض المؤرخين المحدثين: إن دولة بني أمية هي الدولة العربية الخالصة، أما دولة بني العباس فدولة عربية شكلا أعجمية حقيقة، ولو أتيح للعنصر العربي في العصر العباسي بما أتيح له في العصر الأموي لأتى بالعجب العجاب، ولكن الطغيان الأعجمي الذي طغى على العنصر العربي قد بدل الوضع وأفسد القضية العربية ... يقول الجاحظ في «البيان والتبيين»: «إن دولة بني العباس أعجمية خراسانية، ودولة بني مروان أموية عربية ...» ويقول المسعودي في «مروج الذهب» في معرض حديثه عن قيام الدولة العباسية وزوال الدولة الأموية: «سقطت قيادات العرب وزالت رياستها ...»
وهذه الأقوال السابقة تدل على أنه بانتقال الملك من بني أمية إلى بني العباس ضعف شأن العرب وخضدت شوكتهم، وهو قول صحيح بعض الشيء، فقد كان السلطان العربي في العصر الأموي سلطانا قويا بارز القسمات في كل شيء؛ فالولاية للعربي، والقضاء للعربي، والأرض للعربي، والناس كلهم من أسود وأصفر وأسود دونه، بل خول له، وسواد العراق هو بستان لقريش، تنال ثماره وتستغل عقاره؛ هذا قول صحيح، ولكنه - في رأينا - قول مبالغ فيه؛ فقد كان العربي كل شيء في العصر الأموي، ولكنه ظل في العصر العباسي ذا نفوذ وسلطان، وإن كان لا يضاهي نفوذه وسلطانه في العصر الأموي، فما استطاع العنصر الأعجمي في الدولة العباسية الجديدة أن يقضي على النفوذ العربي تماما، وإن استطاع أن يهون من أمره بعض التهوين. يقول الدكتور عبد العزيز الدوري في معرض حديثه عن نشأة الدولة العباسية بعد عرضه للنظرية السابقة: «ولعل هذه الأقوال صحيحة في أساسها، لكنها متطرفة على ما أرى، فمن المبالغة أن نقول بأن سلطان العرب ينتهي بسقوط الأمويين، فالخلفاء العباسيون كانوا عربا هاشميين (من جهة الأب على الأقل)، وكانوا يعتزون بنسبهم ويعتبرونه أكبر مناقبهم، ومع أنهم قربوا الفرس إلا أنهم سيطروا عليهم فنكلوا بهم حين شعروا بتعاظم نفوسهم، كما فعل أبو العباس بالخلال، والمنصور بأبي مسلم، والرشيد بالبرامكة، والمأمون بالفضل بن سهل، وقد أعطيت بعض المناصب الهامة كالوزارة إلى الفرس، ولكن عددا كبيرا من الولاة والقواد كانوا عربا في العصر العباسي الأول، فإن كثيرا من أصحاب المناصب في الدولة الجديدة كانوا عربا.» وإن ما يذكره الدوري صحيح، إلا أن أصحاب تلك النظرية قالوا: إن السلطان العربي قد اضمحل، وإن الدولة قد اصطبغت بصبغة أعجمية بعد أن كانت عربية خالصة، وقد اختص آل العباس الأعاجم بصورة عامة، والخراسانيين بصورة خاصة، ولا غرو فإنهم كانوا عماد دولتهم وموئل حركتهم، أما العرب فقد فقدوا كثيرا من امتيازاتهم التي كانت لهم في العصر الأموي، سواء أكان ذلك في الوظائف الكبرى، أو في الإقطاعات التي يأخذونها، أو في النفوذ بصورة عامة.
يقول المسعودي في المروج: «إن المنصور هو أول خليفة استعمل مواليه وغلمانه وصرفهم في مهماته، وقدمهم على العرب، فامتثلت الخلفاء ذلك من بعده.» وقد كان من نتائج هذا التقلص لنفوذ العرب وبروز السلطان الأعجمي أن دخلت النظم الأعجمية من فارسية وغير فارسية في الدولة الجديدة، ومن أبرز هذه النظم تلك النزعة الكسروية الساسانية الاستبدادية، وما إليها من المراسيم والتقاليد التي كانت قد بدأت في الظهور أيام بني أمية، فإذا هي في ظل الدولة الجديدة تترعرع بقوة وعزة، وقد بعدت الشقة بين الدولة وبين القبيلة والبادية العربية بعدا شاسعا، أما في العصر الأموي فعلى الرغم من محاولة خلفائه اقتباس النظم والتقاليد الأعجمية، فإن صلة الخلفاء والأمراء بالقبيلة العربية وتقاليدها وآدابها الموروثة كانت ذات أثر ملموس واضح.
ومما يلاحظ أيضا في هذه الدولة الجديدة أنها ألبست دعوتها لباسا دينيا، فادعى أصحاب الدعوة الأولين أنهم إنما قاموا بدعوتهم اتباعا لكتاب الله، وإحقاقا لحق آل بيت رسول الله، وتحكيما لسنة رسول الله التي اضطهدت في العصر الأموي، وإرجاعا لنظم الخلافة كما أرادها الرسول الكريم بدل الملك العضوض الذي أحدثه أملاك أمية، يقول ابن الطقطقي في «الفخري»: «إن هذه الدولة ساست العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك، فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تدينا، والباقون رهبة أو رغبة.» والحق أن العباسيين إنما سلكوا هذه السبيل لأنهم استعانوا بأبناء عمومتهم العلويين أصحاب الحق الأقرب في الخلافة، واعتمدوا عليهم في تكوين دعوتهم إلى أن تم لهم الأمر، فتنكروا لهم وفتكوا بهم. ومما يلاحظ في هذه الدولة الجديدة أيضا أن نظام الخلافة وولاية العهد ووراثة الحكم أصبحت أمورا وراثية تقليدية، وقد كان الأمر في العصر الأموي قريبا من ذلك، إلا أنه كان يكون للشورى والسن والعرف القبلي بعض الرعاية أو بمقدار أكثر مما صار إليه في أيام بني العباس؛ فقد أصبح نظام ووراثة العهد ميراثيا بكل معنى الكلمة، فلا الشورى لها موضع، ولا العرف والتقاليد العربية في اختيار ولي عهد الخليفة لها رعاية، فكم ولي الخلافة طفل! وكم أسندت أمور المسلمين إلى حدث لم يؤت من شرائط الخلافة ما يؤهله للقيام بأعبائها! وما كان هذا الأمر ليستساغ في العصر الأموي؛ لأن الروح العربية كانت ما تزال قوية، والتقاليد ورعاية السن والمقام كان لها أثرها في اختيار الخليفة وولي العهد. ويجب أن لا يغرب عن البال أن الأمويين كانوا على الرغم من نزعتهم الاستبدادية لا يستطيعون تخطي التقاليد العربية، فقد حافظوا على حرمة القبيلة ومكانة رئيسها، وراعوا فكرة احترام الأنساب حق الرعاية، كما راعوا حرمة المكانة الاجتماعية، أما خلفاء بني العباس فقد أخذت التقاليد والمراسيم الفارسية والأعجمية تحتل مكانتها عندهم، وفي هذا دليل على ما ذهبنا إليه من مشايعة أصحاب الرأي القائل بأن هذه الدولة الجديدة دولة ذات طابع فارسي واضح؛ فقد اعتمد الخلفاء على الفرس والموالي وقربوهم منهم، واستطاع هؤلاء الموالي - متسترين وراء الفكرة القائلة بأن الدين الإسلامي قد ساوى بين معتنقيه كافة، وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى - أن ينفذوا إلى قلوب الخلفاء، وأن يسيطروا على مرافق الدولة ومؤسساتها.
अज्ञात पृष्ठ