उम्मा का युगोद्गम: अरब राष्ट्र का इतिहास (भाग एक)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
शैलियों
وقد بلغت بلاد الرافدين في عهد البابليين حدا رفيعا في العلم والحضارة تممت به ما بدأه السومريون والأكديون من قبل، وغدت هذه الديار سيدة دول الدنيا، وركيزة حضارات آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ فقد وجد البابليون قبلتهم في بلاد الرافدين حضارة راقية في عمرانها وعلمها وفنها وهندستها وزراعتها وصناعتها وتجارتها وقوانينها وأنظمة حكومتها، فأكملوا ذلك وتمموا من عندهم ما لم يجدوه عن أسلافهم من السومريين والأكديين، ولولا الحضارتان القديمتان في «أكد» و«سومر»، لما استطاع البابليون أن يبدعوا ذلك الإبداع الخلاق في حضارتهم خلال أربعة قرون؛ لأن دولتهم قامت - كما رأينا - حوالي أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، وبلغت أوجها في عهد حمورابي أوائل الألف الثاني قبل الميلاد.
وإن أجل آثار البابليين في حضارتهم هو العلم بمظاهره كلها، من تأليف وبحث وتطور وترجمة وكتابة.
يقول جرجي زيدان في وصف أقدم مكتبة في العالم عثر عليها في بابل: عثر النقابون على قرميدة بابلية عليها كتابة مسمارية فيها قائمة بأسماء ملوك بابل منذ أكثر من ستين قرنا، ويدل ذلك على قدم التمدن في ذلك البلد المبارك، وفي جملة أولئك الملوك ملك اسمه «شرجينا»، وكان محبا للعلم والعلماء، راغبا في العمارة، أنشأ مكتبة في «الوركاء» من أعمال العراق سماها مدينة الكتب، وعهد إلى رجال من خاصته في جمع الكتب قديمها وحديثها، وأن يفسروا بعضها بالترجمة أو التعليق، واستعان بالعلماء من سائر الأقطار لينقلوا علوم الآخرين إلى لسانهم وتدوين علومهم، واشتغل آخرون بالشرح والتعليق، كما فعل بطليموس فيلادلفوس بالإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد، وكسرى أنوشروان في جنديسابور في القرن الخامس للميلاد، وكما فعل الرشيد والمأمون في بغداد في القرن الثاني والثالث للهجرة.
وقد دون «شرجينا » هذه العلوم بالحرف المسماري نقشا على الطين، وهي القراميد الآشورية المعروفة، فكانت مكتبة «وركاء» هذه مملوءة بالكتب اللغوية والفلكية والشرعية والأدبية وغيرها، ثم نسخت بعد إنشائها بخمسة عشر قرنا بأمر من أمير آشوري، وحفظت في دار خاصة بها كما تحفظ المكاتب اليوم، وعثر النقابون بالأمس على بقايا هذه المكتبة بين النهرين، ونقلوها إلى المتحف البريطاني في لندن، فهي هناك إلى هذه الغاية ...
4
فمكتبة «وركاء» هذه أول مكتبة بل دار كتب في العالم، اهتم بها الملوك والعلماء البابليون، فزودوها بنتائج تراثهم العلمي، وخير بحثهم العقلي، ونقلوا إليها مباحث قرائح العالم القديم، ولا ريب في أنه قد كان إلى جانب هذه الدار العمومية دور كتب خصوصية جمعها علماء الدولة وكتابها ومؤلفوها وأغنياؤها وأمراؤها، ولا عجب إذن أن نقول إن بحوث الأدب والعلم والتشريع قد ازدهرت في أيام البابليين ازدهارا مدهشا.
أما الأدب، فقد ضربوا فيه بسهم كبير، وخلفوا لنا آثارا رائعة من الأدب الديني، من شعر ونثر، ومن القصص الوعظي المنظوم على ألسنة الحيوان، الذي انتقل إلى اليونان عن طريق أيسوب؛ ذلك الأسير الشرقي الذي عاش في البيئة اليونانية، ومن القصص الشعري المسرحي الذي يتجلى بأروع مظاهره في «ملحمة جلجامش».
وأما العلم، فقد أبدعوا فيه أشياء كثيرة؛ منها «علم التاريخ» وسير الأولين، وقد برعوا في هذا العلم، وعرفوا كثيرا من تاريخ الإنسانية الأولى من بدء الخليقة وتكون العالم، وأحوال كثير من الأمم والشعوب والمدن والأقوام، وأحوالهم ممن سبقوهم أو عاصروهم في شتى بقاع الأرض؛ ومنها «علم اللغة»، فقد اهتموا بدراسة سنون لغتهم من نحو وصرف وعروض وبيان وما إلى ذلك؛ ومنها «علم الطب»، فقد توصلوا فيه إلى معرفة كثير من العلل ومداواتها، ومعرفة النباتات والأدوية والعقاقير والأطعمة الصحية المفيدة والأطعمة الضارة، وقد تضمنت شريعة حمورابي كثيرا من آداب الطب وشرائط الأطباء، وما يجب للمرضى وعليهم؛ ومنها «علم الفلك»، فقد ازدهر على أيديهم وتقدم تقدما باهرا، واعترف اليونان لهم بهذا العلم والتقدم فيه، وبأنهم أصحاب الفضل في معرفة كثير من نظرياته، ولا تزال الإنسانية تتمتع بفضل مكتشفاتهم وبحوثهم فيه، فهم الذين عرفوا النجوم الثابتة، والنجوم المتحركة، ورسموا لها الخرائط والمخططات، وبنوا طرائق سيرها، وحددوا مواضع الفلك، وأمكنة الكواكب، وعرفوا الأبراج الاثني عشر، وأدركوا الفرق بين الدورة الشمسية والسنة القمرية، وقسموا الشهر إلى أربعة أسابيع، واليوم إلى اثنتي عشرة ساعة، والساعة إلى ستين دقيقة.
وأما التشريع، فقد بلغوا فيه درجة رفيعة جد سامية تدل على ما وصلوا إليه من سعة في الثقافة وتنظيم في العقل، وسمو في التشريع؛ وأوضح دليل على ذلك هو قانون حمورابي،
5
अज्ञात पृष्ठ