पुनर्जागरण युग: अरब राष्ट्र का इतिहास (भाग आठ)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
शैलियों
وكان الجزار فتى أرناءوطيا من بلاد البوسنة، هرب من بلاده إلى الآستانة، ثم باع نفسه من تاجر يهودي، وانتهى به مطاف الرق إلى أن صار بين مماليك علي بك صاحب مصر، فأدخله علي ضمن جنده وعهد إليه بأمور الشرطة وتأديب العصاة، فكان شديدا عليهم، سفاحا، ظالما حتى عرف بالجزار، ثم اضطرته ظروف مجهولة أن يغادر مصر إلى دمشق، فاتصل بحاكمها وكان في عداد رجال الحملة التي بعث بها الوالي لقتال ظاهر العمر. ولما تمكنت حملة دمشق من حصار الشيخ ظاهر والفتك به غيلة، عمل أحمد الجزار على أن يحل محله، ثم ما زال يوسع سلطته ويكثر من المماليك والأجناد، وبخاصة البشناق، والألبان الأرناءوط، والمغاربة، حتى استولى على فلسطين كلها، وتقرب من الباب العالي في إستانبول، فاعترف بولايته ثم سماه واليا على دمشق في سنة 1780م وحاكما على لبنان . وهكذا استطاع الجزار الألباني المستعرب أن يوحد المقاطعات الثلاث ويكون جيشا قويا، وأسطولا ضخما استطاع بهما أن يسحق قوى نابليون بونابرت على أبواب عكا ويرده طريدا، فعظمت مكانته لدى الباب العالي وأضحى السيد المطاع في بلاد الشام، إلى أن مات في سنة 1804م/1219ه بعد أن فتك بالشام وأهله فتكا ذريعا.
وكان أبرز أمراء الشام المستقلين في ذلك الحين هو أمير جبل لبنان بشير الشهابي الثاني 1788-1840م، وكان الجزار قد طلب إليه أن يعاونه على حرب نابليون، فقصر في ذلك وغضب عليه الجزار واضطره على الهرب؛ فلجأ إلى مصر على إحدى المراكب البريطانية وقوى أواصر المودة بينه وبين محمد علي باشا.
وبعد هلاك الجزار أسندت الدولة العثمانية ولاية الشام إلى والي حلب إبراهيم باشا فمهد الأمور، وأضافت الدولة إليه ولايات دمشق وصيدا وطرابلس، وطلبت إلى الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان أن يكون تحت إمرته، فانصاع لذلك كارها، ولكنه لم ير من ذلك بدا لتسلم له إمرة لبنان.
وتعاقب الولاة الأتراك على الشام، وأكثرهم ظالم مستبد لا يعمل إلا لمصلحته الخاصة. وكثيرا ما كان يقع الخلاف بين ولاة الشام فيتحاربون ويقاسي الأهلون من ذلك شرا مستطيرا، وكم من مرة هاجم والي حلب والي دمشق، أو هاجم كلاهما معا والي عكا أو صيدا أو طرابلس، أو حاكم جبل لبنان. وما نريد أن نتوسع في ذلك فليس ها هنا مجاله.
1
وقد استمرت الدولة تتخبط في الفوضى والفساد، على الرغم من محاولات الإصلاح التي قام بها السلطان محمود الثاني، وكان لانفصال بلاد اليونان عن جسم الدولة واستقلالها في سنة 1830م بعد حرب فظيعة ذهب بها أكثر الأسطول التركي والأسطول المصري، كما كان لانفصال المقاطعات الرومانية عن الدولة العثمانية وإعلانها استقلالها في ذلك الحين أثر بالغ في إضعاف كيان الدولة. ويظهر أن الدولة العثمانية قد طاش صوابها، وأرادت التنفيس عن غمها الذي لحق بها من جراء الانهزامات، فسلكت إلى ذلك طريقا بشعة، وهي: الانتقام من نصارى الشام، فكتبت إلى واليها فيه تطلب إليه أن ينتقم منهم. وجمع والي دمشق العثماني أعيان البلاد في سنة 1831م، وتلا عليهم الفرمان الشاهاني القاضي بقتل كبراء النصارى في هذه البلاد لتآمرهم وإفسادهم، ولكن موقف أعيان المسلمين كان موقفا مشرفا؛ إذ قالوا له: ليس بين النصارى المقيمين بيننا مفسدون، وإنما هم أهل ذمة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
أوصى بهم خيرا، فقال: من آذى ذميا كنت خصمه يوم القيامة. ونحن لا نتحمل تبعة ظلمهم والفتك بهم. فأخذ خطوطهم على ذلك وبعث بها إلى الباب العالي في الآستانة. ولعمر الحق إن موقف عرب الشام المسلمين من عرب النصارى لموقف مشرف ومنطقي، وهو دليل على أن الروح القومية السليمة كانت قوية في هذه الأمة العربية على الرغم من محاولة الدولة العثمانية تفكيك عراها، وفصم أوصالها، فأية علاقة بين نصارى اليونان الثائرين على الدولة العثمانية وبين النصارى العرب العائشين بين إخوانهم، المحافظين على حقوق المواطن، ولكنه منطق الظلم والفوضى.
ولا شك في أن هذا العمل كان بذرة من بذور الانبعاث العربي؛ فقد رأى المسلمون العرب في هذه الديار فساد خطة الأتراك العثمانيين وسوء إدارتهم، فتمركزت في نفوسهم - أو في نفوس الواعين منهم على الأقل - فكرة التخلص من الظلم التركي وإنقاذ البلاد العربية الرازحة تحت عبئه من تلك الحالة الشاذة. وكانت أولى الانتفاضات ثورة أهالي دمشق على واليهم التركي سليم باشا في سنة 1247ه الذي قدم إلى دمشق وأخذ يعامل الأهلين بقسوة وعنف، بعد أن قاسى منه أهل حلب قسوة وعنفا شديدين. وما إن وصل إلى دمشق حتى زاد الضرائب واحتقر الأعيان، وضرب العامة، فعزموا على الفتك به وبجنده، وتجمهروا وتظاهروا عليه، وحصروه في قصره وضيقوا عليه، فاضطر أن يلجأ ليلا إلى الجامع المعلق أولا ثم إلى القلعة، وأمر بعض جنده بإحراق دار الحكومة ليشغل الناس عن محاصرته، فلم يأبهوا لذلك الحريق، واضطر الوالي أن يقذف عليهم نيران المدافع من القلعة، فهلك من الأهلين عدد كبير. ثم لجأ الوالي إلى بيت القاضي فهاجم الناس البيت واحتلوه وقتلوه، واختاروا من بينهم حكومة تدير شئون البلاد كانت بذرة جديدة من بذرات الوعي القومي العربي. ويقول بعض المؤرخين: إن الدافع الحقيقي لثورة أهالي دمشق على الوالي العثماني، هو محمد علي باشا صاحب مصر؛ فإنه كان يطمع في السيطرة على الشام، فدفع أهالي العاصمة السورية للثورة على واليهم.
أما مصر فقد كانت منذ سنة 1798م/1213ه تحت السيطرة الفرنسية، وكان نابليون بونابرت قد احتلها في تموز من تلك السنة، وادعى حين نزوله إلى الإسكندرية أنه محب للإسلام، وأنه صديق للخليفة العثماني، وأنه يريد أن يبني للمسلمين «مجدا عظيما لا نظير له في الأقطار، والدخول في دين النبي المختار»، وأنه إنما جاء إلى مصر لينقذها من ظلم المماليك ... إلى آخر تلك الأقوال المعسولة التي لم تخدع شعب مصر، فثار عليه واعتبره غاصبا ظالما مستعمرا. وأصيب في الإسكندرية وحدها دفاعا عنها حين احتلال الفرنسيين نحو من ثمانمائة قتيل وجريح، وقد لعبت المقاومة الشعبية السرية دورها في الفتك بجيش نابليون وإزعاجه.
अज्ञात पृष्ठ