तारीख तमद्दुन इस्लामी
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
शैलियों
واتخاذ الموسيقى في الجند قديم، والأصل في اتخاذه إثارة حاسات الجند في أثناء الحرب، أو صرف أذهانهم عن الاشتغال بالأخطار التي يتوقعونها، ومن هذا القبيل الغناء أو النشيد أمام الجند، فإنه من قبيل الموسيقى وكان العرب في جاهليتهم لا يعرفون من هذه الآلات غير الطبل، وكان المسلمون في صدر الإسلام يتجافون عن اتخاذ الأبواق والطبول، تنزها عن غلظة الملك ورفضا لأحواله، فلما انقلبت الخلافة ملكا، وتبحبحوا في زهرة الدنيا، ولابسهم الموالي من الفرس والروم وأهل الدول السالفة، وأروهم ما كان أولئك يتحلون به من مذاهب البذخ والترف، كان في جملة ما اقتبسوه منهم الموسيقى، وأذنوا لعمالهم في اتخاذها، تنويها بالملك وأهله، ثم جعلوا يستكثرون منها، وهي مقصورة على الطبل والبوق، وربما كان في الجند مئات من الأبواق والطبول. (8) السلاح
أشهر أسلحة العرب في جاهليتهم السيف والرمح والقوس والترس، وكانت لهم عناية كبرى في استخدامها، لأنهم كانوا يحمون بها أعراضهم ويستجلبون بها معاشهم ، وخصوصا القوس. (8-1) القوس
كان لهم بالقوس مهارة عظمى، لحدة أبصارهم، نتيجة لسكنى البادية ولأنهم أحوج إليها من سائر الأسلحة، فقد كانوا يستخدمونها في صيد الغزلان، فضلا عن الحرب والطعان، وبلغ من مهارتهم في النزع بالقوس ما يكاد يفوق طور التصديق، حتى ولو أراد أحدهم أن يرمي إحدى عيني غزال دون العين الأخرى لرماها، ولذلك سموا مهرة الرمي «رماة الحدق» وكان أحدهم يعلق ضبا بشجرة، ثم يرميه بالنبال فيصيب أي عضو شاء من أعضائه، حتى يرمي فقراته فقرة فقرة فلا يخطئ واحدة منها.
4
فلما جاء الإسلام كانت مهارتهم هذه من جملة ما ساعدهم على غلبة الروم، لأن هؤلاء لم يكونوا يحسنون رميها، وقد بينا ذلك في كلامنا عن الفتوح الإسلامية، ولم يكن قواد المسلمين يجهلون فضل النبال في نصرتهم، فكانوا يحرضون رجالهم على إتقان الرمي بها، وكان النبي يقول «اركبوا وارموا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا»، ومن أقواله «كل لهو المؤمن في ثلاث تأديبه فرسه، ورميه عن كبد قوسه، وملاعبته امرأته فإنه حق، إن الله ليدخل الجنة بالسهم الواحد عامله المحتسب والرامي في سبيل الله»، ومن أقواله وهو قائم على المنبر «أعدوا ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».
وكان الخلفاء والقواد بعد النبي يستحثون رجالهم على إتقان الرماية، كما يحرضونهم على العناية بخيولهم، لأن العرب أهل فروسية ، وخيول العرب مشهورة بخفتها وسرعتها وسهولة قيادها، وكان القواد يوصون رجالهم أن يعتنوا بأفراسهم مثل عنايتهم بنسائهم، وقد تقدم لنا كلام في ذلك.
وتفنن المسلمون بالرمي في العصور الوسطى، حتى اصطنعوا من الأقواس آلات مركبة، ولعلهم أخذوا بعضها عن الفرس، كالمجراة التي استنبطها العجم لما حاربوا التتر، وهي عبارة عن أنبوب من حديد أو خشب، فيه شق يوضع السهم فيه ويقذف قذفا شديدا، كما نقذف الرصاصة بالبندقية اليوم، وتكون الأسهم قصيرة، واصطنعوا لرمي السهام ضروبا من المجانيق، توضع في الواحد منها عدة سهام، وترمى عنها بالأقواس. (8-2) السيف
وكان العرب يعدون السيوف أشرف الأسلحة، وكانوا يستجلبونها من الخارج، وأشهرها السيوف اليمانية والهندية والسليمانية والخراسانية، وتعرف كلها بالسيوف العتيقة، وكان لكل منها شكل مخصوص أو علامة يمتاز بها: فاليمانية العتق مثلا التي صنعت في الجاهلية، كانت تمتاز بثقبين في سنبل السيلان (والسيلان أصل مقبض السيف)، وثقب السنبل من إحدى وجهتيه أوسع من الوجهة الأخرى، أو الوجهتان متساويتان ووسطه أضيق، وكان من السيوف اليمانية سيوف يقال لها المحفورة، وشطبها شبيه بالأنهار، وقد حفر بمبرد مدور، ومنها ذات حفر مربع، ومنها ذات شطب، وقلما تسلم اليمانية من العروق، وقد تنقش عليها تماثيل، أو يكتب عليها، أو يصور عليها صورة.
غير أن هذه السيوف أكثر قطعها في اللين، فإذا صادفت الحديد أو اليابس تقصفت، وكانت أسياف الروم أمتن منها، لأنهم كانوا يجيدون سقايتها حتى تبري الحديد، ولذلك كان العرب إذا أصابوا سيفا قاطعا تناقلوا خبره وأطروه، وقد اشتهر في أوائل الإسلام سيف ذي الفقار لعلي بن أبي طالب، وسيف الصمصامة لعمرو بن معدي كرب وغيرهما، ولعلهما في الأصل من أسياف الروم، ولذي الفقار شأن كبير في تاريخ الإسلام، توارثه آل أبي طالب، ثم أخذه المهدي العباسي، ثم صار إلى الهادي فالرشيد، ويقال إنه سمي ذا الفقار، لأنه كان به ثماني عشرة فقرة. وفي المتحف البريطاني أمثلة من السيف الهندي والسيف الدمشقي، شاهدناه في رحلتنا إلى لندن سنة 1912. (8-3) الرماح
أكثر ما يكون استخدام الرمح على الخيل ، ولكنهم لم يكونوا يأمنون له خوف انكساره، ومن وصاياهم في استخدام الرمح في الحرب قول صاحب «آثار الأول» في طرائق حركات الرمح وتصرفاته، قال «واللعب به في الميادين وبين يدي الملوك غير التحرك به في الحروب منها المواجهة، وهي أن تحمل على مبارزك وقد أخذت الرمح تحت إبطك وجعلته بين أذني فرسك، وتقصده مستويا حتى تقرب منه، فإن رأيته قد طرح رمحه يمنة فاطرح رمحك يسرة، وإن طرحه يسرة فاطرح رمحك يمنة، واجتهد أن تبدأ بالحمل عليه وأنت مسدد، وتحول الرمح يمنة أو يسرة كي تدهشه، فلا يدري من أين يجيئه، فإذا دنوت منه دخلت عليه من الخلل الذي لا يكون رمحه فيه، وإذا أردت أن تبتدئ بالخروج، فخذ أسفل الرمح بيدك اليمنى ورأسه إلى الهواء وهو على عاتقك الأيمن، وتحمل على قوتك وأنت كذلك، وإن شئت قربت منه حتى لا يدري من أي وجه يلقاك ... وإن خرجت إلى فارسين وتفرقا فاحمل على الأدنى، وإذا كان قريبين فأر أحدهما أنك تريد رفيقه، واحمل عليه ولا تتم حملتك ثم اعدل إلى الآخر واصدقه الحملة، وإن حذقا ورأيتهما يفترقان عليك فتطرف ولا تتوسط واحمل على الأدنى إليك، فإن تساويا فأدهش الأضعف، واحمل على الأقوى، فإن تساووا وكانوا جماعة فامتد أمامهم حتى يتبعوك، ثم كر على الأدنى منك فاطعنه، وإن دخلت مضيقا فتلقاك فارس برمح، فإياك والمصادمة بل انزل إلى الأرض واطعنه، وإن كان خلفك فارس وقدامك فارس في مضيق، فانزل وتحيل واقصد أقربهما إليك، وتترس من الآخر بدابتك ... إلخ».
अज्ञात पृष्ठ