وسنة الآخرين (1) سنة الأولين هى العدل ، وقد أهمل طريق العدل وانطوى بحيث لو تدعو أحدا فى هذا العهد للعدل فسوف تدعوه الجهالة إلى التعجب واستصعاب ما تدعوه إليه ، أما سنة الآخرين فهى الجور ولقد استكان أهل الظلم إلى مسلك لا يستطيعون معه أن يغيروا طريقهم من مغبة الظلم إلى منفعة تفضيل العدل واختياره ، بحيث لو إن الآخرين أتوا بعدل لقيل : إنه لا يليق بهذا الزمان ، ولهذا لم يبق ذكر للعدل وإذا ما انتقص السلطان شيئا من ظلم السابقين ، لأنه ليس من صلاح هذا العهد والزمان لقيل إن هذا رسم قديم وعادة الأولين ، فيجب عليك معرفة الحقيقة وهى أنه يجب السعى لتبديل آثار ظلم الأولين والآخرين واعتمادا على أن الظلم غير محمود فى العهد الذى اقترفوه فيه أو يقترفونه فيه سواء الأولون أو الآخرون ، وهذا السلطان قادر على هذا ، والدين معين له فى تغيير ومحق أسباب الجور ، إذ إننا نراه صاحب أوصاف حميدة أكثر من الأولين وسنته أفضل من السنن السابقة ، وإن كانت عنايتك بأمر الدين واستنكارك لما وجه له فى الدين فاعلم أن" الإسكندر" قد أحرق فى" إصطخر" كتاب ديننا المكون من اثنتى عشر ألف جلد من جلود البقر لكن الكثير منه بقى فى القلوب ، وذلك أيضا فى جملة قصص وأحاديث ، ولم يدرك الشرائع والأحكام بل إن تلك القصص والأحاديث أيضا قد ضاعت من ذاكرة الخلائق بسبب فساد أهل العصر وذهاب الملك والحرص على البدعة والأضاليل والطمع فى الفخر ، فلم يعد يبقى من صدقها ألف ، فلا حيلة إذن للرأى الصائب والصالح إلا بإحياء الدين ، ولم تسمع ولم تر أن ملكا قط غير السلطان قد قام بهذا الأمر ، وقد اجتمع عليكم مع ذهاب الدين أن ضاع أيضا علم الأنساب والأخبار والسير وسقط من الذاكرة ، فصرتم تكتبون بعضه فى الدفاتر وتنقشون بعضه على الأحجار والجدران ، حتى إنكم ما عدتم تحتفظون فى الخاطر بشىء قط مما جرى فى عهد والد كل واحد منكم ، ولا نهاية لأعمال العامة وسير الملوك مما يخص الدين إلى نهاية الدنيا فكيف يمكن الاحتفاظ
(كتاب تنسر ، ترجمة د. الخشاب ، ص 30).
पृष्ठ 35