ولقد أصابت رومة في هذا العمل من وجهتها الأنانية، ولو أنها ألحقت باليونانيين أضرارا بليغة مادية وأدبية فمنافع قوم مصيبة آخرين، وقانون التزاحم في الحياة النباتية والحيوانية يقضي بافتراس القوي الضعيف بالقوة والسيف أو السياسة والدهاء تبعا لدرجة المفترس الهمجية أو المدنية.
ولما انتهت الحرب مع فيليب بالكيفية السابقة؛ رجع أغلب الجنود الرومانية وعاد القائد فلامينوس إلى رومة فدخلها في موكب النصر حسب المعتاد لدى القوم، لكن أبقى في بلاد اليونان فرقة رومانية لمراقبة حركات فيليب المقدوني من جهة، وخوفا من تعدي أنتيوكوس ملك سوريا حدوده واختياره البحر لمحاربة الرومانيين اتباعا لوساوس أنيبال الذي ما انفك ساعيا في تأليف المحالفات ضد رومة انتقاما منها على انتصارها عليه، فهو الذي كان سعى في تحريض فيليب المقدوني على محاربتها.
ولما لم يفلح وثبت للحكومة الرومانية تداخله وتحريضه طلبت من قرطاجة نفيه خارج البلاد خصوصا وأنها رأت منه اهتماما زائدا في إصلاح داخلية بلاده، وخشيت لو استمر على خطته الإصلاحية من أن تقوى قرطاجة يوما ما من استرجاع ما فقدته من القوة والشرف في الحرب الأخيرة، فهرب أنيبال خفية وأتى إلى أنطاكية يحرض ملكها على محاربة رومة العدوة اللدودة لبلاده.
هوامش
محاربة أنتيوكوس ملك الشام
ولما كان أنتيوكوس يطمح بنظره إلى امتلاك ما كان تحت سلطان إسكندر الأكبر من البلدان، وخصوصا في آسيا الصغرى وإقليم (تراس) المسمى اليوم بالرومللي والباقي للآن تحت حكم الدولة العلية؛ مال إلى نصائح أنيبال وقبلها بكل ارتياح، وجهز جيشا عظيما لمحاربة الرومانيين واجتاز البحر إلى بلاد اليونان وانضم إليه من اليونانيين إحدى القبائل التي كانت مصافية للرومانيين ومحالفة لهم ضد فيليب المقدوني، ثم انقلبت عليهم لعدم حصولها على ما كانت تبتغيه من الضيع والبلاد، فأرسلت رومة الجيوش من ثغر برنديس (الآن برنديزي) إلى بلاد اليونان، وساعدتها قرطاجة بإرسال جانب عظيم من الغلال، وكذلك انضم إليها فيليب المقدوني عدوها السابق وحكومة قبرص وباقي الحكومات اليونانية المستقلة التي كانت تخشى على استقلالها من مطامع أنتيوكوس، فانتصر عليه الرومانيون ومحالفوهم تحت قيادة كانتون في عدة مواقع، وأخيرا تقابل الجيشان في مضيق (الترموبيل)
1
في يولية سنة 191ق.م.
وفاز الرومانيون بالغلبة وفر أنتيوكوس إلى آسيا الصغرى بعد أن اجتاز (إقليم تراس) وعبر بوغاز الدردنيل
2
अज्ञात पृष्ठ