तारीख कुस्तुनतुनिया
التحفة السنية في تاريخ القسطنطينية
शैलियों
ثم إن مرسى هذه المينا على ما يرام من الأمن والطمأنينة والسعة والموافقة، ويفصله مضيق من البحر طوله نحو ميلين وعرضه نحو نصف ميل، وهو المينا التي ترسي فيها السفن، وهذا المرسى من أعظم وأحسن مراسي الدنيا موقعا وأمنا، ولسبب ما كان يحصل فيه من الأخطار على القوارب من جهة إلى أخرى في هذا البوغاز، قد مد هناك جسران من الخشب تعبر عليهما الناس والخيل والمركبات أو الكروسات، ولكل جسر باب يفتح عند دخول السفاين إلى المينا: أحدهما يفصل بين بواخر الدولة والبواخر التجارية، قد بناه السلطان محمود خان، والثاني أنشئ في أيام السلطان عبد المجيد، وبجانب المينا العظمى في الكرة المحلات الخارجة عن القسطنطينية، وهي المعروفة بالصوائح الخارجة الكبيرة، وهي البيرا وغلطة ومحلة الطوبخانة وقاسم باشا والفنار محلة الأروام.
أما البيرا المشهورة باسم بك أوغلي، وهي محلة الإفرنج الواقعة من جهة الشمال الشرقي من القسطنطينية؛ فإن محال التجارة الأصلية كائنة فيها، ولا يسكنها في الغالب إلا الوجوه من الغرباء؛ كسفراء الدول ونحوهم، وهي محلة كبيرة تتخللها الطرق الواسعة والمنازل الفاخرة والمخازن العظيمة والبارجات وسرايات السفراء المومأ إليهم ومساكن الإفرنج والأرمن الكاثوليك، وفيه كنائس الإفرنج والأرمن الكاثوليك أيضا، وفيها أماكن للقهوة ذات جنائن ومطابع ومخازن ومستشفيات الإفرنج ومدارس وتياطرات ومواضع للبوسطة ... إلخ، ولوكندات كثيرة يأوي إليها السواح والمسافرون، فيؤدي النزيل فيها في كل يوم عن أجرة حجرة مفروشة فقط نحو خمسة عشر غرشا، ومع المأكول من الخمسين إلى الثمانين غرشا، وفي ذلك يراعى حسن الحجرة وكثرة أشكال الطعام، وفي بعض جهات هذا القسم بنايات تشتمل على عدة حجر مفروشة للكراء، يدفع الإنسان في كل يوم من عشرة غروش إلى خمسة عشر غرشا، وله سرير للنوم، وقد جرت العادة عندهم بأن تعلق ورقة على المكان يذكر فيها أن هناك مخادع وحجر مفروشة للأجرة، وفي وسط هذه المحلة غلطه سراي، وهي مدرسة الطب التي احترقت سنة 1848ب.م، وأمامها محل تياطرو كبير، وهو مرسح تشخص فيه الإفرنج ألاعيب وروايات بحسب اصطلاح بلادهم.
وفي القسطنطينية عدة مدارس كبرى ومكاتب وقشل؛ أي معسكرات حسنة، فمن المدارس ما هي للعلوم والفنون، ومنها طبية وأخرى حربية ومكاتب للملاحين، وما ينيف على خمسمائة وثلاثين مدرسة أو مكتبا، وتحوي نيفا وأربعين مكتبة فيها مؤلفات شتى نفيسة، منها مجلدات بخط اليد ثمينة بعضها يختص بالجوامع، وعدة مطابع وبعض كراخين؛ لعمل الطرابيش والجوخ وخلافها ... إلى غير ذلك من المنافع الحاصلة حديثا في عصر من بسمت أيامه المجيدة متشحة بحلل المعارف والفوائد حضرة مليكنا الأعظم السلطان عبد الحميد خان، أيد الله أريكة سلطنته، ويطبع في هذه المدينة عدة جرنالات بلغات مختلفة، وفي القسطنطينية أماكن أخرى لتناول الطعام منتظمة ... وهلم جرا في ما لا حاجة إلى ذكره هنا. ثم إن موقع البيرا - أي بك أوغلي - جميل جدا، حتى إن الواقف بها يمكنه أن ينظر كل شواطئ آسيا وسراية الذات الشاهانية، وهناك جامع للدراويش.
أما الغلطة فبناها أهالي جينوا، ولم تزل إلى اليوم محاطة بالسور المنسوب إليهم، ومحيطه مقدار 8000 قدم، وموقعها في القسم المجاور للبحر، وهي محلة تجار الإفرنج لجهة جنوبي البيرا، فهي أمام السراية المشار إليها، وسكانها في الغالب أروام ويهود، وفيها عدة كنائس وأديرة مختصة بالروم، وفيها سوق للسمك على كثرة أجناسه وأنواعه، وفي الغلطة أيضا محل للجمرك ومخازن لشحن الفابورات وأماكن التجار واللوكندات والبورسات، وترى فيها من جميع طوائف الناس الشرقية والغربية، وفي الغلطة أيضا الجوامع الكثيرة وترسخانة الطوبخانة، أي خزينة للأسلحة والأدوات الحربية سواء كانت برية أو بحرية، ومعامل لصنع ما يلزم من المهمات للقتال، وفيها برج يدعى برج المسيح أو برج الحرس علوه مائة وأربعون قدما، بناه أهالي جينوا «مدينة من إيطاليا»، وكان بناؤه سنة 1446ب.م، والغرض من بنائه أن ينبه ويعلم سكان القسطنطينية عند حدوث الحريق بما يتفقون عليه من العلامات إشارة إلى أن الحريق في موضع كذا مثلا أو في المحلة أو الصائح الفلاني.
وكانت الغلطة حسبما يذكر المؤرخون في وقت ما تختص بأهالي مدينة جينوا المذكورة، وقد يصنع بقرب محلة الطوبخانة الغلايين الإسلامبولية الظريفة. أما الترسخانة الكبيرة والترسخانة البحرية وحوش البحرية، فهذه جميعها كائنة في محلة قاسم باشا. ثم قبل الوصول إلى القسطنطينية بنحو خمس عشرة ساعة يمر على شفا قلعة المعروفة بالدردانيل، وهناك المضيق العظيم الذي تجتاز فيه السفن إلى بحر مرمرا، وعلى كل جانب من هذا المضيق قلع عظيمة فيها كثير من المدافع. ثم يمر على كاليبولي، وهي في أول بحر مرمرا، وبعد قليل من الزمان تظهر مدينة القسطنطينية، وعند الدنو إليها من البحر يستقبلك منها منظر بهج رائق، ويخيل للناظر ما يدهشه، فتطلع عليه رءوس المآذن المذهبة وقبب الجوامع المسنمة وشوامخ الأبنية الجميلة والأبراج المزخرفة والمنائر العالية، وفي معاليها أكاليل من ورق السرو الأثيث وما شاكل ذلك من الأشجار التي تظلل المدافن العظيمة المحتفرة في جوانب الأسوار، لكنها في الداخل ليست كذلك؛ فإن طرقها أكثرها حرجة ضيقة معوجة ذات تعاريج ومنحدرات، حتى يتعذر على الغريب فيها أن يعرف من أين دخل، وكيف يخرج، ولكن لسبب تحدر أرض المدينة كانت الطرقات جافة نظيفة من الأوحال والأوخام ، على أن أسواقها غير مستوية وبعضها ضيق وأبنيتها أكثرها من الأخشاب والقرميد واللبن، ومما تهدم من أسوارها الباقي منها بعض أطلال ومواضع خالية.
أما النور والهواء فإنهما فيها كغيرها من المدن الشرقية بحصولها عليها من فجوات البيوت الداخلية، وقد قيل لم يكن في مدينة أو محل مثل ما في القسطنطينية من دنو مياه البحر الكثير إلى البيوت، حتى إنه لا يكاد يوجد شواطئ ذات زلط ولا حصى ولا شيء مما يكون في الساحل من وطاء رملي يمنع أو يصد السفن عن الدخول، ولا أعماق أنهر طينية أو دلغانية أو مجاري مياه مبطئة ومستثقلة، ولا سدود ولا حياض ولا تجمع مياه ... إلخ، مما يحصل عنه فصل وتقسيم في وسط المكان عن المياه العميقة، فإذا أراد أحد في مجال بندر إسلامبول الراجح بالمعاملات على غيره أن يطوف حول طريق مستوية بين شجر السرو، فعليه أن يمر البوسفور، وهو البوغاز الفاصل بين آسيا وأوروبا، ويصل البحر الأسود بالبحر الأبيض ممتدا على مسافة عشرين ميلا بالطول، وبالعرض من ميل إلى ميل ونصف، ينحدر فيه الماء بشدة، وينصب في بحر مرمرا المتصل بالبحر الأبيض، وعلى ساحل البوغاز من كلتا الجهتين أماكن شهيرة كل محل منها يضاهي مدينة صغيرة فيها من السرايات الأنيقة والمنازل الفاخرة والأسواق الرحبة المقيم فيها التجار وأصحاب الصنائع ونحو ذلك، وفيها أماكن أخرى للتنزه أحيانا وجنات بديعة يتفقدها الناس أفواجا، وهذا البوغاز على جانب عظيم من الحسن والجمال.
ويوجد أيضا على شاطئ هذا البوغاز سرايات ودور لأكثر رجال الدولة من الذوات؛ يقيمون فيها مدة الصيف، وفي فصل الشتاء يرجعون إلى المدينة حيث يباشرون الأشغال والأحكام، وأكثر هذه الأماكن محكمة البناء، تعلوها الروابي النضرة النابتة فوقها الأشجار المورقة دائما والحدائق الأنيقة، وفي الجهة الثانية من ناحية أسكودار ترى البر الثاني من قارة آسيا، وفيه عدة أماكن شهيرة، ومنظره الرائق مع منظر المياه المتحدة في ذلك البوغاز والبواخر والسفن والقوارب السائرة فيه كالنجوم، تجعل لها منظرا مذهلا لا يكاد يكون له نظير في المسكونة ؛ ولذلك تقصده السواح من أقطار الأرض لكي تشاهد غريب موقعها وإقليمها المعتدل وجودة هوائها ورونق ما يحيط بها من الأراضي الجميلة، وليرى ما عند أهاليها من حسن الأخلاق واللطف والرقة، وفي جهة من البوسفور قرى كثيرة، وفي اليمنى منه أيضا حوض ماء ضمن قبوة يسمونه حوض القديسة صوفيا تزورها ناس من المسلمين والنصارى، ويتبركون بها، وفي الجهة الشمالية قصر مبني على الشاطئ، وحوله جنينة لاحقة بأملاك الدولة المصرية، والمراد ببنائه هناك إيواء المسافرين من المصريين، وفيه قصور أخرى من الحجر، وبعضها من الخشب لمصيف الأكابر من أهالي المدينة، ثم إذا أراد أحد أن يذهب من اللوكندة إلى الأسواق لا بد له أن يمر أولا في طريق القرن الذهبي الزرقاء المنهوجة التي تصلح لمسير ألف ومائتي بارجة، وفيها ترسي البارجة العظيمة ذات المائة وعشرين مدفعا، وتدعى المحمودية، وفي الغالب لا تخلو مينا القسطنطينية بين سفائن كبيرة وصغيرة عن أقل من ثمان وعشرين ألف سفينة، وهذه المراكب تأتي إليها من كل قبائل الدنيا.
ومن عوائد هذه المينا أنها تأتي الباب العالي بكنوز العالم، وترفع عمارته البحرية الحربية، حتى تدنو من أبواب حديقته الأنيقة. أما تجارة القسطنطينية فهي واسعة وهواءها كثير الاختلاف؛ فإن فصل الشتاء فيها طويل غزير الأمطار، وفي أيام الخريف تكثر الرياح الجنوبية، فتمني من تصيبه بأمراض شتى، وأعدل الفصول فيها الربيع والصيف، وجوها عرضة للتغير والانقلاب، إلا أن فيه بعض موافقة للصحة، وكثيرا ما كان يحدث فيها من العلل الوبائية، حتى عمتها مراحم وإحسانات الذات الشاهانية الخيرية، فزالت هذه بوجود المدارس الطبية والمستشفيات والأطباء الماهرين والتنظيفات والإصلاحات المتواصلة في كل يوم. ثم إن القسطنطينية محاطة بالأسوار الكبيرة المربعة، وبسور عال جدا، وبأبراج كبيرة مربعة أيضا يبلغ عددها نحو عشرين برجا، وهذه الأبراج قد شيدها ملوك اليونان، وإن يكن كثير من هذه الأسوار المذكورة كان قد بني منذ الجيل الخامس عشر، لكنه لم يزل بعضها إلى اليوم متينا.
أما قلعة أو سراية السبعة أبراج المتصلة بالأسوار، فإنها عادت الآن حبسا عموميا للحكومة، مع أنها كانت قديما من جملة أبواب المدينة، وبعض هذه الأبراج تحول طرقا للبوابات وقد تهدم أكثرها، فالقسطنطينية في الأول كان لها ثلاث وأربعون بوابة، ثم صارت إلى اثنتين وعشرين والذي منها إلى الآن سبع بوابات فقط، وقرر أيضا مؤرخو الإنكليز أنه كان لسور إسلامبول قديما سبع وثلاثون بوابة، ثم في القسطنطينية ثلاثمائة حمام من الحمامات المشهورة، وثلاثمائة وستة وأربعون جامعا، وقرر مؤرخو الإنكليز أيضا أن فيها نحو أربعمائة وخمسة وثمانين جامعا، منها ثلاثة عشر جامعا ملكية، وفيها مآذن كثيرة شاهقة في الجو، ما عدا الحمامات الصغيرة الكثيرة العمومية، وكلها مع الحمامات المذكورة تنيف على ألفي حمام.
وكل بيت في القسطنطينية مهما كان لا بد له من حمام، وفي أكثر ضياع القسطنطينية يوجد حمامات جميلة، وقلما يوجد قرية ليس فيها حمام. ثم إن أكثر هذه الجوامع والمغتسلات المذكورة هي من الرخام مسقوفة بالرصاص، وأشهر هذه الجوامع جامع أجيا صوفيا، بناه الملك قسطنطين سنة 325ب.م، وعاد فجدد بناءه الملك جوستنيان الأول أحد ملوك الشرق سنة 531ب.م، وتم في سنة 538ب.م، واشتغل فيه مدة سبع سنوات ونصف مائة مهندس مع مائة قلف - أي رئيس البنائين - وعشرة آلاف فاعل مع البنائين، طوله مئتان وتسع وستون قدما أو مئتان وسبعون قدما، وعرضه مئتان وثلاث وأربعون قدما، وقال آخرون إن عرضه مئتان وأربعون قدما، وهذا الجامع كان كنيسة عظيمة في أيام النصارى، تعد من أحسن كنائس الدنيا بعد كنيسة رومية، وحصل الاستيلاء عليها حين فتح المدينة سنة 1453ب.م - كما ذكرنا آنفا - ويوجد سبعة جوامع ملكية غير هذا الجامع أيضا، وكلها مزينة من داخلها بالرخام ومن خارجها بالمناهل، ولأكثرها مستشفيات ومكاتب؛ لإغاثة الفقراء وسد احتياجاتهم وتعليمهم، وقيل إنه يوجد في الأستانة ما ينيف على مائتي مستشفى للمرضى، وتسع مارستانات، وخارج هذا الجامع ساحة مربعة فيها أربع مآذن، وفي وسط الجامع قبة عظيمة وسطها يعلو الأرض مائة وثمانين قدما، وقطرها مائة وخمسة عشر قدما، وأسفلها محاط برواقين محمولين بين اثنين وستين عمودا أو سبعة وستين عمودا من حجر اليشب الجميل، قد أخربتها الزلزلة التي دكت المدينة، فجددوها ثانية غير أنها لم ترجع كما كانت في ارتفاعها وحسن استدارتها واستوائها، ولتمكينها وضعوا تحتها بين العضائد الكبيرة عدة من الأعمدة المصبوبة قبلا في مصر الموجود منها في هذه الأطراف، وعقدوا عليها قناطر تعتمد عليها القبة.
अज्ञात पृष्ठ