तारीख कुस्तुनतुनिया
التحفة السنية في تاريخ القسطنطينية
शैलियों
جل من لا عيب فيه وعلا
فإن العصمة والكمال لله وحده، وهو الكريم الغفار.
الجزء الأول
في تاريخ القسطنطينية وأصل الأتراك
إن مدينة القسطنطينية كانت في ما غبر من الأعصار القرية الأولى بين قرى طراشيا - أي طراسة - التي هي الآن قسم من بلاد الروملي في أوروبا، وكانت تسمى ليغوس، وهي قاعدة بلاد الترك في أوروبا وكل المملكة العثمانية، أسسها بيزاس، وكانت تدعى قديما البيزنتيوم - أو بيزانس - باسم موسعها، وذلك سنة 656ق.م، ويسميها الأتراك استنبول، والمتعارف في التاريخ - وهو الأشهر - أن أول من أسس هذه المدينة بيزنس رئيس الماغربين، فقيل لها بزنطية، وذلك قبل التاريخ المسيحي بألف ومائتي سنة، وكانت القسطنطينية مختصة بالملك داريوس هستاسيوس - أحد ملوك الفرس المعروف بداريوس الأول ابن الأمير هسناسب من سلالة تشمشيد من عائلة وجيهة في مدينة باسراكاد الكائنة في قارة آسيا القديمة - وهي كانت محل أعراش الملوك الأقدمين، وقد بنى باسراكاد الملك شيروس من ملوك الفرس فداريوس المشار إليه، تولى تخت الملك سنة 521، ومات سنة 485، وذلك قبل المسيح، ثم استولى على القسطنطينية أهل يونيانس الذين هم أحد الأقسام الأربعة في شعب هالان، وهو جنس يوناني قديم من أحد عشر إلى خمسة عشر جيلا قبل المسيح.
وبعد ذلك استولى على القسطنطينية الملك أكسرخوس الأول - وهو الخامس من ملوك الفرس قبل المسيح - من أربعمائة وخمس وثمانين سنة إلى أربعمائة واثنتين وسبعين سنة، ثم خلفه في الملك على القسطنطينية أهالي مدينة سبارط، وهي مدينة من بلاد المورة، وقاعدة بلاد لاكونيا، وكان تأسيس هذه المدينة في سنة 1880ق.م، والسلطان محمد الثاني استولى على سبارط المذكورة سنة 1460ب.م، وخربت في الجيل الثالث والثلاثين من تأسيسها، بعد أن كانت مقر حكومة بلاد المورة، وإلى الآن لم يزل لها آثار قديمة. ثم بعد استيلاء أهالي مدينة سبارط على القسطنطينية كما مر، خلفهم في الاستيلاء على القسطنطينية أهالي مدينة أثينا، فهذه المدينة والتي ذكرناها - أي سبارط - قد وقع النزاع والقراع سابقا بينهما على تملك القسطنطينية، وبقي ذلك الحال زمانا طويلا. أما أثينا المذكورة، فهي قاعدة قديمة لبلاد أتيكا، وأتيكا هي بلاد اليونان قديما، وقيل إن أثينا تأسست سنة 1643ق.م، وإن مؤسسها إنما هو شيكروب الذي ضمته إليها قبيلة مهاجرة من قبائل مصر، وأصل شيكروب من بلد «صا» في مصر.
وأما القسطنطينية فقد استقلت حينئذ وصارت معدودة ذات قوة بين القوات البحرية، وهي تعد من المدن سمع لها وقع كبير، وعرف لها شأن خطير في القدم، وتاريخها يستدعي النظر والاعتبار. ثم بعد هذا الاستقلال حصرها فيليب ملك مكدونيا، ولم يمكنه امتلاكها، وهو أبو إسكندر الكبير المدعو الملك فيليب الثاني الكبير ملك مكدونيا، الذي هو ابن أمنيتاس ثامن ملوك مكدونيا المدعو أيضا أمنيتاس الثالث، ولد سنة 383ق.م، ومات مذبوحا من بوصانياس سنة 336ق.م، وخلفه ابنه الأكبر الملقب بإسكندر الكبير، وكان حصار فيليب المشار إليه للقسطنطينية على غير طائل البتة، ثم اتحدت القسطنطينية مع الرومانيين، وساعدتهم في مدة حرب ميريادتس ملك البنطس الملقب بالكبير، وكان عدوا ألد للرومانيين شديد الإحنة والحقد عليهم، فكان جزاؤها على اتحادها أن أفيزت بالاستقلال التام، وذلك تحت ظل حكومتهم، وفي الجيل الأول عادت مثل طراشيا مرتبطة ومتعلقة في المملكة، وفي سنة 193ب.م اشتهرت القسطنطينية تحت إمرة الجنرال الروماني المدعو بسينيوس نيجار، وفي عهده حاصرها مدة ثلاث سنوات الملك سبتيم سافار، وهو أحد ملوك الرومانيين، أصله من مدينة لبتيس - من أعمال أفريقيا - فأمكن له أن يستولي عليها، فعاجلها بالدمار. ثم تجدد بناؤها بعناية الملك كاراكلا - أحد ملوك الرومانيين الذي ولد في مدينة ليون سنة 188ب.م، وهو ابن الملك سبتيم سافاروس المتقدم ذكره - وقد أقيم ملكا سنة 211ب.م.
وفي سنة 196ب.م كانت القسطنطينية تحت تسلط الملك غاليان وخلفائه، الذي هو أحد ملوك الرومانيين ابن الملك فالاريان، ولقد تولى غاليان سنة 253ب.م، وقتل تجاه مدينة ميلان من إيطاليا سنة 268ب.م، وأبوه الملك فالاريان المذكور قد ولد سنة 190ب.م، ولم تحصل القسطنطينية على رونقها إلا في زمن الملك قسطنطين؛ الذي أكمل ترميمها في الجيل الرابع سنة 330ب.م، أي بعد أن تبوأت اليونان أرضها، وهي كانت مبنية على سبع تلال، وسميت قسطنطينية نسبة إلى الملك قسطنطين الكبير المشار إليه المدعو قسطنطين البالبولوغوس، وهو قسطنطين الأول الملقب بالكبير ابن الملك قسطنطين من زوجته الملكة هيلانة، الذي مات سنة 306ب.م، بعد ما خلف قسطنطين الكبير المذكور سنة 274ب.م، فمات قسطنطين الكبير هذا سنة 337ب.م، وكان له ثلاثة أولاد: وهم قسطنطين، وقسطنسوس، وقسطان، ولقبها فروق؛ لأن فيها تفرقت القياصرة غربا وشرقا، فأقام هو في هذه المدينة، وتملك على الرومانيين في المشرق، وجعل هذه المدينة تخت قيصريته وقاعدة مملكة الرومانيين، فصارت كرسيا لملوك الشرق، وما لبثت أن فاقت على مدينة رومية التي كانت وقتئذ أم المدن بعظيم بنائها وكثرة شعبها وغناها واتساع تجارتها، حتى إنها بارتها وفاضلتها أيضا بقدمية الآثار المشهورة.
وفي سنة 413ب.م حدث فيها زلزلة؛ فدكتها وصيرتها قاعا صفصفا، واستمرت حتى بناها الملك تاودوسيوس الثاني مرة أخرى، وفي سنة 557ب.م حدثت فيها أيضا زلزلة عظيمة؛ فخربت ثانية بمدة الملك جوستنيان، أحد ملوك الشرق الذي تولى فيها ومات سنة 565ب.م، ثم جدد بناءها، وأعادها أحسن مما كانت سنة 658ب.م، قبيلة من مدينة أركوس. وأركوس هي مدينة من بلاد اليونان القديمة، كانت أسكلة بحرية للمورة، ولما انتصر البرابرة وتسلطوا علي المملكة الغربية، فجزئت المملكة الرومانية سنة 395ب.م، وكانت هذه المدينة قاعدة للمملكة الشرقية، أي أن ابتداء مملكة بزنتيا كان سنة 395ب.م - كما ذكرنا - وانتهاؤها سنة 1453ب.م، والبرابرة في الأعصر الخوالي كانوا قبائل غربية مختلفة في أوروبا، تدعى الأمم ذات الخشونة، وهم الهونيون والغوطيون والونداليون والبورجيون؛ الذين كانوا يسكنون الأقاليم الواسعة في شمالي أوروبا، والنورمانديون والغاليون نسبة إلى غالة فرنسا القديمة، واللومبارديون ومن شمالي جرمانيا ومن أقاليم مختلفة من ألمانيا ومن الشمال الغربي من ولايات آسيا وغيرها، فهؤلاء جميعا كانوا أقل تمدنا من اليونان والرومانيين، وكانوا يشنون الغارات على كل أقسام المملكة الرومانية، ويتقاطرون من أقاليم مختلفة؛ لينتقموا من الرومانيين جزاء لهم على سوء عملهم مع الناس، ولم تدخل أصلا في حوزة الرومانيين، بل كانت مشتتة في تلك الأقاليم الواسعة الواقعة في شمالي أوروبا وفي الشمال الغربي من ولايات آسيا، وهي الآن مأهولة بالدانيمرقية والأسوجية واللاهت والروسية والتتر الذين لم يعرف لهم تاريخ قبل هذه الغزوة في المملكة الرومانية، ومنتهى ما نعرف بخصوصهم إنما هو ما روي عن الرومانيين، ومن حيث إن الرومانيين لم يتوغلوا داخل تلك البلاد العقيمة، التي لا ينتج فيها زرع، فلم يوردوا لنا عنها إلا تفاصيل ناقصة جدا، تتعلق بأحوال تلك الأمم القديمة التي كانت تقطنها، وكانت هذه الأمم سالكة طريق التوحش والبربرية، لا تعلم شيئا من الفنون والكتب، ولم يكن لها زمن ولا رغبة في البحث على الوقائع الماضية، وربما كان لها إلمام بذلك في كونها تتذكر بعض وقائع حادثة، وأما الأزمنة الخالية فأغفلت عندهم نسيا منسيا، وربما موهوا عنها بحكايات وخزعبلات باطلة، وزيفوا تواريخها بالبسابس والترهات، وكثر عدد هؤلاء الأمم الخشنة الذين تغلبوا بالتعاقب على المملكة الرومانية من ابتداء القرن الرابع إلى وقت سقوط مملكة الرومانيين، وكان اليونان والرومانيون بذلك الوقت يحسبون في عداد الشعوب الأولى في العالم، وكانوا يدعون القبائل التي لا تعرف لغاتهم ولا شرايعهم وقوانينهم وآدابهم برابرة.
ولقد تواترت على مدينة القسطنطينية دهمات الملوك، فحل بها الخراب مرارا، وتتابعت عليها الحروب، فأغار عليها الدول من التتر والأعاجم وأهل البلغار والصليبية وغيرهم، ولقد كابدت شدة الحصار مرارا، وقاست غزوات هائلة، فشملها النهب والسلب والخراب المرة بعد الأخرى، ثم لم تطل المدة حتى حصرت القسطنطينية ولم تؤخذ، فأول من حاصرها هم القبائل غير المتحدة، وهم من التتر وخلافهم، وذلك سنة 593ب.م، ولم يمكنهم أخذها، ثم حاصرتها القبائل المتحدة مع الفرس سنة 625ب.م، وهذه القبائل من متحالفة وغير متحالفة هن قبيلتان، أصلهما من التتر، ظهرتا في غربي شاطئ نهر الدون من بلاد الروس سنة 557ب.م، وكفى بما أسلفناه من القول في أصل جميع هذه القبائل. ثم حاصر العرب القسطنطينية من سنة 671 إلى سنة 678ب.م، وهم الذين أغاروا على إسبانيا سنة 712ب.م. ثم حاصرها البلغار سنة 755ب.م، والبلغار هم شعوب قديمة كانت على شطوط نهر فولكا في بلاد الروس، وفي الجيل الثامن ب.م فشا في القسطنطينية علة الوباء واشتدت، فكان عدد من ماتوا فيها ثلاثمائة ألف نفس، ثم حاصرها شعب يدعى فاريك سنة 866ب.م - وهو شعب نورماندي أتى من بلاد ناروج - ثم عقبه الصليبيون، واستولوا على القسطنطينية سنة 1203، وأقاموا عليها ملكا؛ الملك ألكسيس الرابع ابن إسحاق الملاك الملقب بألكسيس الصغير، وكان عمه ألكسيس الملاك قد طرد أباه إسحاق الملاك وأودعه السجن سنة 1195ب.م، فأنجاه من السجن ولده ألكسيس الرابع المذكور، وجعل لأبيه إسحاق الملاك حظا في الملك، فألكسيس الملاك ملك القسطنطينية تعاصى على أخيه إسحاق الملاك المرقوم، وانتزع من يده الملك سنة 1195ب.م، ودام له الملك حتى خلعه منه ابن أخيه ألكسيس الصغير - المار ذكره - سنة 1203ب.م كما تقدم، فتولى ألكسيس المومأ إليه مدة ستة أشهر فقط، ثم قلبه عن تخت الملك وخلفه ديكاي مرتزفل المدعو ألكسيس الخامس.
अज्ञात पृष्ठ