तारीख नेपोलियन बोनापार्त
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
शैलियों
لم يكد أوميارا يغادر سنت هيلين، حتى اضطر غوركو بدوره أن يغادر هذه الجزيرة المؤذية بهوائها الرديء؛ ليوقف مجرى الداء الذي كان ينتهش جسده منذ زمن طويل، فعندما وصل الجنرال إلى أوروبا أذاع نبأ اشتداد المرض على الإمبراطور، فأسفت أسرة الرجل العظيم وحل بها حزن أليم، لا سيما أمه التي عندما علمت أن ولدها، الذي كان سبب سعادتها ومجدها، قد حرم طبيبا يتعهده في مرضه المميت جرحت في صميمها، ونفذ الألم إلى أعمق أعماقها، فطلبت إلى شقيقها الكردينال فيش أن يذهب إلى اللورد باثورست ويستدرجه لإرسال الطبيب أنتومرشي إلى سنت هيلين، فنجحت مساعي الكردينال لدى الوزير الإنكليزي، وما عتم الأمر أن أصدر الوزير أمرا بإرسال أنتومرشي مع كاهن ورجلين آخرين.
في الثامن عشر من شهر أيلول سنة 1819 وصل الطبيب أنتومرشي إلى سنت هيلين، إلا أن نابوليون، الذي لم يكن قد علم بوصول طبيبه الجديد لا من الكردينال فيش ولا من أحد غيره، تردد أولا باستقباله لأن كل من كان يجيئه من إنكلترا أو من قبل الوزارة الإنكليزية كان يوحي إليه مقتا شديدا؛ سوى أن أنتومرشي ما لبث أن بدد شكوك نابوليون لدى المقابلة الأولى. قال الإمبراطور لطبيبه الجديد: «إنك كورسكي، وهذه هي النظرة الوحيدة التي أنقذتك.» ثم صرف الطبيب من عنده، وما هي إلا هنيهة حتى طلبه الإمبراطور، وقال له: قل لي يا دكتور ماذا تظن؟ أتراني أقلق طويلا بعد خواطر الملوك؟
فأجابه أنتومرشي: ستعيش طويلا بعدهم يا مولاي. - أعتقد ذلك، فلن يستطيعوا أن ينفوا من أوروبا دوي انتصاراتنا، فسيجتاز العصور مصرحا بأسماء القاهرين والمقهورين، بالذين كانوا كرماء وبالذين لم يكونوا، وستقف الأجيال حكما بيننا ! - ولكنك لم تصل إلى نهاية حياتك يا مولاي، فلا يزال أمامك وقت طويل بعد. - لا، يا دكتور، فالمأرب الإنكليزي قد تم، ولا إخالني سأذهب بعيدا تحت هذه السماء الرديئة.
وبعد هنيهة استطرد قائلا: لقد حرمت نجدة الطب منذ أكثر من سنة، فكأن الجلاد رأى احتضاري بطيئا فأراد أن يعجله، لقد كنت حليما نحو الجميع، إلا أن الجميع خانوني، وغدروا بي، وصقلوا حديد قيودي.
بقي أنتومرشي ثمانية عشر شهرا يقاوم، بكل ما أوتيه من الخبرة الطبية والغيرة الروحية، استفحال داء عضال ملأ سجن لونكوود حزنا وحدادا، ولقد لاحظ قبل الساعة المشئومة أن عنايته ومساعيه تذهب أدراج الرياح؛ ففي منتصف شهر آذار عام 1821 كتب إلى الشفاليه كولونه، وهو حاجب السيدة ليتيسيا والدة نابوليون، رسالة يتنبأ له فيها عن نكبة قريبة جاء فيها: «إن الجرائد الإنكليزية تذكر دائما أن صحة الإمبراطور حسنة، فلا تصدق، وستبدي لك النكبة القريبة أن ما يذكرونه خطأ مبين.»
بعد مرور بضعة أيام قال نابوليون لأنتومرشي: لقد دنت الساعة يا دكتور، بالرغم من عقاقيرك، أفلا تصدق؟
فأجابه الطبيب: أقل من كل يوم. - حسنا، أقل من كل يوم! وهذا ضرب من التكتم الطبي. أي تأثير سيحدث موتي في أوروبا يا ترى؟ - لن يحدث تأثيرا قط يا مولاي. - أبدا؟ - لا؛ لأنه لن يحصل. - وإذا حصل؟ - إذن، يا مولاي، إذن ... - قل ... - إن جلالتك إنما هي معبودة البسلاء، فسيشملهم الحزن من جميع أطرافهم. - والشعوب؟ - تصبح تحت تصرف الملوك، وتمسي القضية الشعبية وقد خسرت إلى الأبد. - إلى الأبد يا دكتور! وولدي! أتظن ... - لا يا مولاي، لا، فإن هناك مسافة طويلة يجب أن تجتاز! - أهي أطول من التي اجتزتها؟ - وهناك عراقيل عديدة يجب أن تخترق! - ليست أكثر عددا من التي اخترقتها! إنه ليحمل اسمي يا دكتور! وإني لأترك مجدي وشعور أصدقائي، فهو ليس بحاجة إلى أكثر من ذلك ليجمع ميراثا.
قال أنتومرشي في نفسه: «إن كلامه هذا إنما هو هذيان والد في ساعة الاحتضار!» ولم يصر طويلا على تبديد هذا الوهم.
في التاسع عشر من شهر نيسان أعلن نابوليون بنفسه عن ساعته الأخيرة لأصدقائه ، الذين كانوا يظنونه قد تقدم إلى العافية، قال: «إنكم لم تخطئوا فأنا اليوم أعفى مني قبلا؛ ولكني أشعر بدنو أجلي، عندما أموت يعود كل منكم إلى أوروبا حيث يشاهد بعضكم أهله والآخر أصدقاءه، أما أنا فسأرى بسلائي في الشنزاليزه. أجل، سيخف إلى ملاقاتي كليبر، دوزه، باسيير، دوروك، ناي، مورات، ماسينا وبرتيه، وسيحدثونني عن الأعمال التي قمنا بها معا. سأطلعهم على الحوادث الأخيرة التي طرأت علي في حياتي، وعندما يرونني تدب فيهم حماسة المجد! أجل، سنتحدث معا عن حروبنا مع السيبيون والأنيبال والقيصر والفردريك! وسنطرب لهذه التذكارات!» ثم استطرد ضاحكا: «بشرط ألا يخافوا هناك مشهد تجمع هؤلاء المحاربين في مكان واحد.» وبعد هنيهة قال للدكتور أرنولت الذي كان إلى جنبه: «لقد كان من الواجب أن يسجنني وزراؤك بين أربعة حواجز في هواء قذر كهذا الهواء، أنا الذي اجتاز أوروبا على جواده! لقد قتلتموني مطولا، وكان هدسن الخسيس منفذ وزارتك! إنني لألقي، وأنا أموت على هذه الصخرة الموحشة، عار موتي وخزيه على الأسرة المالكة في إنكلترا!» وفي الواحد والعشرين من الشهر أحس نابوليون باشتداد الحمى، وأدرك أنه يسرع إلى الموت، فطلب أن يحضر إليه الكاهن فينيالي وقال له: «لقد ولدت في الدين الكاثوليكي وأريد أن أتمم الواجبات التي يفرضها.»
قال الدكتور أنتورمرشي: لا أعلم أية حركة فاجأها إذ ذاك على وجهي فساءته، فقال لي: أتستطيع أن تذهب بإلحادك إلى هذا الحد؟ أتقدر أن لا تؤمن بالله؟ بيد أن كل شيء يثبت وجوده، فضلا عن الأدمغة الكبيرة قد آمنت به. قال أنتومرشي: فأجبته أنني لم أشك يوما في وجوده، وأن جلالته قد أخطأ في تصفح وجهي. فأجاب نابوليون مبتسما: إنك طبيب يا دكتور. ثم زاد بصوت منخفض: «هؤلاء القوم لا «يخضخضون» إلا المادة فلا يصدقون شيئا.»
अज्ञात पृष्ठ