بعد فتح الرياض بسنتين اجتاز عبد العزيز برجاله النفود فوصل إلى القصيم ووقف أمام بريدة فحاصرها ثم دخلها ظافرا (1189ه / 1775م)، وكان قبل ذلك قد دحر مرارا أعداء التوحيد الآخرين؛ أي عريعر بن دجين وابنه سعدون وعربانهم الحسويين والعراقيين، وغنم مدافعهم التركية التي جاءوا بها من الحساء محملة على الجمال، ولم ترضه هذه الانتصارات في بلاده فخرج يتتبع العريعر فغزا الأحساء التي كانت يومئذ لبني خالد وعاد منها ظافرا بغنائم كثيرة.
ولكنه في غزواته وفتوحاته لم يقلق الدولة ويزعج المسلمين إلا عندما دخل ابنه سعود كربلاء (1215ه / 1800م)، محط رحال الشيعة ونقطة الدائرة في شفاعة الأولياء، فالتحمت رجاله بأهلها، وبعد مذبحة هائلة في الأسواق هدم الموحدون القبة التي قيل إنها كانت فوق قبر الحسين، ونهبوا البلد، ثم زحفوا إلى المشهد (النجف)، وخارج سورها مدينة أخرى هي مدينة القبور ذي القباب، فردهم عنها يومئذ بحرها.
2
أما غزوة كربلاء التي ضج لها المسلمون، خصوصا الشيعة منهم، فقد أدت إلى اغتيال الإمام عبد العزيز وهو يصلي العصر في الجامع بالدرعية. قتله في شهر رجب من هذه السنة رجل شيعي جاء من العراق متنكرا كدرويش (1218ه/1803م)، وقيل إن الرجل كردي من أهل العمادية قرب الموصل، ولكن الرواية الأولى هي أقرب إلى الصواب.
وكان قبل وفاته بخمس عشرة سنة قد عين ابنه سعودا خلفا له، فبايعه الناس إذ ذاك على الإمامة عملا برأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ولا عجب إذا اعتزل عبد العزيز العمل في شيخوخته، وهو الذي قضى أكثر من أربعين سنة من حياته في الغزو والحروب، فلا كل ولا مل، ولا قعد بعد هزيمة، ولا لها بعد انتصار. قد كان يزحف برجاله من أقصى البلاد إلى أقصاها في يومي البؤس والنعيم، فيهب يوما على حواشي الربع الخالي ويوما في القصيم، يوما في الحساء، ويوما في السماوة بالعراق، وآخر في وادي الدواسر، كأنه من العناصر كالمطر أو السموم. وقد كان مطرا للموحدين وسموما لأعدائهم ، يغزو في بعض السنين ست غزوات ويعود بالغنائم إلى الدرعية فيقسمها على السواء بين رجاله.
أما ابنه سعود فكان قد باشر الغزو قبل أن بويع على الإمارة والإمامة، فظهرت فيه قوى التوحيد، توحيد الدين وتوحيد السيادة العربية، بأروع وأتم مظاهرها. هذا بالرغم عمن تظاهر عليه من الأعداء الأشداء، وقوة كل واحد الحربية تفوق قوتي العريعر والدواس معا. كيف لا وهم من ولاة الدولة العثمانية أو من حلفائها تعضدهم وتمدهم بالسلاح والرجال، وبالذخيرة والمال.
ومن هؤلاء الأعداء الشريف غالب بن مساعد شريف مكة في ذلك الزمان؛ فقد كان على ما يظهر حائرا في بداية أمره لا يريد أن يعادي ابن سعود أو يواليه. ولكنه أظهر في الموالاة ميلا مريبا عندما كتب إلى عبد العزيز أبي سعود يسأله أن يرسل إليه عالما من علماء نجد ليفهمه دعوة ابن عبد الوهاب، فأرسل الإمام أحد قضاة نجد يحمل كتابا من الشيخ إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، ولكن أولئك العلماء لم يرغبوا في مناظرة القاضي النجدي، ولا كانوا مع الشريف فيما أظهر من حب المسالمة والولاء. وقد يكون هو المصانع وهم خدام قصده الحقيقي؛ إذ إنه شمر منذ ذاك الحين، وهذي هي الحقيقة التي لا ريب فيها عن ساعد العداوة لأهل نجد، فأرسل أخاه الشريف عبد العزيز بجيش من عرب الحجاز، وقد انضم إليه كثيرون من عربان شمر ومطير وقحطان ليهاجموا الدرعية. ولكنهم توقفوا في وادي السر، فحاصروا قصرا من قصوره دون طائل، ثم جاء الشريف غالب نفسه ينجد أخاه، وعادوا بعد أربعة أشهر إلى الحجاز دون أن يصيبوا مغنما.
على أنه قد كان لهذه الغزوة نتيجة سياسية ظهرت في قيام عرب شمر ومطير على الموحدين، فضربهم سعود في وقعة العدوة
3
ضربة شتت شملهم ثم غزا جبل شمر فأدخل أهله في دين التوحيد.
अज्ञात पृष्ठ