ولكنه أخبر أنهم على ماء قريب منه، فراح يطلبهم هناك، فأدركهم وأخذهم جميعا، ثم علم أنهم غير المذنبين، وأنهم أبرياء، فأعاد إليهم كل ما أخذ منهم وأخلى سبيلهم.
أما المذنبون ورئيسهم تركي العرافة، فكانوا قد التجئوا إلى حكومة الترك في الحساء، فأخبروها أن «ذا النون» من رعاياها من الموصل، فأرسلت الحكومة تحتج على ابن سعود، وتحذره من التعرض لقبيلة العجمان. فأجاب أن في تأديبه هذه العشيرة خيرا للناس وللحكومة.
ولكنه لم يشأ يومئذ أن يغضب الترك في الحساء فتركهم وشأنهم.
الفصل الثامن عشر
الأتراك والوحدة العربية
خبطت حكومة الاتحاديين في دياجي الأثرة خبط عشواء، وتلطخت أيدي زعمائها بدم الأبرياء، فنفرت منها كل العناصر غير التركية، بل هاجت عليها فئة عاقلة من الأتراك أنفسهم، ولكنها لم تظفر بشيء يذكر، ولا ظفرت الحكومة بأمنية من أمانيها القومية أو الوطنية؛ فقد حاولت تتريك العرب فباق بها الفشل، وحاولت استرضاءهم بعد ذلك فكانت كالنافخ في الرماد.
قد أفضت تلك السياسة إلى الحرب الأولى بعد الدستور، بل إلى الخسارة الأولى من الممالك العثمانية (1330ه / 1912م)، انتصرت إيطالية، وذهبت طرابلس الغرب، ولكن الذي يهمنا في هذا الصدد هو أن أميرا من أمراء العرب؛ أي السيد الإدريسي كان حليف الأجانب على الأتراك، وظل الأمراء الكبار الآخرون - ما عدا الشريف حسين - على الحياد في تلك الحرب.
حتى إن الإمام يحيى عدو الإدريسي ظل ساكنا، فلم يغتنم الفرصة للفتك بالأدارسة وأتباعهم. وجل ما كان من «إخلاصه» للدولة أنه أذن لعساكرها أن تجتاز بلاده لتسقط على الإدريسي من الجبال فتجتز ساقة جيشه.
ثم طلبت حكومة الاتحاديين المساعدة من ابن سعود، وتعهدت أن تقدم له كل ما يحتاج إليه من السلاح والذخيرة والمال، فما لبى الطلب. وقد كتب إلى الحكومة كتابا يقول إنه عربي فلا يحارب من أجل الدولة العرب، وإنه والإدريسي على ولاء، وإن البلاد في كل حال بعيدة عنه فلا يتمكن من محاربة أهلها.
عادت الحكومة فطلبت منه أن يخص الأحساء بعسكر عربي لحماية تلك الناحية وبالحري لحماية الترك فيها، فرفض ذلك أيضا.
अज्ञात पृष्ठ