وكان السبب في تدوينها: أنه لما اتسعت للعرب الفتوحات واختلطوا بالأعاجم، ورأوا اختلاف الآراء، وانتشار المذاهب، وتطرق الفساد إلى اللغة، آل الأمر إلى التدوين والتحصين عملا بقول النبي
صلى الله عليه وسلم : «العلم صيد والكتابة قيد، قيدوا رحمكم الله علومكم بالكتابة».
وكان ابتداء العرب بالتصنيف والتدوين في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، فقيل: إن أول من صنف في الإسلام: الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري المتوفى سنة 155 للهجرة.
وقيل: أبو النصر سعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156ه (ذكرهما الخطيب البغدادي).
وقيل: ربيع بن صبيح المتوفى سنة 160ه.
ثم أخذ غيرهم في التصنيف في المدينة المنورة وفي اليمن وفي الكوفة والبصرة وفي مصر وخراسان؛ وكان مطمح نظرهم بالتدوين ضبط معاقد القرآن والحديث ومعانيهما؛ ثم دونوا فيما هو كالوسيلة إليهما (كشف الظنون ج1 ص22) وأول الوسائل إلى فهم القرآن هو اللغة فأخذ العرب في جمع شتاتها ولم شعثها، وألفوا المصنفات المتعددة في جميع موادها، وكانوا مما عنوا به وجدوا في تدوينه الزرع، والنبات، والشجر، والكرم، والعنب، والبقل، والنخل، وغير ذلك مما سيأتي ذكره، شأنها كشأن باقي حروف اللغة سواء بسواء.
كيف دونت أسماء النبات والشجر؟
حينما ابتدأ العرب في تدوين اللغة، وتقييد شواردها، وضبط أوابدها، كانت لهم من الأمصار التي نشأ العلماء بها البصرة والكوفة والحيرة، ثم بعد ذلك بغداد، وغيرها من الأمصار، فكانت هذه الأمصار مقرا للعلماء الذين انشغلوا بالتقييد والتعليم، ومهبطا لفصحاء الأعراب الوافدين عليها من البادية، حاملين إلى سكان الأمصار صحيح اللغة وفصيحها الذي لم يتطرق إليه الفساد بالاختلاط بالأعاجم من الأمم الأخرى، فيلقون فيها الدروس لمن يستمع لهم، ويتنافس العلماء في الأخذ والرواية عنهم.
فهؤلاء الأعراب الذين وفدوا من صميم جزيرة العرب على الأمصار، هم الذين نقلوا فصيح اللغة، هم الذين عول العلماء في التدوين على آرائهم، وسنذكر بعضا منهم، والجهات التي نزلوا عليها. (1)
أبو مالك عمرو بن كركرة:
अज्ञात पृष्ठ